ألتقيتُ الأستاذ الناقد باسم عبد الحميد مرتين، الأولى 1995 في بغداد- دار الشؤون الثقافية - كنتُ في صحبة أحبتي الأساتذة محمود عبد الوهاب ومجيد الموسوي وحسين عبد اللطيف – طيّب الله ثراهم- وكان اللقاء قصيرا، أيام مهرجان المربد، وفي مهرجان المربد 2019 التقيته في فندق (مناوي باشا) بادرتهما بالتحية هو والدكتور صادق التميمي

(*)

 قرأت للأستاذ الناقد باسم عبد الحميد حمودي  في البصرة 1975كتابه  النقدي القيّم (الوجه الثالث للمرآة) الصادر في 1973،وفي 1977 في قضاء الدبس، التابع لمحافظة كركوك ، قرأت ُكتابه النقدي(في القصة العراقية) وفي ناحية بدرة 14 كانون الأول 1980 اشتريت نسخة من كتابه النقدي الثالث (رحلة مع القصة القصيرة العراقية)

(*)

يشتمل كتاب (رحلة مع القصة العراقية) على أربعة فصول:

  • وصولاً إلى نظرية نقدية
  • التاريخ السياسي في الرواية العراقية
  • صورة الواقع الجمالي والاجتماعي الجديد في الرواية العراقية
  • رحلة مع القصة العراقية القصيرة

(*)

بعد مسح شامل للعلاقة بين الشكل والمضمون، يقترح الناقد حمودي التنضيد التالي لفهرسة التطور القصصي في العراق ( ونجد أن أفضل طريقة لتحديد هذا التتابع، أن نتلمس في الأحداث الرئيسة التي مرت بالقطر تأثيرها الحاسم في تغيير مجرى الثقافات والانتماءات الفكرية.كطريق لهذا التحديد، لذا فأننا نضع ما يلي :

  • فترة البدايات
  • الفترة الثانية
  • الفترة الثالثة
  • الفترة الرابعة
  • الفترة الخامسة

المؤرخ الأدبي في الناقد حمودي: قسّم الفترات الأدبية تقسيما سياسيا . إذن الأدب رد فعل أدبي على الفعل السياسي في العراق.. الفترة الثقافية الأولى محدداتها السياسية تبدأ (من إعلان الحرب العالمية  الأولى ودخول بعض شباب العراق مجاهدين في جيش الشريف حسين وبداية الولاء القلق للسيطرة العثمانية ... وطموحهم للاستقلال المشوب بالتحفظ إلى التطلع الواعي لأمل تحقيق الدولة العربية الواحدة../ 91) ثم قيام ثورة العشرين وفشلها في تحقيق ما سعت إليه، وكان رد الفعل قصصيا بقصتين طويلتين (مصير الضعفاء) و(جلال خالد)، أما الناقد عبد الإله أحمد فيطلق مصطلح رواية على أعمال  محمود أحمد السيد  (في سبيل الزواج) 1921 .. و(مصير الضعفاء) في 1922، و(جلال خالد) ومجموعة قصص قصيرة عنوانها(مصير النكبات) في 1922، ويرى  عبد الإله أحمد مؤثرية الاحتلال البريطاني على العراق(ازدياد معرفة العراقيين للرواية، بعد أن كثر الموجود منها في السوق العراقية بعد الحرب العالمية الأولى  /ص16/ في الأدب القصصي ونقده..)، في حين يجنّس الناقد حمودي روايات محمود أحمد السيد قصصا طويلة، ويذكر مجموعة قصص قصيرة للقاص عطاء أمين..

(*)

يخبرنا عبد الاله أحمد في كتابه (نشأة القصة وتطورها في العراق 1908- 1939) : لم تظهر القصة المتوفرة فيها شروط  القص إلا في 1930 من خلال أنور شاؤول في مجموعته (الحصاد الأول) وسبب تميزه القصصي معرفته باللغة الفرنسية التي من خلالها تطور وعيه القصصي..

(*)

يخبرنا الناقد حمودي أن الفترة الثانية بتوقيت معاهدة 1930 حتى قيام انقلاب بكر صدقي وحكمت سليمان عام 1936 وبتأييد من كتلة الأهالي وجماعة جعفر (أبو) التمن والحلقات الماركسية. يؤكد الناقد حمودي أن هذه الفترة سوف تمتد إلى 1941 وشباب هذه الحقبة امتلكوا وعيا أوربيا إصلاحيا وراديكاليا ممتزجا بالحركة الفابية عند جماعة الأهالي، وبالماركسية عند حسين الرحال وعوني بكر صدقي ويوسف متي وعبد الحق فاضل. ولا يخبرنا الناقد حمودي  كيفية  الربط بين حركة 1941 للضباط الأربعة والقصة الموباسانية  حين يقول: (وتستمر هذه الفترة في رأينا حتى قيام حركة 1941 وفشلها متواصلة إلى الخمسينات وخلالها انطلقت القصة الكلاسيكية الموباسانية في البداية على يد(عبد المجيد لطفي  وذو النون أيوب وعبد الوهاب الأمين وغيرهم بما يحملونه من رفض للواقع المعاش وبتأثير ثقافتهم المترجمة والمقروءة بلغة ثانية).. والناقد يعتبر الفترة الثالثة (هي الحاسمة والهامة في تاريخ ثقافات وكتابات الشعراء والقصاصين العراقيين، تبدأ في رأينا من بداية الانفراج الحاصل في 1946 أثر تشكيل وزارة توفيق السويدي واضطراره لاجازة الاحزاب ..) وكان الأجراء الحكومي يحاول محاكاة الديمقراطية الغربية وهي تنتصر على الفاشية في الحرب العالمية الثانية، لكن قبل هذا الانفراج، يخبرنا عبد الرزاق الحسني في تاريخ الوزارات/ ج/1 ص113 بالكلام التالي  حين أقر قانون الجمعيات في 2 تموز 1922 ظهرت العديد من الجمعيات والنوادي السياسية والثقافية والرياضية والمهنية في بغداد ومن أشهر هذه النوادي كان(نادي التضامن) الذي أصبح مثابة للفكر التقدمي في العراق، هنا تألق دور حسين الرحال  القيادي وتحلق حوله الشباب الذين يميلون للفكر الاشتراكي : حسين جميل .. زكي خيري. . عاصم فليح.. عزيز شريف.. عبد الفتاح إبراهيم.. عبد القادر إسماعيل ورشيد مطلك.. أما العلاقة بين الرحال ومحمود أحمد السيد فقد كانت فكرية أكثر منها فنية، وكلاهما يعشقان التطور والتقدم، ويبدو أن الرحال وهو يدفع السيد في طريق القصة، كان يرى أن السرد وسيلة فنية صالحة  لنقل الأفكار الجديدة، وقد كتب الرحال مقدمة ً للعمل الأدبي القصصي (في سبيل الزواج) الذي ألفه محمود أحمد السيد./ قيس إدريس جاسم الكاكائي/ حسين الرحال/ رائد الفكر الاشتراكي في العراق..

(*)

نعود إلى الانفراج من خلال توفيق السويدي في 1946 وبهذا الصدد يخبرنا الشاعر والكاتب سامي مهدي(.. في العراق فقد أتسمت المرحلة الممتدة من 1945 حتى عام 1958 بتحولات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، فعلى المستوى الاقتصادي كان النظام شبه الاقطاعي يؤول إلى التفسخ والانحلال، وكانت الشرائح البرجوازية والعمالية تنمو وتتقدم في حين بدأ المجتمع يتخلص من وطأة الظروف المعيشية التي سادت في أثناء الحرب، ويشهد تغيراً عميقاً في عاداته وتطلعاته/ 8/ المجلات العراقية الريادية ودورها في تحديث الأدب والفن/ 1945- 1958)كما يخبرنا سامي مهدي بخصوص المجلات الثقافية  فعلى الرغم من ظروف العسف كان المثقفون مستقلين وحزبين يستغلون فترات الحرية النسبية ويغامرون فيقدمون على إصدار المجلات، ومن ذلك الفترتان 1945- 1946- 1953- 1945 وعن هذه المجلات يقول مهدي(كانت فقيرة شكلا ومضمونا، فالمقالات التي تنشرها تفتقر إلى الجدة والعمق، والشعر فيها امتدادا ضعيف للشعر التقليدي أو أصداء باهتة للشعر المهجري أو الشعر الرومانسي في مصر ولبنان. والقصة تجد نموذجها المثالي في محمود تيمور من الكتّاب العرب وقصص جيخوف  وموبسان من الكتّاب الأجانب..) وعن الفترة الثالثة يرى الناقد حمودي سطوع الأسماء القصصية التالية : غائب طعمة فرمان ومهدي عيسى الصقر عبدالله نيازي وأحمد الصفار وبرزت اتجاهات القصة السايكولوجية على يد عبد الملك نوري وغانم الدباغ وفؤاد التكرلي ومحمد  روزنامجي

(*)

ينتقل الناقد باسم عبد الحميد حمود إلى الفترة الرابعة ويعتبر هذه الفترة تشكلت من تداخل (بين جيل الفترة الثالثة الذي عاش الحرب العالمية الثانية وأحداث ثورة مصر وتأميم القناة 1952- 1956 وبروز وتبلور فكرة القومية العربية كاتجاه سياسي تقدمي ثوري يدعو إلى خير الإنسان العربي، وبين الجيل الذي وعى مرحلة الفترة الثالثة) والفترة الرابعة كانت التعايش سلميا بين المدرسة الكلاسيكية  الوعظية المباشرة المتجسدة في كتابات جعفر الخليلي  وأيوب ولطفي ومدرسة البحث عن دخيلة النفس الإنسانية المتمردة المسحوقة ( الدباغ- التكرلي-  نوري- الصقر- فرمان- روزنامجي- نيازي../ 93) وبين المدرستين برزت الأسماء التالية في مجلة الأديب  والآداب اللبنانية وجرائد البلاد والشعب ومجلتي الفنون والسينما: جيان ويحيى جواد ونزار عباس وموفق خضر وأسعد محمد جعفر وباسم حمودي وخضير عبد الأمير وزيد الفلاحي وغازي العبادي ومنير عبد الأمير.. وعن هذه التشكيلات القصصية المتداخلة يخبرنا الروائي والمثقف الموسوعي  جبرا إبراهيم جبرا، في كتابه (شارع الأميرات) : كان ثمة فوران ثقافي يتصاعد في المدينة، تختلط فيه الأوراق، وتتخذ فيه الحماسات  مسارات سياسية واجتماعية مثيرة ودائبة الحركة، النساء الشابات تململن طلبا لحريتهن.. الشعراء والقصاصون يبغون خلق الأشكال الجديدة في كل ما يكتبون(ولم يكن من الصعب عليّ أن أري أن تيار التجديد اكتسب الكثير من دفعه وقوته من هذا التوافق بين الأدباء والفنانين على نحو لم يكن معروفا بهذا البروز أنئذ بين الأدباء في الأقطار العربية الأخرى../ 190/ جبرا إبراهيم جبرا/ شارع الأميرات/ ط1/ دار الآداب/ بيروت/ 2007).. وأصحاب الفكر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والفلسفي والتاريخي، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وكلهم لا يقلون شأنا ً عن رفاقهم من الأدباء والفنانين في زعزعة القديم والتبشير بحداثة ستغير الوطن العربي.

ومن  1953 إلى 1958 انتج القاص أدمون صبري تسع مجموعات قصص قصيرة وقصة طويلة، لا أدري لماذا النقّاد العراقيون يغمضون أعينهم عن نتاجات هذا القاص العراقي، بما فيهم الناقد باسم عبد الحميد حمودي/ ص462/ مؤلفات أدمون صبري حسب التسلسل الزمني/ فوزي كريم( أدمون صبري.. دراسة ومختارات/

(*)

الفترة الخامسة : يخبرنا الناقد أنها (تبدأ من حدث عظيم كتموز لتدخل الستينات مشدودة إلى تقاطع التيارات التقدمية بدلا من توازنها/ 93).. ما يقوله الناقد حول التقاطع  بين التيارات التقدمية لا خلاف عليه فكلامه هو الحق- الحقيقة. ويعترف به طالب شبيب في كتاب(من حوار المفاهيم إلى حوار الدم) الكتاب حوارات أجراها  المؤرخ كريم سعد مع شبيب لكن الناقد يختزل فترة ًعصيبة ً .. انتجت قصاصين وشعراء شكلوا (الروح الحية) و(الموجه الصاخبة) و(تهافت الستينيين) نعم هذه كتب شعراء ولكنها شهود عدل على إبداعات جديدة، صدرت بعد الثورة المغدورة  ثورة 14 تموز  وبهذا الخصوص يقول الشاعر فوزي كريم (الستينيون العراقيون حققوا هويتهم داخل حركة ثقافية استثنائية في مرحلة حكم العارفين، التي جاءت مثل هدأة صمت، بعد مرحلة البعث الانقلابية الدموية. لم تكن مرحلة إصلاحية، بل مرحلة فراغ، والسلطة فيها ليست كلية الحضور في حياة الفرد والمجتمع. هذه الهدأة منحت الستينيين فرصة الحركة والحياة بطلاقة غير معهودة../ 20)

(*)

عام 1967 في مدينة بعقوبة انطلقت جماعة(أسرة القصة) وهي جماعة مؤتلفة فيما بينها وغامرت في إصدار مجلة (القصة) وكان شعارها(فكر مفتوح لكل تجارب الأدب القصصي) والمجلة تصدر كل شهرين، وبأشراف سالم الزيدي  وسلمان البكري)، وقد  تجاوز صداها وتأرج عطرها في المدن العراقية، وقد أذاعت (صوت العرب) برنامجا خاصا عن مجلة (القصة)، فضلا عن إذاعة ال(بي بي سي) البريطانية قدمت تقريراً ثقافيا في الثمانينات من القرن المنصرم، بشهادة القاص سالم الزيدي. وكتابات تلك الفترة أطلق عليها: الموجة الجديدة.. أدب الاحتجاج.. الكتابة المضادة.. والكتابة الحرة.. واللاقصيدة ويؤكدون جماعة مجلة (القصة) (لم يظهر مصطلح جيل الستينات، إلا بعد سنوات من ذلك ضمن الكتابات النقدية، وغالباً من خصوم الحركة الجديدة التي أثرت روح الستينيات بوصفها عقدا متميزاً في تطور الوعي، ليس على المستوى العراقي والعربي إنما على المستوى العالمي) وعن جماعة مجلة (القصة) يذكر الروائي والناقد(سليمان البكري) : (كنا مجموعة من الشباب نلتقي في مقهى بعقوبي في نهاية الستينات فطرحتُ على الأصدقاء إصدار مجلة تعني بالأدب القصصي، فكان الإجماع على إصدارها متخصصة في القصة مع إصرار أن تكون باتجاه جديد وبجهود فردية للأدباء أنفسهم..) صدرت من هذه المجلة ثلاثة أعداد .. وقد توجست السلطة من مجلة (القصة)  وجماعة هذه المجلة : سالم الزيدي. سليمان البكري. حسين الجليلي. ياسين حسين. محسن الكيلاني. خالد الخشالي. ناجح صالح والأديب محمود العبطة الذي جاء قاضيا في بعقوبة.. صدر العدد الأول في1968 بمقدمة بقلم الأديب محمود العبطة والذين ساهموا قصصيا في الأعداد الثلاثة: سركون بولص. محمود جنداري. عبد الستار ناصر. سالم الزيدي. سليمان البكري. ياسين حسين. خالد الخشالي. هناء الخالدي. أمل عبود عباس. حسين الجليلي. على موسى. لطفية الدليمي. ومحي الدين زنكنة. سالمة صالح. حسب الله يحيى . فهد الأسدي. غسان كنفاني . وحسين القباني من سورية/ نقلا عن مقالة للدكتور فاضل التميمي في أحدى المواقع الثقافية

(*)

هذه الجماعات القصصية تميل دوما إلى النأي عن ما يعكر صفوها الحالم الشفيف للكتابة النوعية بعيداً  عن الشروط الرسمية. كل هذه الجماعات الأدبية المتمردة والرصينة للأسف لم يكن بمقدورها الاستمرار.. نعود إليها اليوم نراها مثل جزر ٍ في البحار.. كل هذه الجماعات لم تلعن الظلام. بل تحولت مصابيح ملونة  يشدنا الشوق إلينا

(*)

بعد أن ينتهي الناقد باسم عبد الحميد حمودي، من الفترة الأدبية الخامسة، يوصي (ينبغي التنبيه هنا إلى أن تتابع المراحل الزمنية بالشكل الذي أوردناه ينبغي ألا يؤخذ حرفياً بل بحدود الظاهرة السياسية والاجتماعية التغييرية التي صاحبته/ 94).. لا حظت قراءتي وكأن الأدب لا يمارس وظيفته الجمالية والاجتماعية إلاّ مسبوقا بفعل سياسي، وبهذه الحالة يصبح السرد القصصي محض رد فعل للفعل السياسي !!

(*)

في (تاريخ زقاق) كتاب القاص محمد خضير سينتج تقويما خاصا برؤيته  لتاريخ القصة القصيرة، ولهذا الكتاب القيّم : كرّست مقالة ً تفصيلية خاصة

(*)

يعود ثانية ً الناقد حمودي إلى المراحل الخمس ليأخذ منها عينات نصية. من الفترة الأولى يأخذ عينات من عطاء أمين ومحمود أحمد السيد.. ومن القاص يوسف متي، يتوقف عند قصة (سخرية الموت)، فيشخص تفوق متي على عطاء أمين بالاقتصاد الأسلوبي: (ابتعد متي عن الحشو الذي اشغل به عطاء أمين نفسه، وترك الاقتباسات المضافة إلى النص الذي كان من(محسنات) القصة القصيرة عند الآخرين، معتمداً على تطوير أسلوبه داخلياً وبشكل مستقل ومميز)..

(*)

شخصيا أرى أن فترة الأربعينات لم تتجاوز محمود أحمد السيد وعطاء أمين، وأصبحت القصص والروايات،  عند ذي النون أيوب وعبد المجيد لطفي وجعفر الخليل ليس كما يرى الناقد باسم حمودي( .. مرحلة مكملة لمرحلة السيد – أمين- متي) علماً أن متي توفقّ أسلوبيا على محمود السيد وأمين.. بشهادة الناقد حمودي.  وبالنسبة لي كقارئ نوعي أرى أن  جعفر الخليلي، يمكن اعتباره ما قبل مرحلة البدايات، استنادا ً لما يقوله الناقد عنه (الشكل عند الخليلي كان خامة، مشروع شكل لقصص اعتيادية فهو لا يتعب كثيرا في (صنع) الشكل ويرسله غير متكلف منه شيئا من مباهج الاداء الفني التكنيكي للقاص مميزاً في غرابة النموذج الاجتماعي الذي يقدمه وخصوصا في مقالاته الافتتاحية في صحيفة الهاتف..) ويضيف الناقد حمودي (أن مقدمات الخليلي الأولى للقصص أو تعليقاته في نهايتها تخرجها عن إطار القصة الموباسانية الشائعة آنذاك لتحولها إلى إطار الحكاية ذات التفصيلات المتشعبة والتدخلات المباشرة، لذا فأن أسلوبه غير المفيد لم يمكنه من تقديم أقصوصة مكتملة فنياً..) .. ويشخص الناقد التطور القصصي الأمثل في القاص والروائي عبد الحق فاضل( فهو يتمتع بمواصفات كاتب القصة القصيرة التقليدية الناجح في عدم حشوه العمل الابداعي بأوصاف زائدة بل يختصر ما أمكنه أحيانا..) في 1979 اقتنيت ُ نسخة ً من (الأعمال القصصية الكاملة) للقاص والروائي عبد الحق فاضل، منشورات وزارة الثقافة والإعلام- بغداد- ط1/ 1979 لمست قراءتي للمجموعة الكاملة أن قصص مجموعاته الثلاث وروايته (مجنونان) تصلح للمسرح. وحين تتنزه قراءتي بين والآخر في هذا المنجز السردي الجميل، أراه صالحاً للقراءة للآن ونصوص عبدالحق  أفضل من أغلب النصوص التي تنشر الآن..

(*)

يلتقط الناقد صورة ً معبرة ً عن معاناة غائب طعمة فرمان..(أثبت ُ هنا أن كاتب كلمات من هذا النوع في ذلك الوقت كان يضع حقيبة ملابسه الصغيرة في يده استعداداً للسجن أكثر مما يفكر في مواصلة الانتاج الأدبي..) يبدو أن غائب فرمان بعد (مولود آخر) وجد نفسه في الرواية وتحقق ذلك في (النخلة والجيران) في 1966 لكن روايته(القربان) كان الرمز طافحا فيها متجسداً في (المقهى) وفي الشخوص. ومقارنة بروايته ِ الأولى كانت (القربان ) أقل دفئا، ربما يكون السبب أن المؤلف في (النخلة والجيران) استعاد شخوصا عايشهم معايشة ًيومية ، وتألق فرمان تقنيا في(خمسة أصوات) والشخصية الرئيسة هي أزقة بغداد، واشتغل رواية(المخاض)  على تأزم (كريم داود) وموضوعة الرواية البحث عن بيت العائلة، وهنا يتجاور فرمان مع نجيب محفوظ في البحث: كريم يبحث عن عائلته، وفي(الطريق) رواية نجيب محفوظ : صابر يبحث عن أبيه.. ألا يتجاور نجيب محفوظ بدوره مع (البحث عن إله مجهول) رواية جون ستاينبك ؟وضياع البيت سببه كريم داود  فهو في غربته لم يكن على صلة في التراسل مع العائلة. أن مرض كريم داود هو (تثبيت السعادة) فذاكرة كريم لا تتوقع أية متغيرات في الأمكنة؟ في روايته الأخيرة(المركب) بذل فرمان جهداً عظيما لتجديد قدراته الإبداعية.. لكن قبل (المركب).. وبعد روايته (ظلال على النافذة) يتألق فرمان ثانية في (آلام السيد معروف) فثمة تجاور بين معروف وفرمان  في معاناتهما اليومية. والمؤلف هنا يشتغل على شخصية معروف فقط ويوليها كل الاهتمام  والآخرون محض هوامش.. ويقترض من خبرته في القصة القصيرة التي تشتغل على شخصية واحدة.. والشخصية الرئيسة في (آلام السيد معروف) هو مشهد غروب الشمس وحسب قراءتي ان هناك تراسلا ً مرآويا بين الغروب و غروب السيد معروف . وهنا الفرق بين فردية (كريم داود) و(السيد معروف).. كريم كان يبحث عن البيت، أما السيد معروف فكان في حالة تماه مع غروب الشمس.

(*)

الناقد باسم عبد الحميد حمودي 1937- 2024 – طيّب الله ثراه - ولِد في 30أيار وتوفيّ في 10 أيار.. بين الولادة والموت عشرين يوما من أيار وبين الولادة والموت 87()عاما كرّس الناقد معظمها للفعل الثقافي. وتنوعت مشاغله الثقافية بين التراث الشعبي والنقد الأدبي ومحاولات قصصية ورواية واحدة(الباشا وفيصل والزعيم) تبدأ الرواية في ص19 وتنتهي في ص94 وهذه الرواية القصيرة، تعيدني إلى نجيب محفوظ في(أمام العرش) وهو يتناول حكّام مصر، منذ الفراعنة إلى أنور السادات..

(*)

في كتبه النقدية ورحلاتهِ مع القصة يحق له أن يكون برئاستين  مؤرخا للقصة العراقية وناقداً لها.. وهو ماهرٌ في الصناعتين، الناقد الكبير وهو يكتب عن القصة الخمسينية، لا أعرف كيف لا يتذكر (القطار الصاعد إلى بغداد) قصة القاص الكبير محمود عبد الوهاب المكتوبة في 1953، وظهرت منشورة في مجلة الآداب اللبنانية في 1954،تلك القصة التي اشتهر محمود عبد الوهاب من خلالها ونال مكانة كبيرة وهو الشاب آنذاك  بين أساطين القصة:  عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي ومهدي عيسى الصقر..؟ وقبلها وتحديدا في 1951 وبشهادة محمود عبد الوهاب أن أول قصة له هي (خاتم ذهب صغير) ظهرت لي في صحيفة بغدادية عام 1951).. في 1968 نشر محمود عبد الوهاب قصته الحداثية (الشباك والساحة) مستفيداً من التبئير والمونتاج وغيرهما. لقد كانت رحلة الناقد حمودي مع القاص محمد خضير من أطول الرحلات فقد تناول الناقد حمودي مجموعتيه(المملكة السوداء) و(45 مئوي)من ص148 إلى ص161 وكان اشتغاله النقدي متأنيا ومتفننا فيما يقول

(*)

 في كتاب حمودي ،لم نجد ذكراً للقاص عبد الصمد خانقاه الذي صدرت في 1952 مجموعته القصصية(في الغاب) وفي الخمسينات كان خانقاه يحرر القسم العربي من جريدة (الشفق) في كركوك وعمل معه القاص أنور الغساني والروائي زهدي الداودي. وإن لم تخذلني ذاكرتي، أجرى الأديب مرشد الزبيدي حواراً مع عبد الصمد خانقاه وتكلم في عن ريادته في تقنية التداعي في قصصه، والحوار منشور في مجلة ألف باء، منتصف السبعينات . وكذلك لم يذكر الناقد  الجهود القصصية للقاص سركون بولص المنشورة في المجلات العراقية آنذاك. وفي 1978 صدرت مجموعة يحيى جواد(الرعب والرجال) ولم يرد حتى اسم القاص في كتاب الناقد وكذلك النتاج القصصي للقاصة لطفية الدليمي التي اطلقت ثلاث مجموعات قصصية (ممر لأحزان الرجال) 1970. البشارة 1975. التمثال 1977.. نقول ذلك ونثمّن الجهود النقدية الكبيرة المبذولة من قبل الناقد الكبير باسم عبد الحميد حمودي

عرض مقالات: