كانت صدفة، لم تكن غريبة أن ألتقي موفق محمد نهاية ستينات القرن الماضي لنعمل معاً في إحدى مجلات الاتحادات المهنية، كانت البدايات الأولى لنا في خوض غمار العمل الصحفي ، كان (موفق) ما يزال طالباً في المرحلة الأخيرة من دراسته الجامعية في كلية الشريعة، فعهد إليه رئيس التحرير وزميله في الدراسة (سامي الموصلي) الإشراف على الصفحات الثقافية في المجلة .

كنا في اندفاع الشباب نخطو الخطوات الأولى في تعلّم فنون الصحافة. رضا الأعرجي الذي أسماه موفق بـ ( رضا جيلي)، نسبة إلى العدد اليتيم من مجلة ( جيلي) التي صدرت بجهد  رضا الشخصي، وزميلنا الآخر رسام الكاريكاتير قيس الحديثي. ثمة أشياء كانت تجمعنا ملائمة تماماً لروح تلك الحقبة وجيلها الذي أدرك الهوّة الكبيرة التي تفصل بعقليتها عن عقلية الأجيال السابقة، وما كان لهذه المجموعة ومنها موفق محمد أن تجد نفسها بعيداً عن تلك الأفكار، فبدأ  

(فايق) - هكذا كنا نناديه - مغامرته الأولى في قصيدة ( الكوميديا العراقية).

في تلك السنوات الضاجّة بالعنفوان، اعتدنا أن نجوب الشوارع والمقاهي، نجتاز دروب الليل يحدو بنا صانع المشاعر والخيالات رضا الأعرجي، ومبتكر الفرح موفق محمد في أشد حالات الضيق واليأس، ينشد أغانيه التي أشك أن تمحوها السنوات، فما زلت أتخيل أنها محفورة في جذوع أشجار اليوكالبتوس العالية التي تظلل شوارع الوزيرية، مرسومة في  أغصانها وأوراقها، أو معلقة على جدران دروب الحيدرخانة، وأزقتها الرطبة، تروي قصة شاعر من طراز خاص هو موفق أبو خمرة. الهجّاء، الساخر، العاصف المدوّي، عاش حياته مندمجاً بالأصدقاء، صانعاً ماهراً للعلاقات والجلسات، كان يكفيه بعض الوقت أن يسخر أكثر من العالم المزيف، وأزلامه الفاسدين المزيفين.

نام الحرف يا موفق، وغابت ضحكتك التي تخفي خلفها جروح الوطن، صمتك الآن أعلى من قصائدك، وأوجع من ضحكاتك المرّة، أكثر من نصف قرن من الرفقة، زمن تقاسمنا فيه وجعه وعبثه. نم يا صديقي، فقد تعبت من حمل البلاد، ونسج الأمل من خيوط الرماد.

سلام عليك في الغياب، أيها الراحل الذي لا يشبه الغياب،

كما كنت سلامًا على القصيدة

أيها المقيم في خرائط  الألم العراقي،

كنتَ تُقارع اليأس بسخرية ، من طرازٍ لا يُجيده سواك،

يا شريكي في الحلم والخذلان،

يا رفيق المقاهي والمنفى والورق الأصفر

أخبرني، من سيسخر الآن من الطغيان، كما كنت تسخر؟ أيها الشجاع الجريء .

من سيحوّل الخراب إلى نكتة، والنكتة إلى (لطمٍ) شعري؟

من سيجرؤ بعدك على أن يكون شاهدًا ومتهكمًا ونازفًا في آنٍ معًا؟

عرض مقالات: