(1)
الشغيلة في برنامج الحزب
يعد الأول من أيار، عيد العمال العالمي، اليوم الأبرز في حياة الشيوعيين العراقيين، الذين كان نشوء الطبقة العاملة العراقية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، أحد أهم العوامل الموضوعية التي حتّمت ولادة حزبهم العريق، كطليعة لكفاح الشغيلة وكمدافع صلد عن حقوقها المشروعة في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وكمرشد لها في مسارها نحو تحقيق المجتمع اللاطبقي، الذي ينهي والى الأبد كل ما يسلب من البشر آدميتهم.
وكما كان بديهياً أن نحتفل بهذا العيد الأممي والوطني، في كل ساحات النضال وفي ظل كل الظروف، كان بديهياً أن يُخضع حزبنا، وعلى مدى عقود ثمانية من تاريخه المجيد، كل برامجه وخططه وسياساته لتحقيق مصالح الشغيلة وما تصبو اليه، وأن يقدم خيرة فتيته قرابين، دفاعاً عن هذه المصالح والحقوق المشروعة، وأن يسعى في كل مؤتمراته ونشاطاته لتطوير تلكم السياسات والمفاهيم النظرية وجعلها منسجمة مع الظروف المتغيرة، مع الإصرار على التمسك بالأهداف النبيلة، وبالإبحار بذات الهوية الفكرية التي بدونها لا يمكن الوصول لتلكم الأهداف.
وفي ظل المتغيرات الهائلة التي شهدها العالم ومرحلة التطور التي يمر بها العراق، أخضع حزبنا في مؤتمره العاشرعام 2016، برنامجه لعملية تطوير مهمة على هذا الصعيد، استهدفت جعل استراتيجة وتكتيكات الحزب متناغمة بشكل اعمق مع مصالح شغيلة اليد والفكر في بلادنا، حيث أكد البرنامج على "انحياز الحزب إلى عالم العمل وقيمه، وإلى العاملين بسواعدهم وفكرهم"، مشدداً على أن الدفاع عن مصالح الفئات الاجتماعية الأكثر تعرّضاً للتهميش والاضطهاد والاستغلال هو الرافعة الكفاحية الأهم نحو تحقيق العدالة الاجتماعية. كما دعا البرنامج الى توفير شروط إعادة تدوير عجلة الاقتصاد، وتبني استراتيجية تنمية مستدامة والاستخدام العقلاني والكفوء لموارد البلاد بما يحقق مستوى ونوعية حياة أفضل لجميع المواطنين. وشدد على تفعيل دور الطبقة العاملة وسائر الشغيلة ومنظماتهم النقابية في حياة المجتمع، ومساهمتها الرئيسة في صياغة السياسات الاقتصادية - الاجتماعية وفي عملية إعادة البناء. ولتحقيق ذلك أكد الحزب على "التطبيق الفعلي لقانون العمل الجديد رقم 37 لسنة 2015، واصدار تشريعات خاصة بالتنظيم النقابي والمهني لحماية حقوق العمال ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، وللحيلولة دون تعرضهم الى الفصل الكيفي، ورفع مستوى معيشتهم، وضمان حياة لائقة للمتقاعدين منهم وكبار السن" وشدد على "إصدار التشريعات الكفيلة بضمان تمثيل العمال في مجالس إدارة المشاريع والمؤسسات الاقتصادية، والحكومية منها على وجه الخصوص، بما يؤمن مشاركة التنظيمات النقابية العمالية في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية". وإذ اعتبر الحزب القضاء على البطالة الحلقة الأبرز في مجال التحديث الاقتصادي، دعا الى "وضع حد أدنى للأجور يؤمن عيشاً كريماً، ومراجعته دورياً في ضوء معدلات النمو والتضخم" و "إعادة النظر في سلم رواتب موظفي الدولة، ووضعه على أسس سليمة تزيل مظاهر التفاوت الحاد وعدم التوازن، التي تترك آثاراً سلبية على استقرار وأداء الملاكات وعلى حوافز العمل".
ودعا البرنامج الى الكفاح من أجل تحقيق سلسلة من الضمانات الاجتماعية كإصدار "قانون للضمان الاجتماعي الشامل، وتعزيز شبكة الرعاية الاجتماعية الحالية وتطويرها، لتشمل إنشاء صناديق تقدم الإعانات المالية في حالات البطالة والعجز الناجمة عن العمل والشيخوخة، بما يؤمن حداً معقولاً من الدخل، وإيجاد نظام فعال لتمويل هذه الصناديق" وصيانة مجانية الرعاية الصحية والتعليم الأساسي وتطويرهما وتوفير باقي الخدمات الأساسية بتكاليف مناسبة. كما أولى البرنامج أهمية لمشكلة السكن التي يعاني منها كادحو بلادنا بشكل خاص، فدعا الى "سياسة اسكانية متكاملة تجمع بين مشاريع إسكان تمولها الدولة للفئات الضعيفة الدخل، مع التركيز على بناء المجمعات السكنية والاهتمام بالبناء العمودي، وتيسير الإقراض العقاري للفئات متوسطة الدخل".
وكدأبهم على مدى تاريخهم المشرق، يواصل الشيوعيون العراقيون اليوم كفاحهم الباسل لتحقيق هذه الأهداف، ويذكي الأول من أيار كل عام جذوة النضال تلك ويعززها.
(2)
هل انتهى الصراع الطبقي؟
من بين أكثر المقولات التي سرت كالنار في الهشيم، الذي خلفه الزلزال الغورباتشوفي أوائل تسعينيات القرن الماضي، إدعاء يقول بأن التاريخ قد انتهى بانتصار الرأسمالية، ولم يعد هناك مكان لماركس ولما عرف بالصراع الطبقي! ورغم أن أصحاب هذا الادعاء كانوا يدركون في قرارة أنفسهم زيف ما يقولون، واعترفوا بالحاجة لماركس ابان الأزمة الدورية للرأسمالية عام 2008 والتي ما زال نظامهم مثقلاً بما سببته له من جراحات عميقة، فإن هذا الادعاء وفي ظل التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصالات والإعلام، قد دفع ببعض "اليساريين" للانتقال الى الضفة الأخرى والى الإقرار بعدم ممارسة النضال خارج أوقات الزمن الإمبريالي، كما خلق لدى بعض آخر حاجة لما يطمئن القلوب. ولعل أبسط وأقوى ما يسد تلك الحاجة التعرف على واقع التفاوت الطبقي، الذي هو المولّد الأرأس للصراع الطبقي، على الصعيدين المحلي والدولي.
تشير أرقام الأمم المتحدة الى أن خمس البشر (1.3 مليار إنسان) يعيشون دون مستوى الفقر (حيث لايزيد دخلهم اليومي عن 1000 دينار عراقي) فيما يسيطر 1 في المائة من سكان العالم على 82 في المائة من ثروته، وتعادل ملكية 42 شخص فقط من هؤلاء ما يملكه 3500 مليون إنسان! وتبين الاحصائيات ان مليار إنسان يعانون من الأمية، 65 في المائة منهم من النساء. ويفتقد مليار إنسان الى سكن مناسب و3.5 مليار للماء الصالح للشرب ويعيش ما يزيد على 4 مليارات بلا أية ضمانات اجتماعية!
وفيما ينام 550 مليون طفل في الدول الفقيرة كل ليلة جائعين، يستهلك الأغنياء 60 في المائة من الغذاء العالمي ويبلغ متوسط دخل الفرد لديهم 60 مرة أكثر من متوسط دخل الفرد في الدول الفقيرة! وفي الوقت الذي تسيطر فيه مافيات المخدرات على 500 مليار دولار سنوياً تهيمن 8 شركات عالمية فقط على 90 في المائة من الاحتياط النفطي العالمي ويستهلك الاوربيون والامريكان 70 في المائة من الطاقة العالمية و75 في المائة من معادن العالم و85 في المائة من أخشابه!
وفي بلاد الرافدين تشير الإحصائيات الى أن نسبة البطالة قد بلغت 31 في المائة وأن 23 في المائة من السكان تحت مستوى خط الفقر (في كردستان 12.5 في المائة وفي الوسط 17 في المائة وفي الجنوب 31 في المائة وفي بغداد 13 في المائة)، فيما توقف 13328 معملاً ومصنعاً عن الإنتاج وفاقت الديون 124 مليار دولار، وشهد الإنتاج الزراعي تدهورا مريعا فلم تبلغ حصته من الناتج الاجمالي سوى 6.5 في المائة فقط. وفيما يفتقد 24 في المائة من السكان الى الماء الصالح للشرب، و72 في المائة للصرف الصحي، تحتاج البلاد كحد أدنى الى 2.5 مليون وحدة سكنية والى 11 ألف مدرسة، حيث يتعذر على 80 في المائة من أبناء الفقراء إكمال الدراسة المتوسطة 25 في المائة منهم إكمال الدراسة الابتدائية!!
فهل بعد كل هذا التفاوت الطبقي، ينتهي الصراع الطبقي ولا يوجد مكان لماركس في عالم اليوم؟! لقد أجرت وكالة غالوب استطلاعاً للرأي، سألت فيه الأمريكيين عما إذا كانوا مستعدين للتصويت الى رئيس اشتراكي، فأجاب 69 في المائة ممن هم دون الثلاثين و34 في المائة ممن هم فوق الستين بنعم!! أفلا يدل هذا على أن قرنا من الدعاية الخبيثة ضد الاشتراكية والشيوعية، لم تكن قادرة على إخفاء الصراع الطبقي في قلب الأمبريالية العالمية؟!