اصيب أكثر من 300 مواطن فى معارك شوارع بين الطلبة والشرطة فى العاصمة الاندونيسية جاكرتا، ووفقا للمعلومات الرسمية الصادرة الاربعاء الفائت، شارك في الاحتجاجات التي جرت في اليوم السابق أمام مبنى البرلمان، وفق وكالات الانباء 3 آلاف طالب. وفي الاشتباكات اللاحقة مع 18 ألف شرطي احتلوا مركز المدينة، استخدمت الاخيرة خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع. وكان الطلبة قد نظموا في الايام السابقة تظاهرات في تسعة من مدن البلاد.
وتأتي الاحتجاجات في مواجهة مشروع تشديد قانون العقوبات الذي يحمل بصمة القوى اليمينية المحافظة، والاسلامية، والذي تجري مناقشته في البرلمان. ويسعى مشروع القانون الى التضييق على الحقوق الاساسية لغير المسلمين، والنساء، وقمع خيارات الناس الحياتية الشخصية. وقد انتقدت منظمة حقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش، في بيان لها الاسبوع الفائت، ما سمي بخطط "الاصلاح". حيث يتضمن مشروع القانون مادة تعاقب كل من يهاجم شخص رئيس الجمهورية او نائبه، وقد صيغت المادة بطريقة فضفاضة، بحيث يمكن ان تطبق ضد كل من يمارس النقد السياسي للحكومة. وسيتم تشديد "قانون التكفير" ، الذي يقلق الجميع، وخصوصا السكان غير المسلمين.
وقد حمل المحتجون شعار "لا عودة للنظام الجديد"، في اشارة الى دكتاتورية سوهارتو التي كانت تحمل هذه التسمية، والتي عزلتها الحركة الاحتجاجية في عام 1998، اي قبل ان يولد اغلب المشاركين في احتجاجات اليوم.
وحققت الاحتجاجات في بداية الأسبوع الفائت، نجاحًا بسيطًا، حيث اجبر البرلمان والرئيس جوكو ويدودو على تأجيل إقرار "الإصلاحات" -إلى ما بعد الاول من تشرين الاول المقبل، عندما يتولى البرلمان الجديد مهام عمله، وهو الذي انتخب في نيسان الفائت ولا يتوقع ان يكون أكثر تقدمية من سابقه.
وبدا الرئيس فاقداً للسيطرة بشأن ملف آخر سبب احتجاجات الطلبة، وهو القانون الجديد الخاص باللجنة الوطنية لمحاربة الفساد، والذي تم اقراره ولم يصادق عليه رئيس الجمهورية بعد. ويقلص القانون الجديد سلطة هيئة مستقلة كانت معنية بإطار هذا الملف سابقا. وسيكون للجنة الجديدة القول الفصل في قرارات معينة، مما يزيد من تسلط الحكومة، وفق منتقديها.
لقد قاد سوهارتو انقلابا عسكريا في عام 1965، واغتصب السلطة، وكان طوال فترة حكمه مدلل حكومات الغرب الرأسمالي، التي اغمضت عيونها عن جرائم انتهاك حقوق الانسان التي مارسها بشكل منظم. وكان أبرزها عمليات القتل الجماعي ضد اعضاء ومناصري الحزب الشيوعي الاندونيسي في اعوام 1965 – 1966، التي راح ضحيتها وفق تقدريرات عديدة قرابة 3 ملايين انسان. اكدت ذلك الوثائق السرية التي نشرتها الولايات المتحدة الامريكية، والتي اثبتت تورط الاخيرة في دعم الانقلابيين على غرار ما حدث في العراق خلال انقلاب 8 شباط 1963، الذي لعبت المخابرات المركزية الامريكية الدور الأرأس في التخطيط له وتنفيذه
وتقدم الوثائق الأمريكية، والتي هي في معظمها مراسلات دبلوماسية بين عامي 1964 و1968، مزيدا من التفاصيل بشأن الدعم الذي قدمته سفارة الولايات المتحدة فى جاكرتا لعمليات"التطهير" المعادي للشيوعية في صفوف الجيش الاندونيسي عبر سجلات يومية تفصيلية.
وفي السنوات التالية للانقلاب أعيد دمج إندونيسيا بالنظام الرأسمالي. وفي وقت مبكر من عام 1965، برر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون قصف فيتنام الشمالية بالاشارة إلى نظرية تساقط احجار الدومينو، مشيرا إلى "حماية" الثروة المعدنية الكبيرة في دولة الجزر، أي اندونيسيا. وبعد عامين، وصف الحدث الاجرامي المروع باعتباره "الفوز بالجائزة الكبرى في جنوب شرق آسيا". وفي كانون الأول 1967، نظمت احدى شركة الإعلام الكبرى في جنيف مؤتمراً لمستثمري إندونيسيا. وقال رئيس الشركة بصراحة ان الهدف هو "خلق مناخ جديد تعمل فيه الشركات الخاصة والبلدان النامية معا من اجل مصلحتها المشتركة، ولتحقيق أعلى الارباح للعالم الحر". وهذا ما يفعلونه حتى اليوم. وهو نفسه السبب في ضآلة اهتمام الحكومات بمعالجة العنف، سواء في إندونيسيا أو في غيرها من البلدان.