تصدر حزب "الديموقراطية الجديدة" المحافظ نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت، أمس الأول الأحد، في اليونان. وهي الانتخابات العامة السادسة خلال العقد الاخير من حياة البلاد. والأولى منذ انتهاء برنامج القروض الاجباري، المفروض من قبل اللجنة الثلاثية (صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوربي والمفوضية الأوربية) في آب 2018.
وجاءت نتائج الانتخابات المعلنة مطابقة للتوقعات، فقد حصل حزب"الديموقراطية الجديدة" اليميني المحافظ على 39 مقابل 28 بالمائة في انتخابات 2015، وحقق الاكثرية المطلقة، بموجب النظام الانتخابي النافذ في البلاد، والذي يمنح الحزب الفائز 50 مقعدا اضافيا، وبهذا حصل المحافظون على 158 مقعدا من اصل مجموع مقاعد البرلمان300 مقعدا. وكانت استراتجية اليمين الانتخابية بناء واستكمالا على سياسية المراكز المالية العالمية، طيلة السنوات الاربع الماضية، الساعية الى اسقاط حكومة اليسار من منطلقات ايديولوجية بحتة، وقد رفضت كل الحلول الممكنة للازمة الاقتصادية في اليونان، باستثناء تقديم الديون وفرض المذكرات الثلاث التي حدت من حرية الحكومة في تنفيذ برنامجها الاقتصادي – الاجتماعي، وعمقت معاناة اوساط واسعة من اليونانيين. ولهذا جاء الخطاب الانتخابي لليمين مبنيا حسب صحف محلية على جملتين لا أكثر "تسبراس كذاب"، و"الحكومة غير كفوءة"، في استنساخ فج لشعبوية ترامب في حملته الانتخابية.
وحصل حزب اليسار اليوناني، بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته تسيبراس، بالتحالف مع الخضر على 31,55 مقابل 35,46 بالمائة في الانتخابات السابقة، وحل ثانيا، وبهذا سيكون للحزب 82 مقعدا في البرلمان الجديد.
وخالفت النتيجة جميع استطلاعات الرأي التي اجمعت على هزيمة ساحقة للحزب الحاكم. وإذا ما قارنا النتيجة بالصعوبات والتعقيدات التي رافقت مسيرة الحزب الحكومية، فيمكن اعتبارها مقبولة. لقد وضعت المراكز المالية العالمية حكومة اليسار بين خيارين اما رفض مذكرات التفاهم، وتحقيق "مجد ثوري"، يؤدي الى انتهار النظام المصرفي بالكامل في البلاد وتدمير كلي لحياة الملايين من اليونانين، او قبول المذكرات، والدخول في صراع غير متكافئ، وبالتالي دفع الثمن السياسي، نتيجة لخيبة الامل التي اصابت اوساطا من الناخبيين، فضلا عن خوض الحزب المعركة منفردا، وغياب الضغط المطلوب من قوى اليسار على الحكومات اليمينية في بلدان مجموعة اليورو، وخصوصا المانيا وفرنسا.
وعلى الرغم من تخفيف الحكومة لإجراءات التقشف المفروضة، من خلال تقديم مساعدات استثنائية للفئات الافقر، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتقديم معونة راتب تقاعدي اضافي خلال العام، وحماية المساكن من البيع في المزاد الاجباري، وتوفير الرعاية الصحية لاكثر من 2 مليون مواطن فقدوا الضمان الصحي، ومع التحسن النسبي، منذ الخروج من كماشة الرقابة للوضع الاقتصادي العام، والمعطيات التي نشرها المكتب الاوربي للاحصاء والتي اشارت الى ان اليونان حقق اكبر تخفيض لمعدلات البطالة، منذ اذار 2018 ، وكانت نسبة المتحقق في خفض البطالة طويلة الأمد اكبر، الا ان الحكومة لم تتمكن من الحفاظ على الاغلبية التي تمتعت بها.
ويقول عضو كتلة حزب اليسارمانترا تريانتافيلوس ميتافيديس:"بالمقارنة مع الامكانات الواقعية كانت تطلعات الحكومة كبيرة جدا" لقد اجبر الحزب على الدخول في تسويات متوالية، ما أثر على سمعته. كما يجمع طيف من محللي اليسار في اوربا على ان حزب اليسار اليوناني خسر الانتخابات، ولكن اي حزب يساري في اوربا يستطيع ان يحصل اليوم على اكثر من 30 بالمائة من اصوات الناخبين؟
والموقع الثالث كان من نصيب "الحركة من اجل التحول"، التي حصلت على 8 في المائة، وهي وريثة حزب باسوك الديمقراطي الاجتماعي الذي انهار بفعل السياسات التي اتبعها لمعالجة الازمة المالية. ولم يستفد الحزب الشيوعي اليوناني من تراجع حزب اليسار، على الرغم من معارضته طيلة السنوات الاربع لسياسات الحكومة، وحصل الحزب على 5,34 بالمائة فقط، بخسارة طفيفة مقارنة بانتخابات 2015، ولكنه حافظ على كتلته البرلمانية التي تشغل 15 مقعدا.
وفشل حزب "وحدة الشعب" في الوصول الى قبة البرلمان، بحصوله على 0,28 بالمائة فقط وهو انشقاق من حزب اليسار بعد توقيع الحكومة المذكرات مع اللجنة الثلاثية، ولم يستطع الحزب تجاوز العتبة الانتخابية 3 بالمائة. وقد تبنى الحزب بديل الخروج من منطقة اليورو وعودة اليونان الى عملته الوطنية السابقة (الدراخما). فيما نجح حزب وزير المالية الاسبق فورافاكس (مارا 25) في تجاوز العتبة الانتخابية واشغال 9 مقاعد في البرلمان.
لا يمكن فصل نتائج الانتخابات عن عدم وصول قوى اليسار الى وحدة انتخابية، ولكن يبقى التطور الايجابي في سياق معركة الانتخابات، هو فشل حزب "الفجر الذهبي" النازي في دخول البرلمان، بعد ان كان قد حصل في انتخابات 2015 على 6,9 بالمائة، وكذلك لم يحصل حزب " الحل اليوناني" اليميني المتطرف الا على 3,73 بالمائة فقط.

عرض مقالات: