تتوالى الاحداث في مسار الصراع بين الولايات المتحدة وحلفائها الساعية لإسقاط الحكومة الشرعية في فنزويلا من جهة، والتدابير التي تتخذها حكومة اليسار المنتخبة ديمقراطيا لحماية سيادة واستقلال البلاد من جهة اخرى.

وشهدت الأيام الأخيرة الماضية اعلان المدعي العام الفنزويلي منع رئيس البرلمان اليميني خوان غوايدو من مغادرة البلاد وتجميد حساباته المصرفية، في حين كشف غوايدو في مقابلة مع "سي إن إن" عن إجرائه محادثات سرّية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شملت قضية الاستيلاء على السلطة.

وجاء اعلان وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة، عن عدم نية الحكومة الامريكية إرسال 5 آلاف جندي أمريكي إلى كولومبيا، بعد ظهور الملاحظة المكتوبة بخطّ اليد على دفتر ملاحظات جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي عن ارسال "خمسة آلاف جندي إلى كولومبيا"، ما أثار تساؤلات عن تحرّك عسكري محتمل لواشنطن ضد فنزويلا.

وأشار متابعون ان تسريب الملاحظة مقصود ويهدف الى زيادة الضغط على الجيش الفنزولي للتخلي عن الرئيس مادورا.

وقامت الولايات بفرض عقوبات جديدة على شركة النفط الوطنية الفنزويلية، وتجميد أصولها في أمريكا والتي تبلغ 7 مليارات دولار. من جانب آخر منع بنك إنكلترا سحب ما قيمته 1.2 مليار دولار من الذهب الفنزويلي المودع فيه. وواضح ان الخطة الامريكية تركّز على الانهيار الكلي للاقتصاد، ومحاولة تحييد الجيش ودعم تنصيب غويدو دولياً، في إطار سير تدريجي للمساعي الانقلابية.

القوات المسلحة والتعبئة الشعبية

وتلعب القوات المسلحة، والتي تسمى هناك "القوات المسلحة الوطنية البوليفارية" دورا محوريا في ترجيح الكفة في الصراع الدائر على السلطة. ولهذا أعلن خوان غوايدو، في محاولة منه لاستمالة الجيش الى جانبه، عفوا عن الجنود والضباط في حال تخليهم عن الرئيس مادورا. وقام انصاره بتوزيع القرار الذي اتخذه البرلمان منزوع الصلاحية، امام ثكنات الجيش.

ولتأكيد ولاء الجيش لحكومته زار مادورا، الذي ابدى استعداده في مؤتمر صحفي عقده أمس الاول "للحوار مع المعارضة" ثكنات الجيش الرئيسة   في البلاد، ونشرت الحكومة صورا لتأكيد التضامن بين القيادتين السياسية والعسكرية. وتم الإعلان عن خطة لإجراء مناورات عسكرية واسعة النطاق في الفترة من 10 -15 شباط، لإظهار جاهزية الجيش. في مقابلة مع سي إن إن تركيا، أوضح مادورو أن بلاده "تقود صراعا تاريخيا من أجل الديمقراطية والسيادة، لأمريكا اللاتينية".

وعامل آخر مهم في الدفاع عن البلاد تشكله قوات التعبئة الشعبية "حركة التيارات الثورية البوليفارية المسلحة"، التي يبلغ عديدها وفق معطيات الحكومة 1.6 مليون مقاتل ومقاتلة، وستشارك في المناورات المرتقبة. وتنتشر هذه التشكيلات في المناطق الريفية، وفي مناطق الحدود المشتركة مع كولومبيا، وكذلك في الولايات القريبة منها. وأصدرت هذه التشكيلات أخيرا بيانا اكدت فيه على ان فنزويلا تتعرض لعدوان خارجي، يوظف ازمة داخلية، وان الولايات المتحدة تسعى لتحقيق نجاح خارجي، في حين ان القضية الأهم في فنزويلا هي الدفاع عن الوطن وانجازات السلام، ومواجهة الفاشية والامبريالية. ودعا البيان الحكومة الى إيجاد حلول فعالة للأزمة الاقتصادية الحادة في البلاد، محذرة إياها من عدم رضا السكان عن نقص وانهيار الخدمات العامة. وتعد الحركة أكبر منظمة شعبية في فنزويلا. وتضم إضافة الى آخرين، منظمة الفلاحين والجبهة البلدية الوطنية سيمون بوليفار. كما تشارك في المنظمة قرابة 130 بلدية، والعديد من مجالس المدن في جميع أنحاء البلاد. 

اهداف أيديولوجية واقتصادية بحتة

   الفريق الوزاري الامريكي المعني بتنسيق المساعي الانقلابية في فنزويلا يضم نائب الرئيس مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، والسيناتور اليميني المتطرف ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون. واعترف الأخير، في مقابلة بصراحة أن الامر يتعلق بهيمنة شركات النفط الأمريكية على النفط الفنزويلي. ولهذا وبعيدا عن كل اللغو الذي تنشره معظم وسائل الإعلام والحكومات التي تدعم المساعي الانقلابية، فإن فنزويلا ساحة للصراع على المصالح الجيوسياسية والوصول إلى الموارد الهائلة التي تمتلكها. فنزويلا تملك أكبر احتياطيات العالم النفطية، وهي صاحبة ثاني أكبر مخزون ذهب في العالم، ربما ثاني أكبر إيداع للكولتان وهو مركب يستخدم في تصنيع التكنلوجيا الرقمية. وفنزويلا هي ثامن مالك لرواسب الغاز في العالم، فضلا عن معادن اخرى مثل الماس.

معاداة الشيوعية و"إعادة الديمقراطية"

عينت الحكومة الأمريكية مبعوثًا خاصًا جديدًا لفنزويلا هو إليوت أبرامز. المعروف في أمريكا اللاتينية بمسئوليته عن المذابح في السلفادور في عهد رونالد ريغان، والاشراف على تشكيل فرق الموت اليمينية. وكذلك التمويل السري لقوى الثورة المضادة في نيكاراغوا في عام 1991. وقال وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو لرويترز "اليوت سيكون ذو قيمة كبيرة في مهمتنا لمساعدة الشعب الفنزويلي على استعادة الديمقراطية والازدهار".

وقد كذب مرتين في تحقيقات اجراها الكونغرس الأمريكي، وصدر بحقه امر قضائي، وأصدر الرئيس الأمريكي بوش الابن عفوا عنه بالتزامن مع غزو العراق. وكذلك اخفى ابرامز معلومات بشأن الانقلاب الفاشل في حينه ضد الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز.

عرض مقالات: