في الميثولوجيا اليونانية كان "أيروس" اله الحب يمنح الدفء للعاشقين، اما اليوم فالفنانة الاء حسين تمنحنا هذا الدفء والطمأنينة والجمال الآخاذ، ولذة  الاداء حين تمتزج الدموع بالحقيقة، والتصالح مع الألم، بدلاً من محاولة التخلص منه أو إنكاره،حيث ان المشاعر السلبية أو المؤلمة خطوات أساسية في عملية التحول بمعنى اننا عندما نسمح لأنفسنا بالشعور بالألم دون الهروب منه، نصبح أكثر قدرة على تحويله إلى شيء منتج، عبر ادوارها المغايرة، هناك وجع يشبه العناق الأخير، يؤلمك لكنه يُبقيك حيًا بلذة الاشتياق، بمحاولة منها ان تزيل بعض الهموم التي ضاقت به صدورنا، هكذا هو الفن رسالة انسانية تهدف الى السمو بالانسان والرقي باحاسيسه تجاه الحب والخير والجمال، فنانة تأسر المشاهد، وتجعله يتماهى مع عويل الأمهات الحزين بسبب الفقدانات المتكررة، انها تبلسم الجراح، وتعيد للفن هيبته، صمتها يثير عند المتلقي شعوراً بالقلق والرعب يدفعه للتفكير في ما قد يحدث بعد ذلك، صمتها يذكي الاسئلة ويبلل عطشها بالأجوبة، انه أشبه بالكلام بصوت عالٍ، أما طريقة تعبيرها عن الحزن فأنها مغايرة تماما، تتعامل معه وكأنه رفيقها بدلا من مقاومته تعلمنا  كيف نتعايش معه بطريقة لا تستهلكنا، بل تمنحنا فهمًا أعمق لذواتنا وللحياة، تحوله الى طاقة تدفعها الى الاحتجاج والرفض وعدم الرضوخ للظلم، كذلك تعطينا درسا مهما في كيفية نسيانه في الحديث عنه مع شخص موثوق به لتفريغ المشاعر بطريقة صحية،

لها قدرة على تجسيد ادوار تساهم في حفظ الأحداث القابلة للنسيان في الذاكرة الجمعية، عبر إعادة إحياء شخصيات وأحداث مفصلية، وتفاصيل إنسانية مهددة بالانقراض، اي انها سجل وجداني بصري للألم والفرح والخسارة والانتصار، وفي ادوارها وادائها تخلد القضايا الحقيقية التي ستبقى في عقولنا ماحيينا.

 تمتلك القدرة على التعبير عن مشاعر الشخصية من خلال لغة الجسد، سواء عبر تعبيرات الوجه أو حركات الجسد، وهي تنقل الواقع ليس كما هو فقط، بل تعيد تشكيله برؤية أعمق، لتعيد تعريفنا للأشياء والقضايا التي شوهت بفعل السياسات الخاطئة و الكثير من التداعيات،

 وظيفة ومهمة القائمين على هذا العمل الذي حمل أسم (مسلسل العشرين) هو تعرية اعداء الإنسانية والحث على التصدي لشرورهم ومقاومتها، والاستفادة من تجاربها لترميم ماهدم، وحتى لا تعود تلك الممارسات الى مشهدنا المتصدع.

الاداء الاستثنائي الذي تتمتع به، يجمع بين التلقائية والحرفية العالية، والتعبيرية التي تنسيك انها تمثل، في ذات الوقت تبعث رسالة مفادها، ضرورة الاستفادة من التجارب المرة التي ألمت بنا، رسائل بمثابة منبه يذكرنا بكل وقت ان نقف بحزم الى كل من يدعو الى الكراهية والطائفية المقيتة، التي لا تنتج سوى القيامات الأرضية، التي تهلهل لها أحزاب السلطة،

المسلسل قام بتعرية كل خفافيش السلطة ناهيك عن وحوش وأسياد التطرف بكل اصنافهم.

هكذا تكون رسالة الفن وهكذا تكون وظيفة الوعي الفني الحقيقي الصادق، عندما يتم اختيار من يؤدي الدور باتقان بعيدا عن تأثيرات اولياء أمور الفن المبتذل،

هذا المسلسل كشف المخاطر المحدقة بالإنسان ومحاربة قوى البغي والعدوان، والذي يتمثل في محتل او جماعة سياسية تسلب حقوق الغير وتبسط هيمنتها وتعيث في الارض فسادا، لتحيلنا الى حقيقة ان المواقف الفذة المهددة بالنسيان، الفن هو الكفيل بتذكيرنا بها، ويبعث الروح في ثناياها،

مثل هذه الادوار، البعيدة كل البعد عن النفعية السلبية والتجارة الرخيصة بالفن، جعلتنا نحلم بان الحياة لازالت على قيد الاحلام في العيش بوطن حر كريم غير مستلب،

هنا لابد من الاشارة الى الأعمال النقيضة والتي للأسف تسيطر على المشهد الفني، من قبل اولياء أمور الفن حيتان الفساد واصحاب رؤوس الأموال، الذين يدخلون الى عالم الفن ويفرضون سطوتهم على المشهد برمته، والزامهم بأعمال تهمش القيمة الحقيقية الصادقة للفن، وخالية من أى رسالة موجهة الى المجتمع،  فكل رسائلهم غاياتها ربحية، ومنافع شخصية، فباعتقادهم انها تعلي من شأنهم وتحقق لهم غايات اخرى، فيوظفون أموالهم لإنتاج أعمال فنية مهينة ورخيصة وهابطة ومليئة بالاسفاف، يفسدون بها أذواقنا، ولا تمت هذه الأعمال الى الفن بصلة، وبالتالي ينتجون اعمالا تجارية لا اعمالا فنية تنتمي الى الفن الصادق، الذي يكون أداة قوية للتغيير الاجتماعي والسياسي، من خلال تسليط الضوء على قضايا مصيرية في المجتمع أو إبراز تجارب مهمة، وتشخيص الخراب الذي أصابها، مايمكن ان يعزز الوعي ويحفز العمل نحو التحسين والتغيير.

عرض مقالات: