متابعة "طريق الشعب"

الصور ومقاطع الفيديو للمبادرات التطوعية في مساعدة العائلات الفقيرة، تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، من جهة تمنح الأمل، ومن جهة أخرى تطرح السؤال "هل يكفي ذلك؟".
وشباب تظاهرات أكتوبر، بين من ترك الساحات حفاظاً على الصحة العامة ومن بقي فيها حفاظاً على روح الثورة، ما زالوا في مقدمة المتطوعين لدعم الفقراء، وأكثرهم عمّال المياومة الذين فقدوا عملهم بسبب حظر التجوّل.
ومنذ بداية حظر التجوّل في عموم البلاد أواسط آذار الماضي، برزت حملات تطوعية عديدة من مؤسسات أهلية ومبادرات شبابية، أما الغائب الوحيد عن هذا كلّه كان الحكومة.
وحتى يوم الخميس الماضي، كانت أوّل توصيات من خلية الأزمة النيابية التي تشكلت بعد تسجيل العديد من الإصابات بفيروس كورونا المستجد في العراق، وجهتها للحكومة من شأنها "عدم استيفاء أجور الكهرباء للمواطنين لغاية هذا العام، وإنشاء حساب للتكافل الاجتماعي يشمل النواب والوزراء وجميع الدرجات الخاصة". ومن هذه التوصيات التي أطلقتها عبر بيانها حول أزمة جائحة كورونا " تأجيل تسديد القروض والمبالغ المستحقة بحق المقترضين من المصرف الزراعي (وزارة المالية)، وتأجيل تسديد القروض والمبالغ المستحقة لعام 2020 للفلاحين والمزارعين جراء اقتراضهم مبالغ لشراء المكائن والمعدات والمستلزمات الزراعية من الشركة العامة للتجهيزات الزراعية". وحسب البيان أكد وزير التخطيط على "إطلاق منحة عاجلة لكل فرد عراقي، وإمكانية دفع مبلغ 30 ألف دينار لعشرة ملايين مواطن لا يتقاضون أي راتب من الدولة وحسب البيانات المركزية المتوفرة لدى الوزارة" وقبل أيام نشط عراقيون أغلبهم من المشاركين في تظاهرات تشرين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في حملة دامت أياماً تطالب الحكومة بصرف منحة طوارئ للفقراء والذين فقدوا أعمالهم بسبب حظر التجوّل.
واستخدم النشطاء وسم #اصرفوا_منحة_الطوارئ.
ومن الحملات التطوعية في بغداد وجنوبها لدعم الفقراء والمحتاجين، نتحدث عن آخرها، باسم "اكفل فقير"، وبرزت العديد من المنشورات تشجع وتدعو للتبرّع.
يقول الناشط في الحملة خالد القيسي "بعض القائمين على الحملة ميدانياً من شباب الثورة، كنّا كسبنا ثقة الناس في تلك المرحلة بدعم المتظاهرين في ساحة التحرير وغيرها من ساحات الاعتصام في مدن أخرى، لنكمل المسيرة اليوم في أزمة الكورونا".
ويوضح لـموقع "ارفع صوتك": "تستهدف حملتنا بالأساس عمّال المياومة الذين يفقدون قوت يومهم بمجرد توقفهم عن العمل، ونشرنا أرقام هواتف لأفراد يتولون جمع التبرعات وشراء المستلزمات الغذائية لهم". وينظم النشطاء التواصل بينهم من خلال مجموعة تضم نحو 200 من مختلف المحافظات، على تطبيق "تلغرام"، جميعهم نشطون في الأفكار والخطط وآليات التنفيذ.
وبسبب الجدل الذي أثارته صور وفيديوهات بعض المتبرعين، يقول القيسي إن فريقه لا ينشر صور الحملة بل يزوّد المتبرعين أنفسهم بها من أجل المصداقية بين الطرفين.
علي القاضي، مواطن بغدادي استجاب لحملة "اكفل فقير" بقوله "لن أكفل واحداً فقط بل مئة".
وعن ذلك يقول: "لست وحدي من استجاب، تقريباً كل سكان الحي الذي أقطنه والأحياء المجاورة ويعتبرون من ميسوري الحال، وقمت بذلك مع اثنين من أقاربي".
كيف وصلت إلى أصحاب الحاجة؟ يقول القاضي "ليس من الصعب إيجادهم، فهم إما متسوّلون على الطرقات أو من سكان بيوت الصفيح والبيوت الطينيّة، في قلب العاصمة بغداد".
لماذا لم تتواصل مع نشطاء بعينهم في هذه الحملة؟ يقول القاضي "أعلم بوجود عديد النشطاء أصحاب الثقة، لكنّي قررت الاستعجال والذهب مع أقربائي بنفسي".
وبسبب وجود ما يكفي من الطعام، حسب قوله، ركز القاضي على إمداد العائلات التي وصل إليها، بالأدوية التي تنقصهم.
"
يُرثى لهم" بهذه العبارة يصف القاضي أحوال من قابلهم.

التحرير لم تلفظ النفس الأخير

إن كانت التظاهرات الأسبوعية أو التجمعات الكبيرة توقفت بحكم سيطرة الجائحة على مفاصل الأزمة داخل البلاد، فإن المتظاهرين ومناصريهم عن بعد، ما زالوا نشطين في مواقع التواصل الاجتماعي في قضايا سياسية واجتماعية عديدة، وبين كل آونة وأخرى يتداولون وسماً للتذكير بأهميّة التظاهرات واستمرارها، مثل #وعد_ترجع_الثورة. ومن ساحة التحرير، نهاتف الناشط منذ بداية أكتوبر 2019 في دعم المتظاهرين بالطعام، معمّر الزاخولي، وكان تحدث لنا في تقرير سابق عن مهامّه.
يقول الزاخولي لموقع "ارفع صوتك" إن عشرات المتظاهرين انتقلوا لمرحلة أخرى من التغيير في أزمة كورونا، حيث شكلّوا مجموعة "ذو الكفل" التي تتولّى متابعة جمع التبرعات وتوزيعها على الفقراء (السلات الغذائية) ومنهم يتولّى تعقيم وتعفير مبان رئيسية في بغداد. على الرغم من انتشار كورونا، لماذا البقاء في التحرير؟ يقول الزاخولي "يجب أن تستمر الثورة وتحقق أهدافها، إن خلت الساحة ماتت الثورة". ويوضح الآلية التي اتفق عليها المتظاهرون من خلال التنظيم بين التنسيقيات داخل الساحة وغيرها من الساحات في الناصرية وكربلاء.
يقول الزاخولي: "اتفقنا على تقليص العدد في الخيم بحيث لا يتجاوز ثلاثة أشخاص فقط، ويومياً تقوم فرقة خاصة بتعقيم وتعفير الخيم، بالإضافة إلى نشر الوعي بين المتبقّين على ضرورة الاهتمام بالنظافة الشخصية وغسل اليدين".
وبسبب شح الدعم اليوم لساحة التحرير، يقول الزاخولي "ننفق من مالنا الشخصي على أنفسنا، دافعنا الوحيد إبقاء الثورة على قيد الحياة، والتخلّص من الأحزاب الفاسدة". يقول الزاخولي "الوعي باحتياطات الأمان نسبي ومتفاوت بين المتظاهرين، لكننّا نحاول جهدنا حماية أنفسنا من عدوى الفيروس".