على الرغم من اعلان انتصار بادين في انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، وتواصل برقيات التهنئة من خارج البلاد وداخلها، بما في ذلك من نواب جمهوريين، الا أن ترامب لا يزال يتحدث عن إعلان انتصاره المرتقب في الأسبوع المقبل. ومع انشغال العالم وترقبه لنتائج الانتخابات، وانعكاساتها على السياسة العالمية، هناك تطور مهم بالنسبة لقوى اليسار والتقدم في الولايات المتحدة، ومستقبل الصراع السياسي فيها، لا يجري تسليط الضوء عليه بالقدر الكافي، الا وهو زيادة عدد النواب التقدميين في الكونغرس الأمريكي، أو ما يسمى إعلاميا بـ “الفرقة التقدمية”.
لقد عززت القوى التقدمية سلسلة الانتصارات التي بدأت مع انتخابات الكونغرس النصفية في عام 2018، فأعيد انتخاب عضوات الكونغرس الأربع المعروفات باسم “الفرقة” الإكسندريا أوكاسيو كورتيز من نيويورك، وإلهان عمر من مينيسوتا، وأيانا بريسلي من ماساتشوستس، ورشيدة طليب من ميشيغان لعضوية مجلس النواب الأمريكي.
فازت اليسارية الإكسندريا أوكاسيو كورتيز بولاية ثانية، وهزمت منافسها الجمهوري جون كامينغز، الذي كان يقود حملة بملايين الدولارات لهزيمتها. وبالنسبة لترامب وشركائه فهي رمز الكراهية بامتياز. وتتحدى الجمهوريين بخطبها الشهيرة، وتستنكر سياسة الهجرة غير الإنسانية التي ينتهجها ترامب، وهي ناشطة في الصفقة الخضراء الجديدة ومناهضة للتمييز في السياسة الأمريكية على أساس الجنس والعنصر. واخيرا وصفها ترامب بأنها “راقصة أحلام عنصرية”.
هزمت إلهان عمر منافستها الجمهورية لاسي جونسون بسهولة، وكانت هدفا لهجمات ترامب المناهضة للمسلمين والمهاجرين بشكل متكرر. وركز الرئيس في هجماته المعادية للمسلمين على إلهان عمر ورشيدة طليب. بل إنه اتهم عمر زوراً بدعم تنظيم القاعدة الإرهابي. وفي العام الفائت حث ترامب الحاضرين في تجمعه على ترديد شعارات ضد الهان عمر مثل “أعيدوهم”، و”خونة”. وفي عام 2018 كتبت رشيدة طليب تاريخا، وأصبحت أول امرأة أمريكية من اصول صومالية تفوز بعضوية الكونغرس وأول امرأة ملونة تمثل ولايتها في العاصمة واشنطن.
وعلى مدى عامين، حاول ترامب جعل “الفرقة” رمزًا لكل شيء يجب على (البيض) الوقوف ضده. لقد صور النساء الأربع الملونات على أنهن المتطرفات عديمات الخبرة، اللواتي سيسببن انهيار الولايات المتحدة. وفي العام الفائت، غرد ترامب أن النساء الأربع كن “مثيرات للشغب”، وأنهن ليس “ذكيات جدًا”. وفي الأشهر الأخيرة من الحملة الانتخابية، زعم ترامب أن المرشح الديمقراطي جو بايدن سيكون “دمية سياسية “ في ايدي الإكسندريا كورتيز وزميلاتها.
ان إعادة انتخاب “الفرقة” ذات أهمية كبيرة لليسار في الولايات المتحدة في مواجهة الهجمات المكثفة من ترامب والجماعات اليمينية المتطرفة وحتى بعض الأعضاء الأكثر يمينية في الحزب الديمقراطي.
ستعزز كوري بوش من ميسوري قوام “الفرقة” في مجلس النواب المقبل. وستكون أول امرأة سوداء من ولايتها تنتقل إلى مجلس النواب الأمريكي. كما ستصنع بوش تاريخا كأول ناشطة في حركة “حياة السود مهمة” تدخل الكونغرس. وفي الانتخابات التمهيدية، هزمت بوش منافستها النائبة الديمقراطية الاسي كلاي. وفازت في السباق الانتخابي ضد مرشحي الحزبين الجمهوري والليبرتاري بأكثر من 70 في المائة من الأصوات. على الرغم من الحرب الدعائية المستمرة التي اعتمدها ترامب لتصوير حركة “حياة السود مهمة” بانها محرضة و “بلطجية” خطرين و “إرهابيين”.
وسينضم من نيويورك جمال بومان، الذي فاز في الانتخابات التمهيدية في تموز الفائت على منافسه الديمقراطي النائب إليوت إنغل. وتم دعم ترشيحه من قبل حزب العائلات العاملة واثنين من أعضاء مجلس الشيوخ هما: إليزابيث وارين وبيرني ساندرز. واكد المدرس الأسود بومان، أن فوز الكسندريا وكاسيو-كورتيز في 2018، شجعه للترشيح، وأن برنامجه “موجه ضد الفقر والعنصرية”. وسيقوم بحملات لإصلاح القانون الجنائي، والتعليم، والرعاية الطبية للجميع، والصفقة الخضراء الجديدة.
واعيد انتخاب شاريس ديفيدز من كانساس وديب هالاند من نيو مكسيكو، وهما من سكان البلاد الأصليين، ومن المتوقع ان يضم أيضا الى الفرقة التقدمية ماري نيومان من إلينوي، وموندير جونز من نيويورك، بالإضافة الى ريتشي توريس، وجونز، وهما من السود الذين يهتمون بملف الحريات والخيارات في حياة الأفراد. وفازت الناشطة في ولاية ديلاوير، سارة ماكبرايد، بمقعد في مجلس الشيوخ. وهزمت سارة ماكبرايد، المتحدثة السابقة باسم حملة حقوق الإنسان، المرشح الجمهوري ستيف واشنطن.
بالإضافة إلى ماكبرايد، أرسل الناخبون في ولاية ديلاوير أيضًا أول امرأة أمريكية مسلمة سوداء الى المجلس التشريعي هي: مدينة ويلسون-أنطوان.
إن هؤلاء جميعًا جزءا من الحراك التقدمي الناشئ الذي يوشك ان يغير مشهد السياسة الأمريكية. إن نمو القوى التقدمية في البرلمانات على المستوى الاتحادي وفي الولايات لن يكون ممكنا بدون ملايين الناس، الذين خرجوا إلى الشوارع ضد الفقر والعنصرية وكراهية النساء ومن أجل المساواة.

قراءات يسارية لهزيمة ترامب

بعد الإعلان عن فوز بايدن وهزيمة ترامب كتب الكثير عن أهمية الحدث، وانعكاساته على التوازنات السياسية في العالم، ولكن العديد من قوى اليسار في الولايات المتحدة الامريكية ركزت على طبيعة الانتخابات وعلاقتها بالصراع السياسي والاجتماعي في البلاد، وماهي الخلاصات الأولية الممكنة. والى جانب مساهمة صحيفة الحزب الشيوعي الأمريكي، سنعرض أيضا موقف “الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا” الذي يمثل اهم تيار يساري داخل الحزب الديمقراطي، له برنامجه ومؤتمراته الخاصة.

جريدة الشيوعي الأمريكي

في مقال لرئيس التحرير جون وجيك وصف أجواء الاحتفال بهزيمة ترامب، الآلاف من الحالمين (تسمية تطلق على أبناء المهاجرين الذين لا يملكون أوراق إقامة رسمية) الذين عاشوا في خوف من الترحيل في عهد ترامب احتضنوا بعضهم البعض، وتنفسوا أخيرًا الصعداء من الألم الذي الحقه ترامب بهم. والناخبون السود الذين احتفلوا برفضهم المتكرر لعدم احترام الجمهوريين لأصواتهم. والنقابيون احتفلوا بالنتيجة، متذكرين عملهم وعمل حلفائهم الصعب. لقد كانت بالنسبة للكثيرين في البلاد، من الساحل الى الساحل، لحظة راحة من شهور من الضغط الاقتصادي، والخوف من وباء كورونا وسنوات الكراهية والمخاوف التي سببتها حكومة ترامب.
اما رئيس تحرير الجريدة السابق تيم ويلر فقد أكد في مساهمته على ضرورة استمرار التعبئة بعد فوز بايدن. وان هزيمة ترامب لم تكن مفاجأة، إذا تم تحشيد أكبر عدد من الناخبين. لقد حصل جو بايدن وكامالا هاريس على أكثر من 74 مليون صوت، وهو أعلى رقم يحصل عليه مرشح رئاسي في التاريخ. والجميع متحمسون للتحالف العابر للأعراق والمواضيع المختلفة بقيادة العديد من النساء ذوات التفكير الواضح الذي أدى إلى هذا النصر.
وذكر الكاتب بمحافظة الجمهوريين على رئاستهم لمجلس الشيوخ، وان ترامب حصل على 70 مليون صوت، أغلبهم من البيض الذين اعماهم تفوق العرق الأبيض ومعاداة الشيوعية. ولا زال ترامب ومناصروه يسيطرون على المحكمة العليا التي تعمل، في زمن الوباء، على الغاء قانون الرعاية الصحية، وحرمان 20 مليون انسان من الرعاية الصحية. ويأمل ترامب بان يقوم أتباعه في المحكمة العليا بإلغاء نتائج الانتخابات ومنحه فترة ولاية ثانية.
وتقول شعارات اليوم: “احمِوا النتائج!” و “كل صوت مهم”. وحتى بعد فوز بايدن، فمن الضروري مواصلة التعبئة، فلا تزال الديمقراطية والبلاد في خطر كبير.

الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا: الطبقة العاملة تطالب بتغيير حقيقي

اكدت الحركة في بيان لها، ضمن أمور أخرى على: “نظم الآلاف من أعضائنا أنفسهم في أماكن العمل والسكن خلال العام الحالي، على الرغم من تعرضهم مرارًا وتكرارًا لأخطار الوباء والأزمة الاقتصادية وعنف الشرطة. كانت دماء وعرق ودموع الطبقة العاملة المتعددة الأعراق هي التي دفعتنا الى الاستمرار. عندما توقفت حملة بايدن عن الدعاية الانتخابية، استمر أعضاء نقابة “اتحدوا هنا” المطرودون من العمل في التواجد في الشوارع بلا تردد. وبعد أن قام الديمقراطيون الوسطيون بتهميشه، أرسل بيرني ساندرز رسالة نصية إلى مؤيديه في الولايات المتأرجحة، وصوت 96 في المائة منهم ضد ترامب. أنفقت الطبقة الحاكمة الملايين ضد مرشحينا ومبادراتنا الانتخابية، حتى في معاقل الديمقراطيين، لكن لدينا انتصارات انتخابية علينا الاحتفال بها. وسنعمل معًا على ضمان احتساب كل صوت، وننبه بايدن وهاريس مباشرة إلى أن الطبقة العاملة تطالب بتغيير حقيقي، وليس مجرد العودة إلى الوضع الراهن الذي كان السبب الرئيس في مجي ترامب الينا”.

عرض مقالات: