تتسارع مجريات الاحداث، منذ اعلان الرئيس البوليفي ايفو مراليس، الاحد الفائت، استقالته ومغادرته مع عدد من فريقه الحاكم الى المكسيك، وتشير المعلومات المتوفرة حتى ساعة اعداد هذا التقرير، الى استمرار حرب المواقع بين معسكر الانقلابين المدعوم من الولايات المتحدة وحلفائها في القارة اللاتينية، ومعسكر اليسار الساعي الى استعادة الشرعية والمدعوم من حركة احتجاجات شعبية واسعة، وتضامن عالمي من قبل قوى السلام والتقدم في العالم. وسنتناول باختصار اهم احداث التي شهدتها بوليفيا خلال الأسبوع الأخير.

استعادة شرعية السلطة التشريعية

فشلت محاولات الانقلابين في الحصول على غطاء برلماني لجميع الإجراءات والتعيينات التي أقدموا عليها، فلم يكتمل النصاب في جلسة البرلمان ومجلس الشيوخ في الاجتماعات التي عقدت يوم الثلاثاء الفائت، لعدم مشاركة نواب حركة "من اجل الاشتراكية" بزعامة الرئيس موراليس في الجلسات، ولقيام الشرطة بمنع رئيسة مجلس الشيوخ وعدد من نواب الحركة من دخول البرلمان، ولتعرض النواب الآخرين وعوائلهم الى عنف وتهديد المجموعات الفاشية الداعمة للانقلاب.
وفي الاجتماع الثاني لجناحي السلطة التشريعية الذي عقد الخميس الفائت، استطاع نواب حركة "من اجل الاشتراكية" بواسطة أكثرية الثلثين التي يتمتعون بها، انتخاب رئيس جديد للبرلمان، وآخر لمجلس الشيوخ. وبموجب التطور الجديد، ووفقا للدستور النافذ، فان إن مونيكا إيفا كوبا، التي فازت برئاسة مجلس الشيوخ، ستكون، إذا قبل البرلمان استقالة موراليس، خلفه الشرعي، خلال 90 يوما تسبق اجراء الانتخابات الجديدة، وبالتالي ستحل كوبا، في الظروف الطبيعية محل أنيس التي نصبها الانقلابين رئيسة مؤقتة للبلاد. وكذلك يمكن أن يستأنف وزراء حكومة الرئيس موراليس مهمات عملهم. ولكن ليس واضحا مسار الصراع بعد انتخابات الخميس، اذ لم يصدر من جانب "حركة من اجل الاشتراكية" توضيح في هذا الشأن. وسبق للبرلمان ان قرر عدم الاعتراف بجلسة البرلمان غير مكتملة النصاب، التي أعلنت فيها رئيسة الانقلابين نفسها رئيسا مؤقتا للجمهورية.

اغتصاب السلطة التنفيذية

وكانت النائبة الثانية لمجلس الشيوخ جانين انس قد أعلنت نفسها، في جلسة البرلمان غير مكتملة النصاب رئيسا مؤقتا للبلاد، وتلقت دعما من ضباط الانقلاب، وسارعت حكومة الرئيس الفاشي في البرازيل الى الاعتراف بها، ثم تبعتها الولايات المتحدة والبلدان الغربية. وسمت رئيسة الانقلاب 11 وزيرا لإدارة البلاد، وأصدرت العديد من القرارات، يأتي في مقدمتها تغيير قيادات الجيش، رغم دعم الأخيرة لها، وطرد البعثة الطبية الكوبية المؤلفة من 725 طبيبا وفتيا كانوا يقدمون المساعدات الطبية للشعب البوليفي، والاعتراف برئيس الانقلاب في فنزويلا وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة الشرعية في فنزويلا، والخروج من جميع تحالفات الحكومات اليسارية والتقدمية في أمريكا اللاتينية وأقصاء 80 موظفا في وزارة الخارجية البوليفية في عهد الرئيس موراليس.
ان رئيسة الانقلاب معروفة بمواقفها العنصرية والرجعية، وهي قيادية في حزب "الحركة الديمقراطية الاجتماعية" اليميني المحافظ، والمتحالف عالميا مع أحزاب اليمين المحافظ، ولم تخف انس موقفها الأصولي الديني. وأعلنت " لقد سمح الله للكتاب المقدس بالعودة إلى القصر الرئاسي". وكانت تغريدات سابقة لها قد اثارت استهجانا عالميا، فقد كتبت في عام 2013 على التوتير: أنها تحلم بـ "بوليفيا خالية من الطقوس الشيطانية للهنود الحمر، والمدينة ليست مخصصة للهنود، بل يجب عليهم الذهاب إلى المرتفعات أو تشاكو ! " .

انتخابات شرعية

ولم يصدر حتى الساعة التقرير التفصيلي والنهائي لمنظمة الدول الأمريكية، والذي يفترض ان يقدم دليلًا على التزوير الانتخابي المزعوم، وهو ما تدعيه المعارضة اليمنية، واوساط الاعلامية والسياسية الداعمة لها عالميا. وكان التقرير الاولي للمنظمة قد اشار الى وجود مخالفات طفيفة، نتيجة لاستخدام برنامج الكتروني حديث في نقل البيانات، وان المخالفات شملت 78 وثيقة انتخابية، تشكل 0,22 في المائة من مجموع السجلات الانتخابية. وفي هذه الاثناء صدر تقريران مستقلان في شأن نتائج الانتخابات: أولهما كتبه والتر ميباني، استاذ العلوم السياسية في جامعة ميشيغان والذي يعتبر أحد أبرز الخبراء في العالم في تزوير الانتخابات. والثاني أصدره مركز البحوث الاقتصادية والسياسية ومقره واشنطن. ويشير التقريران الى ان المخالفات المشار اليها لا تؤثر على فوز موراليس بأكثر من 10 في المائة على أقرب منافسيه.

مقاومة وتضامن

لقد رافقت احداث الانقلاب حركة مقاومة واحتجاج سلميين، طالبت بعودة الرئيس الشرعي، وعبرت عن عدم اعترافها بإجراءات الانقلابين، وشاركت فيها أوساط شعبية واسعة والنقابات ومنظمات الفلاحين والحركات الاجتماعية. والى جانبها عبرت قوى اليسار والسلام والتقدم والعديد من دول العالم عن رفضها للانقلاب، ودعت شخصيات يسارية عالمية في أمريكا اللاتينية واوروبا الى الاعتراف بنتائج الانتخابات الشرعية، وعدم الاعتراف بالنظام الذي يسعى الانقلابيون الى ترسيخه.
على الرغم من ان الكثير من التفاصيل المتعلقة بالانقلاب وردود الفعل الأولية لا تزال غير معروفة، ولكن يبدو ان استقالة الرئيس ومغادرته البلاد، على الرغم من دوافعها الإنسانية، ربما كانت مستعجلة.

عرض مقالات: