مساء الثامن من ايار بتوقيت المانيا، وفي الساعات الأولى من يوم التاسع من ايار 1945 ، بالتوقيت الروسي، وقع قادة جيش المانيا النازية، وفي المقر الرئيسي للجيش الأحمر في العاصمة برلين وثيقة الاستسلام وإنهاء الحرب العالمية الثانية.

لقد خلفت الفاشية الخراب والتدمير في مناطق واسعة من اوربا والعالم. وكلفت جريمة الحرب (1 ايلول 1939 – 8 ايار 1945 ) اكثر من 60 مليون شهيد وضحية، منهم 20 مليون مواطن سوفيتي.  وتوزعت المأساة على المانيا والبلدان الأخرى التي غزاها الغول الفاشي. لقد واجهت شعوب المعمورة الجنون الفاشي بمقاومة باسلة، ولهذا يعتبر التاسع من ايار في الاتحاد السوفيتي، والبلدان التي خلفته "يوم النصر"، ويوم عطلة رسمية، في حين لا زالت قوى الوسط واليمين الحاكم في المانيا الاتحادية ترفض التصويت على مشروع قرار يطرحه حزب اليسار الالماني سنويا في البرلمان الاتحادي، لاعتبار يوم الانتصار على الفاشية يوما وطنيا للاستذكار وعطلة رسمية. ويرى متابعون إن رفض الأكثرية البرلمانية لمشروع قرار اليسار يدخل في الإطار تصورات عائمة ساعية لجعل المانيا الموحدة قوة عظمى في عالم المستقبل.

والهيمنة الألمانية في الاتحاد الأوربي لا تتم اليوم بواسطة ارسال الدبابات لغزو بولونيا، او لاحتلال باريس، وانما تتجسد في اخضاع بلدان جنوب اوربا، ففي اليونان يعيش الناس منذ ثماني سنوات تحت "احتلال اقتصادي" الماني غير معلن. ويئن اكثرية اليونانيين تحت وطأة فقر شديد، وجرى تدمير دولة الرفاه، وارتفعت معدلات الانتحار، والرابح الوحيد هو بنوك المانيا الكبيرة. وعسكريا يشارك الجيش الالماني في 13 نزاعا دوليا، وتقود المانيا قوات حلف الناتو للضغط غلى روسيا الاتحادية وابتزازها للحصول على المزيد والمزيد من المكاسب الاقتصادية والسياسية على حساب بلدان القارة الأخرى.

والاحتفالات هذا العام  في موسكو بالذكرى السنوية الثالثة والسبعين لانتصار الاتحاد السوفييتي في الحرب الوطنية العظمى على ألمانيا الفاشية ، هي أكثر من  احتفالات، وهي مناسبة لإظهار القوة العسكرية وارسال رسائل تحذير للولايات المتحدة وحلفائها، على خلفيات التهديد والصراع الدائر في سوريا وأوكرانيا، وجوابا على العقوبات التي يفرضها الغرب. ويبدو إن الدعاية المضادة والمعركة الدبلوماسية هي جزء من المواجهة الحديثة بين الشرق والغرب.

ولا تعكس سياسات الغرب احتراما لمصالح روسيا، ولا لقوتها النووية. لقد فاقم الغرب حالة التوتر عبر تقدم قوات الناتو في المساحات الشاغرة، وفي تغيير السلطة في كييف. ويعمل الناتو على صياغة "راس حربة"، فالحلفاء يطلقون الصواريخ على مواقع في سوريا، دون إن يستهدفوا لحد الان مواقع روسية هناك. وسوية مع الناتو يتقدم الجيش الألماني شرقا، ويدعو الى ارتداء ملابس شتوية في توازٍ سيء يعود بذاكرة المتابعين إلى شتاء روسيا في 1941 / 1942 . وتتصاعد عمليات شيطنة الرئيس الروسي، واقرار المزيد من العقوبات ضد بلاده، ويجري ترحيل عشرات الدبلوماسيين الروس من بلدان غربية عديدة.

وارتباطا بالتوترات المتصاعدة، ومؤشرات نذر حرب عالمية جديدة، جددت قوى اليسار الأوربي، ومعها قوى اليسار العالمي رفضها لسباق التسلح الذي يشهده العالم، وكل اشكال الحرب، مذكرة إن الفاشية كانت تهديدا مباشرا لقيم الإنسانية الأساسية، وللديمقراطية وللحريات الليبرالية. وان اوربا اليوم وبعد 73 عاما على الانتصار على الفاشية تشهد نموا لليمين المتطرف والعنصرية والعداء للاجانب وللسامية. ودعت قوى اليسار الى التحلي بالشجاعة، ومقاومة إي شكل من الاستبداد والكراهية العنصرية. يمكن للذاكرة التاريخية إن تبقى حية اذا تم الحفاظ عليها اليوم كجزء من المناقشات المجتمعية. ولذلك من الضروري إن يبقى التاسع من ايار عيدا للقيم الإنسانية والتسامح والديمقراطية ومحطة لتذكر الضحايا ومناضلي المقاومة المسلحة والسلمية.

عرض مقالات: