لم تكن الذكرى السنوية للأول من أيار، حدثاً عابراً او محطة نمر عليها مروراً خاطفاً، بل انها مناسبة لاستحضار الكم الهائل من التجارب النضالية التي قدمتها البشرية على امتداد وجودها الإنساني منذ ارتباطها بسوق العمل، وفي مقدمتها طليعة البناء والكفاح والأمل، الطبقة العاملة المناضلة، بنوعيها المتلازمين منذ التأسيس الأول، شغيلة اليد وشغيلة الفكر، ليكونا عبر حقب نضالية خالدة جنبا الى جنب، متحملين المحن والمواجهات مع لصوص الجهد الإنساني المكافح، ومسطّرين أروع ملاحم البطولات المعمّدة بالدم والتضحيات الجسيمة، حاملين الشعار الخالد: "يا عمال العالم اتحدوا". وحين نذكر مفردة العمال ينبغي أن نستحضر الشرائح المجتمعية كافة والتي تعرضت وتتعرض لأبشع صنوف الاستغلال واللصوصية، وفي مقدمتهم المسحوقون والمحرومون من ابسط وسائل العيش الكريم، في الوقت الذي يتحملون عبء الإنتاج والجهد العضلي بعد عرضه للبيع في سوق الاستغلال الامبريالي الجشع، الأمر الذي كلف هذه الشرائح المظلومة قوافل لا حصر لها من الضحايا ومعاناة لم تتوقف طيلة وجودها تحت سلطة الرأسمال الاستغلالي، وهنا يجب ان نذكر وبفخر واعتزاز القيادة الحقيقية التي تتواشج مع القوى الحية في العالم متمثلة بأحزاب الشغيلة المناضلة، الأحزاب الشيوعية العالمية المقدامة، وفي طليعتها، حزبنا الشيوعي العراقي العتيد، الذي قدم الاعداد الهائلة من القرابين، انتصارا لفكر الطبقة العاملة ونضالها المستميت من اجل الكرامة والتحرر والانعتاق من ربقة التحكم الامبريالي البشع وكل قوى الاستغلال والظلم في شتى بقاع الكون ودفاعا عن مشروعية العيش في وطن آمن تتحقق فيه العدالة الاجتماعية.

ان هذه المناسبة الخالدة تحيّي فينا سنويا تاريخ كفاح مجيد للطبقة العاملة العراقية التي واكبنا نضالاتها الطبقية العتيدة منذ نعومة اظفارنا، وفي مقارعة شتى صنوف التجاوزات وقدمت القرابين تلو القرابين من الشهداء ودعاة الحق والعدالة، ولكن وللأسف مرّت هذه الطبقة المناضلة في ظروف قاسية من المحن والفواجع والاقصاء بسبب الأنظمة القمعية المتلاحقة التي تعاقبت على سلطة القرار في العراق، وكان حزب الشغيلة، الحزب الشيوعي العراقي الهدف الرئيس لمحاولات الاقصاء والملاحقات والتصفيات بأبشع صورها، كونه خير من يمثل مطالب الطبقة العاملة المشروعة ويدافع عنها بشتى الوسائل النضالية، ولا يخفى على القاصي والداني حجم التضحيات الجسيمة التي عمّدت مسيرة الحزب وما اريق من الدماء المقدسة على ايدي جلاوزة الأنظمة الفاشية القمعية التي توالت على العراق، وعلى رأس هذه الأنظمة الفاشية نظلم حزب البعث الشوفيني الفاشي المجرم، ليقدم للحركة الوطنية قوافل من الشهداء الميامين ظلت وستظل ذكراهم خالدة في الضمائر الحية.

واليوم ونحن نعيش حقبة من اصعب الفترات التي تمر بها طبقة الشغيلة بعد أن تم تخريب البنى التحتية للصناعة العراقية قصدا، وتشريد الآلاف من العمال الذين باتوا بلا عمل ولا مأوى وعاد العراق من الدول التي تكاد تنعدم فيها الصناعات الوطنية تماما، حيث تحول بعض ساسة العراق الجدد الى لصوص للنهب بشكل مخيف، حين امتدت أياديهم الآثمة الى كل مرافق وبنى ومنشآت الصناعة العراقية،  حتى وصل اجرامهم الى بيع المعدات الصناعية خردة بشكل سافر وخسيس، بحيث عدنا لا نرى جملة "صُنع في العراق" الا ما ندر، وهذه هي الكارثة بعينها، ليتحول العراق الي بلد ريعي مستهلك لبضائع الغير، يعتمد على النفط في تغطية ميزانيته التشغيلية، دون تلمس أي جهد او سعي وطني لإعادة تأهيل الصناعة الوطنية وتحقيق موازنة مطلوبة واساسية بين واردات الدولة المتأتية من بيع النفط وواردات الصناعة الوطنية التي من شأنها اذا ما وُضعت الخطط المدروسة والعلمية ان توقف نزيف الأموال العراقية والتي تذهب تعسفا الى دول الجوار، لاستيراد ما يمكن تصنيعه داخل الوطن. ولكن الاتجاهات السياسية بمكوناتها واحزابها ومنتفعيها ولصوصها المرتبطة بأجندات وتبعيات وانحياز كامل لسلطة دول لا تريد للعراق خيرا، وتسعى دائما لإفشال المحاولات لإحياء الصناعة العراقية لئلا تتوقف الأموال العراقية الهائلة التي تذهب هدرا دون أي إحساس وطني بخطورة ما آلت اليه أوضاع البلد الاقتصادية، أدت الى حدوث هذه الكارثة الوطنية للصناعة العراقية، الأمر الذي اوجد بطالة مقنعة مخيفة وتعطيلا كاملا لليد العاملة العراقية وإيقاف الكفاءات التي من شأنها ان تخلق قاعدة صناعية كبرى، اذا ما علمنا بأن العراق يمتلك من الخبرات والثروات والبنى التحتية، ما يتيح له أن يصل الى هذا الأمل المنشود والذي بقي معلقا وطموحا لا يمكن تحقيقه ونحن نعيش ونعاني حالة من الفوضى والتردي في كل مناحي الحياة وعدم التخطيط ووضوح الرؤيا والتخبط المقصود من اجل الحاق الضرر بعجلة التنمية في العراق، وترك منافذ الفساد مشرعة على مصاريعها وتبديدا للثروة الوطنية بصيغ مرعبة طالت مفاصل البلد كافة، ليبقى العراق في نفق التخلف والتردي الاقتصادي والصناعي والاجتماعي الذي يخدم مساعي الفاسدين وفلول اللصوص الخونة للوطن والناس، ليظل الحال على ما هو عليه من تخريب مقصود ومخطط له.

ان الطبقة العاملة العراقية المناضلة تعيش حالة من التدهور والانكسار والتهميش والضياع وتعطيل القدرات بشكل مخزٍ ومتعمد، وهنا ينبغي على من يعنيه هذا الأمر، التحرك بوطنية صادقة وبشكل ملح وعاجل لتغيير واقع الحال المتردي، وهذا يتطلب جهودا كبيرة من لدن الوطنيين الأحرار وإيقاف المحاولات المشبوهة لقتل الصناعة الوطنية في العراق.

ونحن نمر اليوم بحلول ذكرى عيد العمال المجيد، ينبغي ان نستذكر قوافل الشهداء وتضحياتهم من اجل انعتاق الانسان من ربقة العبودية والتسلط وفي المقدمة، طبقة شغيلة اليد والفكر، أساس خلق أي تنمية وطنية تنقل البلد من حالة الكساد الصناعي والاقتصادي والموت السريري للصناعة الوطنية، الى الإنعاش الحقيقي لبناء القاعدة الصناعية المتينة.

تحية فخر واعتزاز لطبقتنا العاملة المكافحة. ولننحني اجلالا لذكرى شهداء مسيرة النضال الوطني الاماجد وفي مقدمتهم ضحايا الاجرام البعثي، من الشيوعيين الابطال ومن نالتهم ايادي القتلة من الوطنيين الأحرار كافة. وكل عام والطبقة العاملة العراقية والعالمية بخير وسلام وسؤدد. عاش الأول من أيار الخالد، عاشت الطبقة العاملة العراقية، وكل عام وعمال العالم بانتصارات دائمة.

عرض مقالات: