شهدت الدنمارك في 5 حزيران الجاري الانتخابات البرلمانية العامة، وحصل الحزب الديمقراطي الاجتماعي على قرابة 26 في المائة، وبهذا كان أكبر الفائزين، في حين انحدر تمثيل حزب الشعب الدنماركي اليميني الشعبوي من قرابة21 الى 8.7 في المائة، وكان أكبر الخاسرين.

ومعروف ان حزب الشعب هذا  هيمن على السياسة الدنماركية في السنوات الأخيرة.  وفي انتخابات عام 2015 ضم البرلمان 9 أحزاب، وضمت ما تعرف بـ "الكتلة الزرقاء"، احزاب يمين الوسط وهي: حزب الشعب الدنماركي والحزب الليبرالي في الدنمارك والتحالف الليبرالي وحزب الشعب المحافظ، وشغلت90 مقعدًا، بفارق مقعد واحد عن ما تعرف بـ"الكتلة الحمراء" التي تتألف من أحزاب الوسط واليسار بزعامة الديمقراطيين الاجتماعيين، دون ان تشكل تحالفا برلمانيا واضح المعالم. وقاد الحزب الليبرالي حكومة اقلية يمينية مدعومة من اليمين المتطرف، وبهذا استطاع اليمينيون المتطرفون، بواسطة سياساتهم العنصرية، جر قوى تحالف اليمين والمجتمع الدنماركي الى مواقع أكثر يمينية.

لقد تمخضت الانتخابات الاخيرة عن عكس ميزان الاكثرية. وعلى الرغم من حصول الحزب الليبرالي على 23.4 مقابل 19.5 في المائة في الانتخابات السابقة، الا ان كتلة يمين الوسط الزرقاء خسرت الاكثرية، وكان أكبر الخاسرين فيها حزب الشعب اليميني المتطرف، الذي احتل المرتبة الثانية في الانتخابات السابقة، اذ احتفظ بـ 16 مقعد فقط، بخسارة كبيرة بلغت 21 مقعدا. وشارك في هذه الانتخابات حزبان يمينيان متطرفان جديدان، هما "حزب المدنية الجديد" وحزب" النهج المتشدد"، انتزعا من حزب الشعب اليميني المتطرف الكثير من الاصوات.

وحصلت احزاب يسار الوسط "الكتلة الحمراء" على الاكثرية 91 مقعدا، مقابل 88 مقعدا لأحزاب "الكتلة الزرقاء".

الديمقراطيون الاجتماعيون يتبنون مواقف لليمين المتطرف

جاء نجاح الديمقراطيين الاجتماعيين بزعامة فريديركسين، البالغة من العمر 41 عاماً، نتيجة لاستنساخ الاخيرة سياسات حزب الشعب اليميني المتطرف المتعلقة بملف اللجوء والهجرة، فيما حافظت زعيمة الحزب الشابة على السياسيات الاقتصادية والاجتماعية التقليدية لنموذج دولة الرفاه المعروفة في البلاد. وكان الديمقراطيون الاجتماعيون قد دعموا، واثنوا، خلال الدورة السابقة، على القوانين التي تحد من الامكانيات المتاحة للاجئين والمهاجرين، ووعدوا في حال فوزهم باستمرار التنسيق مع حزب الشعب اليميني المتطرف بهذا الخصوص، اي الاستمرار في الحد من عدد المهاجرين القادمين من خارج البلدان الغربية، وفرض العمل الاجباري على الذين يتم الاعتراف بلجوئهم، وزيادة عديد المرحلين قسرا الى بلدانهم الاصلية.

لقد انقسم الديمقراطيون الاجتماعيون في اوربا بشأن "النجاح الدنماركي"، فالأوساط اليمينية في هذه الاحزاب ترى فيما تحقق نجاحا سياسيا للديمقراطية الاجتماعية، ومخرجا لها من سلسلة الهزائم الانتخابية التي عصفت بها في السنوات الاخيرة، متجاهلين ما اعتبرته الكثير من الصحف الليبرالية نجاحا سياسيا لليمين المتطرف الدنماركي، على الرغم من تراجعه الانتخابي، لأنه أجبر قوى يسار الوسط على تبني سياستة المجتمعية المرتكزة على رؤية عنصرية.

الاوساط التقدمية واليسارية في الاحزاب الديمقراطية الاجتماعية الأوربية حذرت من الانسياق وراء النموذج الدنماركي مشددة على ضرورة بقاء الديمقراطيين الاجتماعيين خصما لدودا للعنصرية واليمين المتطرف، وان الثمن السياسي للنجاح الانتخابي كان باهظا، وليس مقبولا جعل المهاجرين واللاجئين شماعة يعلق عليها فشل السياسات الاقتصادية، والظروف المعيشية المتراجعة للعاملين.

سياسة رخيصة

العديد من المعلقين اليساريين في اوربا وصفوا ما حدث ب"سياسة رخيصة"، وان ارجاع النجاح الانتخابي في الدنمارك الى نجاح سياسة الديمقراطيين الاجتماعيين مجاف للواقع، مذكرين قادة الاحزاب الديمقراطية الاجتماعية بدعواتهم المتكررة الى مواجهة اليمين المتطرف والنازية الجديدة. وان الارقام التفصيلية للتصويت تؤكد ان خسارة اليمين المتطرف تعود بالدرجة الاولى الى ظهور احزاب يمينية أكثر تطرفا من جهة، وعودة جزء من ناخبي الاحتجاج الى اليمين الليبرالي التقليدي بسبب اخطاء حزب الشعب اليميني المتطرف. وانه من الممكن القول ان الديمقراطيين الاجتماعيين كانوا أحد العوامل وليس العامل الرئيس. وان حصيلة الحزب الديمقراطي الاجتماعي الدنماركي لم تختلف كثيرا عن نتائجه السابقة.

احزاب يسار الوسط

لم تتغير تقريبا النتائج التي حصل عليها الديمقراطيون الاجتماعيون، اذ حصل الحزب على 25.8 في المائة، منحته 48 مقعداً، مقابل 26.3 في المائة و47 مقعداً في الانتخابات السابقة. الحزب الاجتماعي الليبرالي حصل على 16 مقعدا مقابل 8 مقاعد، في حين ضاعف حزب الشعب الاشتراكي حصيلته الى 13 مقعدا. وحافظ حزب اللائحة الموحدة اليساري تقريبا على نتائجه السابقة بخسارته مقعدا واحدا واحتفاظه بـ 13 مقعد.

لهذا تسعى زعيمة الديمقراطيين الاجتماعيين الى تشكيل حكومة اقلية، لعدم تمكنها من تحقيق تحالف يسار الوسط، فحزب اللائحة الموحدة، الذي يمثل اليسار الجذري والحزب الاشتراكي الليبرالي، من الصعب اقناعهم بالدخول في تحالف حاكم، لذلك يتوجه الديمقراطيون الاجتماعيون الى حكومة اقلية عليها ان تحقق اكثرية برلمانية متغيرة ومتحركة وفق طبيعة المشروع المطروح للنقاش والاقرار.

عرض مقالات: