في الثاني والعشرين من تشرين الثاني 2015 عاد اليمين المحافظ الى السلطة في الارجنتين، واتخذ اجراءات حكومية متسارعة لاستعادة هيمنة رأس المال المدعوم من المراكز المالية العالمية، وانهاء السياسات الاقتصادية التي اعتمدتها حكومة اليسار، والتي استطاعت انهاء ملف الديون، واخضاع السياسات المالية الى الرقابة، وعدم دفع الديون غير الشرعية السابقة، التي ادت الى افلاس الارجنتين في عام 2001.
واليوم وقبل ما يزيد على شهر بقليل من موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العامة التي ستشهد البلاد مرحلتها الحاسمة في 27 تشرين الاول المقبل، تصل التوترات الاجتماعية في البلاد حد الانفجار. لهذا تنشغل السلطة التشريعية في الارجنتين بمشروع قانون تمول الدولة بموجبه مطابخ اطعام الجياع المنتشرة في البلاد.
ونادراً ما تتفق الحكومة مع المعارضة في الأرجنتين، خصوصا في ذروة الحملات الانتخابية وبعد ان تقدم اليسار المعارض بوضوح في جولة الانتخابات التمهيدية التي جرت قبل عدة أشهر. لكن حالة الطوارئ وشحة الغذاءفرضت حاجة الشعب على ممثليه، فصوّت مجلس الشيوخ اخيرا بالإجماع على ما يسمى بقانون طوارئ الغذاء. وينص القانون في الجوهر على زيادة المساعدات الغذائية للفقراء والمحتاجين، حتى نهاية العام الحالي، بما يعادل قرابة 170 مليون يورو. وكان مجلس النواب قد صوت على القانون مع امتناع نائب واحد فقط عن التصويت، بعد ان تفاهمت الحكومة والمعارضة على اقرار القانون.
وبموجب القانون الجديد مددت حالة طوارئ الغذاءالمفروضة منذ عام 2002 حتى آخر سنة 2022، وقال السناتور المعارض كارلوس كاسيريوا خلال مناقشات الكونغرس: "يا لها من حقيقة مأساوية أن الأرجنتين تبيع الاغذية إلى 400 مليون انسان في جميع أنحاء العالم ولا تعرف كيف تشبع جوع 15 مليون أرجنتيني".
لقد حقق القطاع الزراعي في الارجنتين، خلال الموسم السابق، ارقاما قياسية في الانتاج.
لكن المزيد من السكان لا يحصلون على ثلاث وجبات يوميا. ولا يرتبط ذلك بنقص الغذاء، بل والى حد كبير بالأزمة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وسياسات الليبرالية الجديدة التي تعتمدها حكومة الرئيس ماكري.
وستوظف الاموال التي وفرها القانون الجديد لشراء المواد الغذائية ، التي ستوزع على المدارس الحكومية، وعلى مرافق اطعام الجياع. كما ستصل المواد الغذائية الأساسية للمنظمات الشعبية غير الحكومية التي تنشط في الأحياء الفقيرة، والتي كانت مصدر الضغط لإصدار القانون.
ووفق الاحصاءات الرسمية لعام 2018، فان 32 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، اي 14.3 مليون نسمة، بزيادة قدرها 3 ملايين تقريباً عن العام الذي سبقه. وسيزداد هذا العدد بلا شك بحلول نهاية العام الحالي.
ويلعب تفشي التضخم دورا رئيسا في تفاقم الماساة. فقد ارتفع معدل التضخم في عام 2018 الى أكثر من 40 في المائة. ومن المتوقع ان يصل في العام الحالي الى 50 في المائة. ولم يعد بإمكان المزيد من السكان تحمل الارتفاع المتسارع للاسعار. وينطبق الامر نفسه على مطابخ المعونة الغذائية، فعلى الرغم من الدعم المالي الاخير، فان الوجبة المقدمة للجياع تتناقص، مقابل ارتفاع عدد المحتاجين. ووصل معدل البطالة هو الآخر الى معدلات قياسية بلغت 10.5 في المائة. وقبل التصويت على القانون قال السناتور فرناندو "بينو" سولاناس: "للمرة الثانية في التاريخ الحديث، تنتهي مغامرة المشروع الليبرالي الجديد بالجوع وسوء التغذية والفقر المدقع. فهناك خمسة ملايين أرجنتيني يحصلون في اليوم على وجبة طعام واحدة فقط".
ولخفض ارتفاع الأسعار، ألغت الحكومة الضرائب على بعض الأطعمة الأساسية مثل المعكرونة والحليب. وتم تجميد أسعار الديزل والغاز والبنزين حتى نهاية تشرين الثاني. ومع ذلك، لم تصمد الحكومة أمام ضغوط شركات النفط متعددة الجنسية، التي عارضت هذا الاجراء، وبحجة ارتفاع الأسعار في سوق النفط العالمية بسبب الهجوم على آرامكو السعودية، رفعت اسعار الوقود من جديد بنسبة 4 في المائة.