دخلت احتجاجات حركة "السترات الصفر" السبت الفائت، رغم البرد القارس اسبوعها الخامس. ووسط إجراءات أمنية مشددة، تدفقت جموع المحتجين بكثافة الى شارع الشانزليزيه الشهير. وفشلت محاولات الرئيس إيمانويل ماكرون في الالتفاف على الحركة واحتوائها..
ووفق ما اعلنه وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستنير فأن 33500 شاركوا في التظاهرات في جميع انحاء البلاد. وفي باريس وحدها شارك قرابة 2200 متظاهر في تجمعات احتجاجية جابت عددا من احياء العاصمة.
وكانت الحكومة الفرنسية قد دعت المحتجين إلى التعقل وعدم التظاهر مجددا يوم السبت الماضي. وقال الناطق باسم الحكومة "ليس من الحكمة التظاهر" نظرا لانشغال قوات الشرطة في عمليات التحقيق والبحث الجارية عن منفذي اعتداء ستراسبورغ الثلاثاء الفائت. ودعا مسؤولون آخرون بينهم رئيس الجمعية الوطنية ووزير الانتقال البيئي إلى وقف حركة الاحتجاج بالكامل.

محاصرة الشركات الكبرى

قبل 5 ايام بدأت "السترات الصفر" بمحاصرة مداخل بعض الشركات الكبيرة، بينها امازون وايرباص، وطالب المحتجون هذه الشركات بدفع الضرائب المستحقة. ويأتي ذلك بعد أن احتلت الحركة الطرق الخارجية السريعة وطرق سريعة اخرى في خطوة أخرى باتجاه فرض حصار اقتصادي.
ان هذه التطورات، إلى جانب التعبئة الواسعة النطاق في الشوارع وتنوع الاحتجاجات الأخرى (احتجاجات التلاميذ والطلبة للمطالبة بتعليم مجاني) كانت وراء "التنازلات" والوعود التي قدمها ماكرون في خطابه الاخير.
وفي الوقت نفسه، فان رفض الرئيس إعادة العمل بضريبة الثروة التي ألغاها وسحب الامتيازات الضريبية الجديدة التي منحها للشركات والإثرياء، سيزيد عجز الموازنة الفرنسية، ووفق مختلف التقديرات، بمقدار 10 - 20 مليار يورو. ولهذا استحوذ الخوف من عدم الاستقرار، ومن "فرنسا التي لا يمكن حكمها" على رجال الأعمال والحكومة الفرنسية والمفوضية الأوربية: واشارت وسائل اعلام فرنسية الى ان عدم الاستقرار السياسي في فرنسا، خلق قلقاً متزايداً، وفي هذا السياق ابدى موسكوفيتشي المفوض الاوربي للشؤون المالية، استعداده لتقديم تنازلات بشأن تحديد سقف العجز.
ان ما تقدم يؤشر افتقار نهج الليبرالية الجديدة، المعمول به منذ سنوات، الى بدائل لسياسة التقشف القاسي، التي تتفجر في أثرها احتجاجات واسعة، حالما تنشط الجماهير العريضة، وترفض القيود الاجتماعية المفروضة عليها.

الشيوعي الفرنسي.. التحرك والتعبئة والاتحاد مفاتيح للانتصار

ودعا فابيان روسيل السكرتير الوطني للحزب الشيوعي الفرنسي الى اعادة تنظيم الصراع بين الاعلى ولاسفل، بدلا من شق صفوف المجتمع على اساس الجنس والأصل والمعتقد. ورفض روسيل دعوة الحكومة المحتجين للعودة الى منازلهم، بحجة احداث ستراسبورغ، مؤكدا اذا رأت الحركة الاحتجاجية ضرورة احتلال تقاقطعات المرور، فعليها فعل ذلك، واذا ارتأت الاعتصام في الجمعية الوطنية، فان الزعيم الشيوعي سيشاركها الاعتصام.
وكان الحزب الشيوعي الفرنسي قد اعتبر تنازلات الرئيس ماكرون غير كافية على الإطلاق. وان العمل على زيادة الاموال عن طريق إعفاء المداخيل من اشتراكات الضمان الاجتماعي، يؤدي عمليا الى تسريع سياسة ماكرون المتمثلة في تقويض أنظمة الضمان الاجتماعي. وان عدم تخلي الرئيس عن جوهر سياسات الليبرالية الجديدة يعني تحمل اوسع الأوساط الاجتماعية تكاليف "تنازلات" ماكرون البالغة 10 - 15 مليار يورو من خلال هدم المكتسبات الاجتماعية وتآكل الخدمات العامة. وفي نهاية المطاف، فان رفع صافي الدخل، دون ان يشمل ذلك تعزيز نظام الضمان الاجتماعي سيكون على حساب العاملين، فالاخير سيبتلعه ارتفاع متوسط التضخم.
وحذر روسيل الحكومة الفرنسية من انزال قوات الشرطة الخاصة ضد المحتجين، وانه يقف الى جانب اصحاب "السترات الصفر"، لان مطالبهم، تتفق الى حد كبير، مع المطالب التي يرفعها الشيوعيون. وان هذه المطالب ستنقل الى اروقة الجمعية الوطنية الفرنسية.
وقد تصاعد الضغط بعد ان كشفت زعيمة "الجبهة القومية" اليمينية المتطرفة ماري لوبان عن وجهها الحقيقي الداعم لشركات رأس المال، داعية المحتجين الى انهاء التعبئة، والتوجه الى فرض حقوقهم عبر صناديق الاقتراع، بعد ان سعى الفاشيون الجدد، عبر خطابهم الشعبوي الى توظيف الاحتجاجات في بدايتها لتعزيز رصيدهم الحزبي. وبهذا ينحصر دعم الحركة الاحتجاجية داخل الجمعية الوطنية الفرنسية بالحزب الشيوعي الفرنسي، وحركة "فرنسا الأبية" بزعامة جان لوك ميلنتشون.

عرض مقالات: