بعد أكثر من أسبوعين على بدء الاحتجاجات في تشيلي، لا تلوح نهاية في الأفق. وشهد الخميس الفائت اضرابا عاما آخر شارك فيه أكثر من 10 آلاف محتج.
وعلى الرغم من محاولات الرئيس اليميني المتطرف سيباستيان بينيرا، احتواء الاحتجاجات والتشديد على العودة إلى الحياة اليومية، لا يزال الآلاف الشيليين يتجمعون في التظاهرات، كل يوم تقريبا، وفي جميع أنحاء البلاد. وبعد فشل حزمة الإصلاحات الحكومية المعلنة، والتعديل الوزاري الشكلي في وضع نهاية للاحتجاجات، وجد رئيس الجمهورية نفسه مضطرا الى إلغاء قمة الأمم المتحدة للمناخ، وقمة آسيا والمحيط الهادئ الاقتصادية، التي كان من المقرر عقدها على التوالي في تشيلي خلال شهري تشرين الثاني وكانون الأول المقبلين.
مطالب تتعمق ومجالس لقيادة الاحتجاجات
وفي تطور نوعي في مسار الحركة الاحتجاجية، شكلت "طاولة الوحدة الاجتماعية"، التي تضم الاتحادات النقابية والمهنية والحركات الاجتماعية مجالس ديمقراطية مفتوحة لقيادة الاحتجاجات، شملت 115 مبادرة ونقابة عمالية، بالإضافة الى اتحاد الطلبة التشيلي. وامتد تشكيل المجالس الديمقراطية الى الجاليات التشيلية الكبيرة في برلين ولشبونة وغيرها من المدن الأوروبية ويعبر المنفيون والمهاجرون التشيليون عن تضامنهم مع احتجاجات الداخل، ساعين الى تفعيل التضامن الأممي والدولي مع شعبهم.
والى جانب المطالبة بتغيير النموذج الاقتصادي في تشيلي، التي تعتبر "دولة رائدة" في تطبيق الليبرالية الجديدة، وسحب جميع مشاريع القوانين "التي تنتهك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للشعب التشيلي". تجري المطالبة بتشكيل جمعية تأسيسية تفتح الباب لنموذج جديد للتنمية الوطنية، رفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات الى 700 دولار كحد أدني، إعادة تأميم موارد البلاد الطبيعية وتحسين الظروف المعيشية بشكل عام، بما في ذلك الحصول على سكن لائق وتعليم مجاني ورعاية الصحية.
وكشف الجمعة النقاب عن قيام الشرطة بالتنصت ومراقبة الحركات البيئية والاجتماعية، وجزء من النقابات وقياداتها. جاء ذلك نتيجة لهجوم الكتروني، من جهة غير معروفة، كشفت عما يسمى بملف "انذار تشرين الأول"، الذي يتضمن المعلومات التي تؤرشفها الشرطة عن مشاركة بعض الشخصيات في المجالس والتظاهرات. بالإضافة الى ذلك تمت سرقة تفاصيل عن تحرك قوات الشرطة.
ومع استمرار الاحتجاجات وحركة الاضراب يستمر سقوط الشهداء ويزداد عدد الجرحى، بضمنهم عاملين في المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان، مع الإشارة الى تناقص الاعداد في الأيام الأخيرة.
وكان رئيس الجمهورية قد دعا الأربعاء أحزاب المعارضة الى حوار، رسميا كانت الدعوة لمناقشة الإصلاح الضريبي، إلا أن الموضوع الرئيس كان مطالب حركة الاحتجاج بإصلاحات اجتماعية ودستور جديد. الدستور الحالي للبلاد موروث من الديكتاتورية العسكرية في عهد أوغستو بينوشيه. ورغم دعوات الرئيس المفتوحة، إلا أنه لم يقدم سوى تنازلات صغيرة، وهو ما رفضه المعارضون الحاضرون. وقال رئيس الحزب الاشتراكي، ألفارو إليزالدي: "من الواضح أن هذا غير كافٍ. الحكومة لا تدرك مدى ما يحدث".
ورفض الحزب الشيوعي دعوة الحكومة، لأنه يرى ان حصر الحوار مع المعارضة البرلمانية لا يكفي. وأوضح الحزب في بيان له، ان على الحكومة ان تسعى الى الحوار مع الحركات الاجتماعية المهمة في البلاد. وان المطلوب "اجندة جديدة للعدالة الاجتماعية"، تشمل، وفق رؤية الشيوعيين، إقرار دستور ديمقراطي جديد، أجور ومعاشات تقاعدية اعلى، وفرض ضرائب على كبار الأثرياء.
ملامح سياسة واجتماعية
الليبراليون الجدد يواجهون الاحتجاجات بالعنف متمسكين بنهجهم المعروف في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين. وهناك 1 في المائة من السكان يسيطرون على 33 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي. وخصخصة كل قطاعات الحياة الاقتصادية والاجتماعية مستمرة منذ اكثر من 40 عاما، ومستوى الأجور وصل تحت مستوى خط الفقر، ولا يزال هناك من يتساءل عن أسباب الانفجار الاجتماعي. ولهذا جاءت الاحتجاجات تجاوبا مع الحس السليم، والتوافق الاجتماعي القائم ينهار امام استمرار الاحتجاجات، و لن يمضي وقت طويل حتى يصبح النظام السياسي تحت مطرقة الرفض والاستنكار من الرأي العام العالمي لأنه لا يملك سوى العنف، الذي يحتكره، جوابا.
ويرى مراقبون لأوضاع البلاد، ان الدستور الجديد يمثل بداية نهاية نموذج الليبرالية الجديدة، والنقاش يدور الان حول الإمكانات التي يقوم عليها الدستور الجديد. واذا نجحت قوى اليسار في وضع النقاشات على طريق تقدمية، والوصول الى دستور يجسد هوية مجتمع عادل، سيكون ذلك بارقة امل تتعدى حدود تشيلي.