(اكتمال الصورة)
إلى: روح المغدورة.. الدكتورة بان
"كبرتْ بان .. كبرتْ بان
صارتْ أحلى من نيسان"
أستلّ ذلك من عمق ذاكرة غائرة، أستعيده من سلّة محذوفاتها. ربما كانت المرة الأولى التي أرى فيها أنّ عدم وجود زرٍّ لتفريغ محذوفات الذاكرة، كما في الهواتف والحواسيب، هو خيار مجدٍ.
أستعيد ذلك.. وأرى، على شاشة السقف المشوّهة بمروحة قديمة ساكنة منذ زمنٍ.. أرى المعلّم، بعد أنْ وضع على طاولته دفترًا كان بيده.. وقوالب الطباشير في الساقية أسفل السبّورة، يعلّق خيط وسيلة الإيضاح في عنق مسمار طويل يطلّ من منتصف إطار اللوحة العلوي. وحين يتركها تنحدر.. أرى أنّ (بان) ما زالت متهيئة للقفز، فيما تمدّ ذراعيها على الجانبين بانتظار طيرانٍ لم يتحققْ منذ عقود.
حين ينهي المعلّم ذلك.. يترك سترته على ظهر الكرسي.. يلتقط عصاه الطويلة.. ثم يقف، على غير عادته، عند الجهة الأخرى من وسيلة الإيضاح بحيث لا تراه (بان). وكان، وهو يشير إلى الكلمات برأس عصاه، يتحاشى النظر إليها:
"كبرتْ بان .. كبرتْ بان
صارتْ أحلى من نيسان
كانتْ طفلة .. مثل الفُلّة
أمّا الآن .. أما الآن!"
إلّا أنّ (بان)، هذه المرّة، كانت تطير، ذراعاها يتحركان كجناحي طائرٍ أطلق بعد حبسٍ طويل.. فيما الهواء يبعثر شعرها الأصفر القصير.
ورأيتها تبتعد ساحبة معها ما تبقّى من ضوء شحيح في الغرفة.. كاشفة خواء شاشة السقف، المروحة المتوقفة منذ زمن.. وشخصًا يسند ظهره إلى قائمة سريره ويحدّق في السقف بعينين مفتوحتين.
البصرة
16/8/2025