بغض النظر عن تفاوت احتمالات اندلاع حرب جديدة في منطقة الخليج، إلا أنّه لا يمكن تجاهل اشتداد حالة التوتر  التي تعيشها المنطقة منذ أشهر وتصاعدها في الأسابيع الأخيرة بعد القرارات الأميركية التي فرضت عقوبات جديدة على إيران شملت إلغاء الإعفاءات الممنوحة على مستوردي النفط الإيراني، وتطبيق عقوبات واسعة على قطاع المعادن، ناهيك عن تحريك المزيد من القطع العسكرية البحرية والقاذفات ونقل صواريخ الباتريوت إلى دول المنطقة وإعادة نشر قواتها فيها، فيما تتراوح التصريحات الأميركية بين التصعيد العسكري ودق طبول الحرب من جهة والضغط السياسي من جهة أخرى باتجاه فرض اتفاق نووي جديد على إيران...وفي المقابل تزيد إيران من استعداداتها العسكرية وتنطلق من قادتها السياسيين والعسكريين تصريحات متباينة تتفاوت بين تصريحات مسؤولة وأخرى تصعيدية، لعلها تعكس تعدد مراكز القرار في إيران...وهناك من جانب ثالث أعمال استفزازية تعرضت لها ناقلات النفط في خليج عمان  تثير الشكوك والشبهات حول الطرف الذي يقف وراءها ومحاولته استعجال إشعال فتيل الحرب في المنطقة.

ونحن في تحليلنا الأساسي ننطلق من أنّ الإمبريالية؛ وتحديداً الإمبريالية الأميركية؛ تلجأ إلى الحروب وتتزايد نزعتها العدوانية عندما تشتد أزمتها، ويزيد الطين بلّة أنّ الولايات المتحدة الأميركية في ظل رئاسة دونالد ترامب تمارس أفعالاً متهورة غير مسبوقة من الضغوط  الفجة والابتزاز الوقح والاندفاع المنفلت لفرض إملاءات على الدول الأخرى، ولعلّ بلداننا  الخليجية تقف في مقدمة الأطراف المتضررة من هذا النهج الإمبريالي، ولكن الأسوأ من ذلك هو أن تتحول منطقتنا مجدداً إلى بؤرة توتر ساخنة وساحة حرب جديدة لا ناقة لشعوبنا فيها ولا جمل، بحيث يتم ابتزازنا أكثر فأكثر ونهب المزيد من ثروات أوطاننا؛ بل استهدافنا عسكرياً عندما يُفرض علينا أن تكون بلداننا منصات للهجوم العسكري وتصبح بالتالي أهدافاً للرد عليه.

وفي ظل هذه الأوضاع المتوترة فإنّ الأولوية هي تجنيب بلداننا مخاطر الابتزاز والتوترات والتورط في حرب جديدة أياً كانت الذرائع والمبررات....ونحن في الكويت ندرك جيداً هشاشة الوضع الجغرافي السياسي لبلدنا الصغير وحساسيته ومقدار الضغوط التي تعرضت لها الكويت ويمكن أن تتعرض إلى المزيد منها مستقبلاً، وهذا ما يتطلب مواصلة السير على نهج التوازن والاستقلالية النسبية في السياسة الخارجية المتوافق مع المصلحة الوطنية الكويتية، ولكن الأهم من ذلك أن يستند هذا النهج الدبلوماسي إلى جبهة داخلية متماسكة تساعد على تحقيق شيء من المَنَعة لبلدنا والتماسك عند مواجهة عمليات الابتزاز والضغط.

ونحن في الحركة التقدمية الكويتية نرى أنه لا يمكن بناء جبهة داخلية متماسكة في ظل استمرار نهج الانفراد بالقرار والتضييق على الحريات والاستخفاف بالمؤسسات والآليات الدستورية وملاحقة المعارضين وسجنهم وتشتيتهم في المنافي، كما أنه لا يمكن بناء جبهة داخلية متماسكة ومواجهة المخاطر في ظل إدارة سياسية عاجزة وفسادٍ مستشرٍ، وهذا ما يتطلب أكثر من أي وقت مضى قراراً سياسياً مسؤولاً يتناسب مع ما تواجهه الكويت من تحديات بحيث يعيد اللحمة إلى جبهتها الداخلية ويعزز الكيان الدستوري للدولة ويوفر الدعم للنهج المتوازن والمستقل نسبياً لسياستها الخارجية ويحول دون خضوعها للابتزاز  والضغط، مع ضرورة وجود خطة للطوارئ والدفاع المدني وإدارة الأزمات وتوفير الخدمات الضرورية والمواد التموينية، وهي متطلبات حيوية لا يمكن تحقيقها في ظل وضع حكومي بائس كالوضع القائم وحالة سياسية مأزومة كالتي نعيشها وتهميش متعمد للشعب.

 السبت ١٨ مايو/أيار ٢٠١٩