البرتغال أحد بلدان جنوبي اوروبا التي ضربتها الازمة المالية 2007 / 2008 في الصميم. ولهذا ظلت سنوات بعيدة عن مركز الاهتمام في أوروبا، ولكن نجاحاتها الاقتصادية، اعادتها الى مركز الضوء مجددا، وأصبحت بلدا جاذبا للسواح، حيث ساهم هذا كثيرًا في النجاحات المتحققة.

وللسنة الثانية على التوالي، حصلت البرتغال على جائزة السفر العالمية لكونها "أفضل وجهة للسياحة في العالم". وفي الوقت نفسه، حصلت جزيرة ماديرا البرتغالية على جائزة "أوسكار السياحة" العالمية. وبهذا الخصوص قالت وزيرة الدولة لشؤون السياحة آنا مينديز جودينهو: ان "هذا أمر لا يصدق".

في عام 2017، زار البرتغال الفقيرة، أكثر من 24 مليون شخص، هذا ما اعلنته الوزيرة البرتغالية  على هامش حفل توزيع الجوائز في العاصمة لشبونة، وتوقعت ان ترتفع النسبة خلال عام 2018 الى رقم قياسي جديد قرابة 12 بالمائة. وكان تنوع العرض في البرنامج السياحي مفتاحا للنجاح. وارتفعت الإيرادات السياحية بنسبة 11.4 في المائة، وشكلت قرابة 10 في المائة من الناتج الاجمالي المحلي، بقيمة قدرها 15 مليار يورو.

ومع ذلك، فإن الزيادة الهائلة في السياحة، ليست هي السبب الوحيد لتطور البلاد الاقتصادي، منذ تشكيل حكومة يسار الوسط (حكومةأقلية) بقيادة الحزب الاشتراكي، وبدعم برلماني من الحزب الشيوعي وحزب "كتلة اليسار" الماركسي. وكان وزير المالية الالماني الاسبق فولفغانغ شويبلة قد اعلن، في عام 2016، ان البرتغال ستحتاج الى "حزمة انقاذ" ثانية، نتيجة للتخلي العبثي لحكومة اليسار عن سياسات التقشف، وقيامها برفع الاجور والمعاشات التقاعدية، التي خفضتها حكومة اليمين المحافظ، وكذلك الغت ضرائبها التي اثقلت كاهل اغلبية السكان. ورفعت الحكومة اليسارية نسبة الضرائب المفروضة على الارث والثروة، واضافت ضريبة على العقارات، مستثنية شقق ومنازل الناس البسطاء.

جنة ضريبية للمبتدئين

التخفيض الضريبي المركزي تعلق بتخفيض ضريبة القيمة المضافة، التي رفعتها حكومة اليمين الى 23 بالمائة، وخفضتها الحكومة الحالية الى، ادنى نسبة 13 في المائة، وخصوصا لرواد الفنادق والمطاعم والمرافق العامة. و جعل هذا البرتغال أكثر جذبا للسواح. واستدرج المتقاعدين من جميع أنحاء أوروبا لإنفاق أموالهم داخلها. واعفائهم من دفع الضرائب لمدة 10 سنوات،إذا ما انتقلوا للعيش فيها.

وجذب تخطيط المدن والاماكن، والسياسة الهيكلية المستثمرين الى البلاد. بالاضافة الى ذلك ازداد عدد العائلات المنتقلة من اسبانيا المجاورة الى المدن البرتغالية. وبلغ حجم الاستثمار الاسباني اكثر من مليار  يورو في عام 2017 . ولكن الاستثمارات الكبيرة قدمت من فرنسا والمانيا والصين. ووصفت جريدة اقتصادية فرنسية البرتغال بـ "جنة المبتدئين".

رفع القدرة الشرائية

ويؤكد خبراء اقتصاديون ان الوصفة كانت بسيطة جدا: تعزيز السوق الداخلي والاستثمار والاستهلاك. وبواسطة السواح والمستثمرين تم رفع القدرة على الدفع. بالاضافة الى رفع القدرة الشرائية للسكان. اي تم تقديم الاموال للذين يحتاجونها. وتم اخذها من الاثرياء. وادت هذه الستراتيجية الى خفض البطالة الى 6.7 في المائة، وهذا رفع عدد المساهمين في صندوق الضمان الاجتماعي، ورفع قيمة الواردات الضريبية. وبالتالي، انخفض عجز الموازنة في عام 2017  إلى أكثر قليلاً من 2 في المائة، وهو أقل بكثير من عتبة الاستقرار البالغة 3 وتحت النسبة التي حددها الاتحاد الأوروبي، والبالغة 2.4 في المائة. وفي هذه الاثناء اجبرت حتى وكالات التصنيف الرأسمالية الكبرى على الاعتراف بالنجاحات، وخفضت نسبة الارباح على السندات المالية الحكومية. واستطاعت البرتغال ان تفلت مبكرا من القروض الثقيلة لصندوق النقد الدولي، وخلقت فضاءات اضافية للاستثمار والسياسات الاجتماعية.

 وبالمقارنة مع إسبانيا المجاورة، فإن النجاحات واضحة جدا، فالتقشف لا يزال مستعرا، وعجز الموازنة في تصاعد. ونسبة البطالة تقترب من 15 في المائة، و تتجاوزها الا النسبة في اليونان. وتبلغ البطالة بين الشباب في البرتغال 21 في المائة، وهي لا تزال عالية، ولكن مقارنة باسبانيا تبدو مقبولة حيث تبلغ النسبة هناك 35 في المائة.

وسياسيا تعتبر هذه الاجراءات افضل جدار  لصد اي صعود محتمل لليمين المتطرف، الذي اصبح ظاهرة في القارة الأوروبية. ويمكن القول ان تاريخ اليسار وتقاليده الراسخة في البلاد كانت عاملا اساسيا في ابقاء اليمين المتطرف هامشيا فيها.

عرض مقالات: