الالتباس الذي يحيط باغتيال كامل شياع لا يناظره سوى التباس اغتيال ناجي العلي المولود عام 1937 في قرية بالناصرة، ثم هاجر أهله عام 1948 إلى جنوب لبنان فعاش في مخيم عين الحلوة، وسافر إلى طرابلس ونال منها شهادة ميكانيكا السيارات، وتزوج من فلسطينية.
شاهد غسان كنفاني رسومه في المخيم فنشر واحدا منها عام ١٩٦١ في مجلة "الحرية"، ليسافر عام ١٩٦٣ إلى الكويت وليعمل محررا ورساما ومخرجا صحفيا في الطليعة والسياسة والقبس.
ابتدع عام ١٩٦٩ شخصية "حنظلة" التي تمثل صبياً في العاشرة من عمره يدير ظهره ويعقد يديه خلف ظهره، وأصبح حنظلة بمثابة توقيع وبصمة لناجي على رسوماته، ولقي هذا الرسم وصاحبه حبّ العرب قاطبة.
في ٢٢ تموز ١٩٨٧، اطلق شاب مجهول النار على ناجي العلي في لندن فأصابه تحت عينه اليمنى، ومكث في غيبوبة حتى وفاته في 29 آب 1987، ودفن في لندن رغم طلبه أن يدفن جنب والده في مخيم عين الحلوة.
وللآن يكتنف الغموض اغتيال العلي اذ ثمة جهات مسؤولة بشكل مباشر، الأولى الموساد الإسرائيلي والثانية منظمة التحرير الفلسطينية كونه رسم ما يمسّ قياداتها وثالثتها المخابرات السعودية أو العراقية لانتقاده اللاذع لقادة البلدين.
وفي 30 آب 2017، أي قبل عام واحد وبعد 30 عاماً على الاغتيال العتيق تعلن الشرطة البريطانيّة فتح التحقيق مُجدداً في قضية اغتيال ناجي العلي.
ونرى كامل هكذا أيضا، فقد ولد ببغداد عام ١٩٥٤، غادر العراق عام ١٩٧٩ واستقر منذ ١٩٨٣ في بلجيكا بعد إقامة قصيرة في الجزائر التي عمل فيها مدرساً للغة الإنكليزية.
نال الماجستير في الفلسفة بامتياز من جامعة لوفان الكاثوليكية عن أطروحته "اليوتوبيا كموقف نقدي".
عاد عام ٢٠٠٣ الى العراق، وعيّن مستشارا في وزارة الثقافة، وهو عضو المؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي العراقي والمشرف على تحرير مجلة "الثقافة الجديدة" التي يصدرها الحزب الشيوعي.
اغتيل في ٢٣/ ٨/ ٢٠٠٨ على طريق محمد القاسم (الخط السريع) بالقرب من كراج النهضة.
ومثل ناجي، فقد ضاع دم كامل أيضا، وللآن يكتنف الغموض اغتياله، فهل قتله الارهابيون وبقية البعث؟ أم قتله الأخوة الأعداء طمعا بمنصب وكرسي؟ وإذا كان السكوتلاند يارد قد فتح التحقيق مجددا في ملف اغتيال ناجي العلي، فهل ننتظر ٣٠ عاماً لنعرف ونتعرف على القاتل الصديق للمثقف الصديق، هذا المثقف المرموق الذي أودى به مشروعه الثقافي المشع بالعقلانية والتنوير والديمقراطية.
وحتى لو لم ينجُ مثل تربه ناجي، فإنّ خلود كامل شياع يكمن في تبنينا لمشروعه الآنف وتنفيذه، فهو على هدي رفيقه الشاعر النجفي والمثقف المرموق والقيادي الشيوعي حسين محمد الشبيبي الذي قال بيقين تحت أعواد مشنقته في شباط ١٩٤٩: (نحن أجسام وأفكار، فإن أفنيتم أجسامنا فلن تقضوا على أفكارنا، البتة).

عرض مقالات: