مهدي محمد علي (1945 ــ 30 نوفمبر 2011) شاعر عراقي في غاية الاهمية، وكاتب وصحفي، لم ينصفه النقد والصحافة على الاطلاق باستثناءات قليلة جدا، غلب عليها الطابع الصحفي. ترك لنا العديد من الدواوين الشعرية منها رحيل 78، قطر الشذى، سماع منفرد، شمعة في قاع النهر، سر التفاحة، خطى العين، ضوء الجذور، إضافة إلى عدد لا يحصى من القصائد المنشورة وغير المنشورة، كما كتب نصا نثريا في غاية الجمال، عبارة عن قصيدة شعرية طويلة من أكثر من 300 صفحة بعنوان (البصرة جنة البستان).
الشاعر عبدالكريم كاصد في كتابه (متن ..هامش) الصادر في 2016 خصص فصلا عنوانه "طوفان المشاعر وبوصة الورق/ قراءة في ديوان رحيل عام 1978"، من صفحة 164 ــ 178، تناول فيها براعة الشاعر مهدي محمد علي في تشكيل نصوصه، وتعليقا على ما كُتب احتفاء بقصيدته (لقطات من مدينة تعانق النهر) المنشورة عام 1972، كتب: "لعل هذا التوجه لدى الشاعر مهدي محمد علي يفسر قدرة قصيدته على التوصيل، أي أن التوصيل لم يكن نابعا من رغبة الشاعر في طرح الأفكار، بل من طبيعة الموضوع ذاته الذي لم يعد مهارة او مشجبا لافكار، ولا فسحة شعرية تتسكع فيها القصيدة بلا اتجاه، وإنما أصبح نابعا من براعة الشاعر في تشكيل موضوعه، قبل أي شيء، وذلك لا يتأتى إلا لشاعر ذي مقدرة فنية واسعة تختفي وراء الموضوع، وليس فيه.."
كما ان الشاعر عبد الكريم كاصد اختار نصوصا شعرية من دواوين الشاعر الراحل، صدرت في مختارات عام 2016، كتب مقدمتها بعنوان” بساطة الشعر وصنعته الماهرة” تحدث فيها عن حياة مهدي، عن سيرته الشخصية والشعرية، عن طرافته وشجاعته في رحلة الجحيم التي خاضا غمارها معا أواخر عام 1978على ظهور الجمال فرارا من بطش الفاشية، عن عذابات المنفى وشظف العيش، وعن الشاعر الذي كرس حياته مخلصا للشعر.ِ
عرفت الشاعر مهدي محمد علي في البصرة، أواسط سبعينيات القرن العشرين، وكنت أراه مصادفة ماشيا على الشارع المحاذي لنهر العشار قادما من او عائدا إلى مدينة البصرة القديمة، حيث مسكن العائلة، متأبطا حزمة كتب وجرائد، بمظهره الهادئ المتأمل، تعلو محياه ابتسامة عفوية تشد اليه الانتباه، وبخطواته الواثقة المعبرة عن حبه للحياة، متفاعلا مع مدينته الحبيبة عمرانا وناسا.
تعرفت عليه بشكل وثيق في مدينة عدن عام 1979 في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك، وقد شاءت الظروف ان نعمل معاً في مؤسسة 14 اكتوبر للصحافة والنشر، وكان مهدي ضمن طاقم تحرير صحيفة الثوري الناطقة بلسان الحزب الاشتراكي اليمني، وكنا نسكن في بيت كبير جدا، مع جمع من الاصدقاء والرفاق، وصل عددنا ذات يوم ما يقرب من الـ 40 رفيقا. ان التواجد المتواصل عن قرب، والارتياح المتبادل خلق بيننا نوع من الألفة والثقة المتقابلة، وكان مهدي بثقافته وذكائه، بدفئه واتزانه، بتواضعه وأدبه الجم، قد فرض حضوره واحترامه المميزين لدى جمع الساكنين.
في مساءات عدن الساخنة المشبعة بالرطوبة، تتوق أجسادنا المعروقة إلى نسمة هواء تخفف عنا عناء الجو الخانق، نلوذ بالفناء المفتوح على شكل مجموعات صغيرة على مقاعد ومناضد خشبية صنعتها ايدينا، وفي أماسي نهاية الأسبوع يكون مهدي الشاعر والانسان محورا لجلساتنا، محدثا في الثقافة، وقارئا للشعر وسط إصغاء الحضور لتلك القصائد المحملة بالأخيلة وبتنوع الموضوعات، والباعثة على الحنين، حيث الوطن المفتقد، وحيث البساطة وعمق المعنى، ونبض الواقع المعقد بأحداثه اليومية المحملة بالدلالات الإنسانية من جهة، وإشكالياته وصراعاته المكتظة بحرقة الأسئلة من جهة أخرىِ.