صوّت البرلمان الاسباني، بأغلبية نسبية، الثلاثاء الفائت لصالح حكومة اسبانية جديدة بقيادة ائتلاف يسار الوسط، الذي يضم حزب العمال الاشتراكي الاسباني، وكتلة اليسار الجذري الاسباني "معا نستطيع". وحصل رئيس الوزراء المنتهية ولايته،

وزعيم الحزب الاشتراكي بيدرو سانشيز، في جولة التصويت الثانية على 167 صوتا، مقابل 165 صوتا معارضا، وامتناع 18 نائبا عن التصويت. والتحالف بهذه الصيغة يعد الأول من نوعه، منذ نهاية دكتاتورية فرانكو.  والمرة الأخيرة التي شهدت اسبانيا تشكيل تحالف حاكم بين قوى اليسار والقوى الديمقراطية الاجتماعية، كانت قبل الحرب الأهلية التي انتهت بهزيمة الجمهوريين، وقيام دكتاتورية فرانكو الفاشية التي انتهت بوفاته في منتصف السبعينيات. وسيشغل بابلو اغليسياس زعيم حزب بودوموس، ورئيس كتلة اليسار منصب نائب رئيس الوزراء، بالإضافة الى ذلك حصل تحالف اليسار على أربع وزرات هي وزارات: المساواة بين الجنسين التي ستقودها إيرين مونتيرو ، و التعليم لـ ومانويل كاستيلس من بودوموس، فيما سيتولى القيادي الشيوعي، ومنسق اليسار الاسباني المتحد البرتو غارثون وزارة حماية المستهلك، وستكون وزارة العمل من حصة رفيقته يولاندا دياز .

ويأتي تشكيل الحكومة بعد أن استمرت حكومة تصريف الاعمال في أداء مهامها طيلة الـ 10 أشهر الأخيرة. ويمكن ان يكون تشكيل الحكومة خاتمة لعدم استقرار حكومي عاشته اسبانيا طيلة السنوات الخمسة الأخيرة، وشهدت خلالها 4 انتخابات عامة اثنتان منها في عام 2019. وقالت المتحدثة باسم كتلة اليسار لونه بيلارا: "ستواجه حكومتنا تحديات نسوية وبيئية، ولكننا للمرة الأولى نمتلك حكومة شجاعة، لإنجاز هذه المهام". ومن المعروف ان تشكيل حكومة يسارية كان ممكنا منذ عام 2016، ولكن ذلك لم يتحقق، على الرغم من امتلاك الحزب الاشتراكي وقوى اليسار أكثرية مريحة في المرات السابقة. ويعود ذلك مرة لتردد الحزب الاشتراكي في التعاون مع قوى اليسار ومراهنته على تحالفات أخرى، ومرة أخرى بسبب موقف حزب بودوموس، الذي كان حينها حديث التأسيس، وسعى خاطئا لتجاوز الأحزاب التي يسميها تقليدية، بما في ذلك اليسار الاسباني المتحد، والحزب الشيوعي الاسباني. ولكن الحزب عاد وراجع استراتيجيته في مؤتمره الثاني، بعد صراعات داخلية، وانشقاق مجموعة صغيرة منه، ليؤكد على ضرورة العمل مع قوى اليسار والحركات الاجتماعية. وقد كلف هذا المخاض قوى اليسار الكثير، وفقدت في جولات الانتخابات المتكررة الكثير من المقاعد التي حققتها في انتخابات 2015. ان صعود اليمين المتطرف (حزب الشعب) ودخوله للمرة الأولى البرلمان الوطني، والمخاوف التي اثارتها إمكانية عودة اليمين المحافظ الى سدة الحكم، دفعت قوى الوسط واليسار لتشكيل تحالف حكومي مدعوم بشروط من اليسار القومي في ولايتي كتالونيا والباسك.

  ويتضمن اتفاق الائتلاف الحالي برنامجًا اجتماعيًا واسعًا: دخل أساسي للفقراء، وتنظيم ايجار المساكن لصالح ذوي الدخل المحدود، وزيادة الحد الأدنى للأجور والمعاشات التقاعدية. ولكن هذا لا يلغي التباين بين أطراف التحالف بشأن المشاريع المستقبلية، ففي الوقت الذي تتبنى قوى اليسار الجذري استراتيجية تعميق المكاسب الاجتماعية وتعزيز العدالة الاجتماعية باستمرار، يتبنى الحزب الاشتراكية منهجا وسطيا قائم على "الاستقرار" في الإنفاق.

ويعد ملف الخلاف على استقلال كتالونيا الأصعب امام الحكومة الجديدة، فقوى الوسط واليسار القومي في كتالونيا دعموا التحالف الحاكم الجديد، لمنع اليمين بشقيه من تحقيق نجاح سياسي، ويدعمون البرنامج الاجتماعي للحكومة الجديدة، الا انهم لم يتوصلوا بعد الى حل وسط بشأن قضيتهم الرئيسة، أي سعيهم من اجل الانفصال عن الدولة الاسبانية. ومن المعروف ان الحزب الاشتراكي لا يؤيد فكرة الانفصال، ويريد الحفاظ على مركزية الدولة، فيما تطرح قوى اليسار الجذري مشروع جمهورية اسبانية فيدرالية ديمقراطية. ويمكن القول ان مستقبل الحكومة الفتية مرتبط الى حد بعيد بإمكانية توصلها الى صيغة ترضي الأحزاب الكتالونية، التي مكنتها من التمتع بثقة البرلمان عبر امتناعها عن التصويت. وهذا ما ستكشفه الأسابيع والأشهر المقبلة.

اما المشككين بقدرة الحكومة الجديدة، فيحاولون اثارة فشل او مراوحة تجارب اوربية سابقة محدودة، ولعل أبرزها مشاركة الحزب الشيوعي الفرنسي في حكومة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران

عرض مقالات: