احتفلت الهند في 15 آب الجاري بالذكرى الـ 73 لاعلان استقلالها، وفي كلمة له بهذه المناسبة، شدد رئيس الوزراء، وزعيم حزب الشعب اليميني القومي نارندرا مودي، على صواب سياساته العدوانية والعنصرية، التي ادخلت الهند وعموم شبه الجزيرة الهندية في ازمة سياسية وعسكرية، لا تزال مفتوحة على اسوأ الخيارات، بما في ذلك اندلاع حرب بين الهند وباكستان.
وأشاد مودي بقراره الغاء الحكم الذاتي في القسم الذي تسيطر عليه الهند من اقليم كشمير، واصفا اياه بالخطوة "التاريخية".
وتفرض السلطات الهندية بموجب القرار اغلاقا على القسم المذكور من كشمير، وذلك منذ 4 آب عندما قيدت حرية الحركة وأغلقت شبكات الهاتف والانترنت. وفي اليوم التالي قررت الغاء المادة 730 من الدستور الهندي التي تمنح كشمير حكما ذاتيا، وتقسيم جامو وكشمير إلى منطقتين تخضعان للإدارة المركزية الهندية مباشرة.
وأعتبر مودي تفجير هذه الازمة بـ "التفكير الجديد" وأنه ضرورة بعد سبعة عقود من الاخفاق في ضمان التجانس في المنطقة. واضاف ان "جامو وكشمير ستصبحان مصدر إلهام كبيراً لرحلة نمو ورخاء وتقدم وسلام للهند"، انطلاقا من رؤية تسلطية قومية متعصبة.
قوى يسار تدين مغامرة اليمين الحاكم
وقبل دخول قرارات الحكومة حيز التنفيذ ادانت 5 احزاب يسارية بينها الحزبان الشيوعيان الرئيسان في البلاد: الحزب الشيوعي الهندي، الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي)، كذلك الحزب الشيوعي الهندي الماركسي – اللينيني لتحرير الهند، وتكتل جميع الهنود إلى الأمام، والحزب الاشتراكي الثوري. وجاء في البيان: " لقد وجهت حكومة مودي ضربة قاسية لنظامنا الدستوري من خلال إلغاء المادة 370 وغيرها من أحكام الدستور، واقدامها من جانب واحد على تقسيم ولاية جامو وكشمير".
ويدعو اليسار الهندي إلى الالغاء الفوري للقرارات المتخذة بشأن كشمير. والى تعزيز روابط سكان جامو وكشمير مع بقية الهند، مشددا على انه امر "لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حوار سياسي يشترك فيه جميع المعنيين". وقد لاقت هذه الدعوة تضامنا عالميا واسعا في سبيل ابعاد خطر صراع مسلح جديد وضمان السلام العالمي.
وقبل إعلان قرارها كانت حكومة اليمين الهندوسي قد ارسلت قرابة 40 ألف جندي إلى كشمير، ونصحت السواح بمغادرة المنطقة، بسبب "تهديد إرهابي" يلوح في الأفق. وفرضت الاقامة الجبرية على كبار السياسيين المحليين، بمن فيهم رئيسة وزراء الولاية السابقة محبوبه مفتي، من حزب الشعب الديمقراطي.
وفي يوم الاعلان نظمت الأحزاب اليسارية الخمسة تظاهرة احتجاجية بالقرب من مقر البرلمان في العاصمة نيودلهي، قامت الشرطة بتفريقها. ودعت قوى اليسار الى مزيد من الاحتجاجات في جميع أنحاء الهند. وفي البرلمان، نظم النواب اليساريون، بمشاركة عدد من نواب حزب المؤتمر وأحزاب معارضة أخرى، احتجاجًا استمر قرابة الساعة. ووصف عدد من نواب حزب المؤتمر، اكبر احزاب المعارضة، ما حدث بانه "يوم اسود" في تاريخ الدستور الهندي.
ارث الاستعمار البريطاني
ومنذ اعلان استقلال الهند وباكستان في عام 1947 يدور صراع بين الدولتين على ولاية كشمير ذات الاكثرية المسلمة، وخاض البلدان خلال سبعة عقود خمسة حروب رئيسة، كان آخرها في عام 1972، ويكتسب التصعيد الجديد اهمية خاصة نظراً لامتلاك البلدين اسلحة نووية. وعندما اجبرت حركة التحرر في شبه الجزيرة الهندية، بريطانيا على منح البلاد استقلالها، عمدت الاخيرة الى تقسيم البلاد الى دولتين: الهند ذات الاكثرية الهندوسية، وباكستان ذات الاكثرية المسلمة، ومنحت ولاية كشمير ذات الاكثرية المسلمة والواقعة على الحدود المشتركة بين الدولتين صيغة من الحكم الذاتي، الذي تحول الى محطة صراع بين الجارتين حديثتي التأسيس، واضاف ملفا جديدا الى الصراعات الدولية استمر الى يومنا هذا.
توسع قومي هندوسي
وقد أقدم رئيس الوزراء الهندي على هذه الخطوة بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، مستندا على خطاب كراهية قومي ضد القوميات الاخرى في الهند، على طريق تعزيز مشروعه القومي ذي الملامح الفاشية. ولهذا يريد مودي اشعال صراع جديد بشأن كشمير يتيح له تغيير الطابع السكاني في الولاية من خلال السماح للمواطنين الهندوس الانتقال اليها في اطار خطة استيطانية. وفي الوقت نفسه يتم فتح ابواب الولاية امام الرأسمال الداعم لسياساته العنصرية للاستثمار فيها، فضلا عن توظيف الصراع القومي في احكام قبضته على الحكم وتوسيعها الى جميع ولايات البلاد، والاستمرار في قضم المكتسبات الاجتماعية والديمقراطية المتحققة في الهند تحت يافطة الخطر الخارجي، وحماية الامن القومي.