حقق حزب المحافظين البريطاني فوزا كبيرا في الانتخابات المبكرة التي شهدتها البلاد الجمعة الفائت. وحصل المحافظون على 364 مقعدا بزيادة 66 مقعدا مقارنة بالانتخابات السابقة، فيما خسر حزب العمال البريطاني بقيادة اليساري كوربين 42 مقعدا، وحصل على 203 مقعدا فقط. وبعد اعلان النتائج مباشرة أعلن كوربين، انه سوف لن يقود حزبه في انتخابات مقبلة، ما يعني اعلان استقالته من زعامة الحزب، مع البقاء في موقعه لمساعدة الحزب على الخروج من المرحلة الانتقالية الى حين انتخاب قيادة جديدة للحزب.
سيكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قريبًا، لكن بداية مشاكل المملكة المتحدة باتت قريبة هي الأخرى. وقال بوريس جونسون في أول خطاب له بعد اعلان النتائج، إنها إرادة البريطانيين التي لا يمكن إنكارها في أنهم يريدون تنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويعتبر هذا التصريح أحد التصريحات القليلة له في الأسابيع الستة الماضية التي كان فيها على حق. لقد كان فوز المحافظين ساحقًا، صادما للمعارضة: لقد فاز المحافظون في معاقل سابقة لحزب العمال. لقد بدت مخاوف حزب العمال مبررة، فلأول مرة يفوز المحافظون في الدوائر التقليدية لحزب العمال، والتي تقع فيما يسمى بالمنطقة الحمراء. وبالمقابل حقق حزب العمال اسوأ نتائجه منذ عقود وفقد العديد من المقاعد، بما فيها مقاعد كان يشغلها نواب مخضرمون او شخصيات يسارية بارزة.
وكانت نتائج حزب العمال في المدن الكبيرة أفضل، لكنه فشل في تعويض خسائره في أماكن أخرى، لذلك تحدث كوربين عن "ليلة مخيبة للآمال للغاية"؛ لقد أدى ملف الخروج من الاتحاد الأوربي الى "استقطاب في البلاد بحيث طغى على النقاش السياسي العادي".
وكانت ليلة الانتخابات سيئة أيضا لحزب الديمقراطيين الأحرار: لقد خسر الحزب المحسوب على قوى الوسط 10 مقاعد، وسيكون له في المستقبل 11 مقعدا فقط، وفقدت جو سوينسون، زعيمة الحزب مقعدها في البرلمان البريطاني، وأعلنت استقالتها من زعامة الحزب فورا. ومقابل ذلك فاز الحزب الوطني الأسكتلندي بـ 13 مقعدًا اضافية وسيطر على اسكتلندا بـ 48 مقعدًا. وسيكون لذلك عواقبه على مسألة الاستقلال: فالأقوى لن يقبل ببساطة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسيصر على حق اسكتلندا الديمقراطي في السير في طريقها الخاص.

وفي ايرلندا الشمالية، تعزز دور القوى التي تضع تماسك المملكة المتحدة في سؤال: لقد تكبد أنصار البقاء في إطار الدولة البريطانية هزيمة كبيرة، فيما تعزز دور القوى الداعية الى اتحاد ايرلندا الشمالية مع جمهورية ايرلندا. ولأول مرة، منذ تقسيم الجزيرة الأيرلندية، في عشرينيات القرن العشرين، يصبح عدد القوميين الأيرلنديين في البرلمان البريطاني أكثر من أعضاء البرلمان الداعين الى علاقات وثيقة مع بريطانيا. وبالتالي سيطرح ملف الاتحاد البريطاني بقوة على طاولة النقاش، وعليه فلا أحد يتنبأ بمدى صمود انتصار جونسون في مواجهة هذه الملفات الشائكة
وينطبق هذا أيضًا على ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: في الوقت الحالي وضع رئيس الوزراء قوي. وقال جونسون في خطاب الشكر "نتوقع ان يصوت البرلمان البريطاني على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في أقرب وقت ممكن". و"نحن مستعدون". وربما سيوافق مجلس العموم قبل عيد الميلاد، على اتفاقية الانسحاب، حتى تتمكن بريطانيا من مغادرة الاتحاد الأوروبي في 31 كانون الثاني المقبل، ووفقًا للخطة فان تأجيل آخر أصبح مستحيلاً.
والاقل وضوحا هو مسار ما بعد الخروج. نظريا على بريطانيا العظمى ان تتوصل، حتى نهاية 2020 الى اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوربي. و الامر يستغرق في العادة سنوات. وإذا لم يتحقق ذلك، فان البلاد ستعود الى ما كانت عليه قبل بضعة أشهر. "الخروج بدون صفقة" كان قبل التصويت خطر ذو تأثير على خيار الناخبين، ولكن الاعتقاد بان الملف قد طوي نهائيا، يمثل وهما، لان عملية الخروج بدأت الآن.
ومن الواضح ان قوى اليسار الأوربي تعاني من عدم الوصول الى صيغة تتجنب بها التعارض بين منهجها الإنساني التقدمي، والمطالب الشعبوية التي يفرضها واقع النظام الرأسمالي، فها هو كوربين يدفع ثمن عدم توصل حزب العمال، نتيجة لتركيبته الفكرية والسياسية، الى بديل واضح غير قابل للتأويل بشأن المعركة على ملف الخروج من الاتحاد الأوربي. وفي بلدان اوربية أخرى دفعت أحزاب يسارية ثمن تمسكها بالموقف الاممي تجاه اللاجئين والمهاجرين في المواجهة مع اليمين الشعبوي.

عرض مقالات: