قبل شهرين من الاستفتاء لصالح وضع مشروع دستور جديد، بدأت أخيرا الحملة الانتخابية في تشيلي. وسُمح للأحزاب والتنظيمات السياسية بالتعريف بموقفها الرافض او الداعم للدستور النافذ. وبعد 32 عامًا من الاستفتاء، الذي بدأت بموجبه النهاية الرسمية لدكتاتورية أوغستو بينوشيت الفاشية (1973-1990)، تتاح الفرصة ثانية أمام التشيليين في 25 تشرين الأول المقبل للتخلص من دستور 1981، الذي يمثل أخر إرث للديكتاتورية العسكرية.
في 26 آب الفائت تجمع في ساحة إيطاليا، التي غُير اسمها اثناء احتجاجات العام الفائت الى ساحة الكرامة وسط العاصمة سانتياغو، أنصار حملة «أصوت لكرامة تشيلي”. وقدم عدد من ممثلي المنظمات اليسارية بياناتهم الانتخابية. وقال زعيم الحزب الشيوعي التشيلي، غييرلمو تيلير: “نريد انهاء العمل بدستور بينوشيت، الذي ظل نافذا ً منذ سنوات عديدة وحافظ على نظام اقتصادي متعسف وغير عادل”.
لقد نجحت الحركة الاحتجاجية في تشيلي في فرض إجراء استفتاء دستوري، فبعد العصيان المدني في سانتياغو في 18 تشرين الأول 2019، تصاعدت الحركة الاحتجاجية في عموم البلاد، مطالبة بالتغيير وانهاء سياسات الليبرالية الجديدة. وعلى الرغم من إنزال الجيش في الشوارع وممارسة العنف الوحشي ضد المتظاهرين، فإن الضغط على الرئيس اليميني سيباستيان بينيرا أصبح في النهاية كبيرًا لدرجة أجبرته، نهاية العام الفائت، على الموافقة على إجراء استفتاء دستوري.
والآن أصبح بإمكان الناخبين التشيليين التصويت، إذا كانوا يريدون إقرار دستور جديد، وإذ كانت الإجابة بنعم، فما هي الهيئة التي تكلف بأعداد المشروع؟ إذا صوتت الأغلبية بنعم، فسيتم في نيسان المقبل انتخاب جمعية تأسيسية، تناط بها مهمة صياغة المشروع، وفي غضون عام واحد سينظم استفتاء آخر لإقراره.
ومنذ شهور، يدور في البلاد جدل حاد حول تركيبة الجمعية التأسيسية. وهناك خياران؛ الأول „مؤتمر دستوري مختلط”، يتألف من عدد متساو من ممثلي الأحزاب المنتخبين، أي البرلمان الحالي، والثاني جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب مباشرة. قوى اليسار تدعم الخيار الثاني، لأن الخيار الأول يعني استحالة تحقيق تغييرات حقيقية، بسبب اتخاذ القرار بأغلبية الثلثين. من جانبها تطالب الحركات الاجتماعية بنسبة متساوية للجنسين في تركيبة الجمعية التأسيسية المرتقبة.
وكان من المقرر اجراء الاستفتاء في 26 نيسان الفائت، وبسبب كورونا جرى تأجيله الى الخريف. وتشيلي هي واحدة من البلدان الأكثر تضررا بالوباء، الذي أدى الى أكثر من 400 ألف إصابة وقرابة 11 ألف حالة وفاة. وحسب نقابة الأطباء، فان إمكانية اجراء الاستفتاء ممكنة، بفضل الخبرة المتحققة في التعامل مع الوباء.
ويحق لرئيس الجمهورية وللبرلمان تأجيل موعد الاستفتاء، في حالة اتساع تفشي الوباء. وعمليا تسعى قوى اليمين في الحكومة والمعارضة الى تأجيل الاستفتاء، او إجراء استفتاء محدود، وهي حالة تعدها قوى اليسار غير مسبوقة.
ويأتي الاستفتاء في العام الخمسين لأهم انتصار انتخابي لقوى اليسار كان في 4 أيلول 1970، حيث فاز تحالف “الجبهة الشعبية” اليساري بالانتخابات العامة، وأصبح الاشتراكي سلفادور أليندي رئيسًا للجمهورية. ومثل الحدث بداية لبناء تجربة اشتراكية فريدة.
في 11 أيلول 1973، نفذ الجنرالات بدعم مباشر من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية انقلابا دمويا على غرار انقلاب 8 شباط 1963 في العراق. وفي خطابه الأخير قبل استشهاده البطولي في القصر الرئاسي، قال اليندي عبر اذاعة ماغالانيس التابعة للحزب الشيوعي. “لديهم القوة وبإمكانهم العودة إلى العبودية. ولكن ليس بإمكان الجريمة والعنف وقف العمليات الاجتماعية”.
وفي 11 اذار مرت الذكرى الثلاثون للنهاية الرسمية للدكتاتورية، التي لا تعني بالضرورة عودة الديمقراطية الحقيقية. وهذا ما أكدته الحركات الاحتجاجية ضد ارث الدكتاتورية الفاشية، والتي حققت نجاحات بفضل استنادها الى ارث نضالي مجيد، واصرارها بروح متجددة على تحقيق الغد الأفضل.

عرض مقالات: