في 1971، على ذمة ذاكرتي، اشتريت كتابًا اسمه (السياب) لمؤلف اسمه عبد الجبار عباس.. وفي 1993 استعرت ُ الكتاب نفسه من صديقي الحميم مجيد الموسوي. زاد اعجابي بالكتاب وأعلنتُ عن ذلك لمجيد الموسوي، فرسم لي بلسانه صورة ًشافية ًلرجل يميل إلى القصر.. لا يتخلى عن معطفه الأسود في الشتاء، هادئ يميل إلى القليل من الكلام، فشعرت أن صاحبي الموسوي يلاقيه أحياناً في بغداد. وحين أصبح عبد الجبار عباس في ذمة الله، رثاه الشاعر مجيد الموسوي بحبر قلبه.
(*)
في منتصف سبعينات البصرة، في مكتبة الدار الوطنية، وكانت في المكان الذي كانت به سينما شط العرب، التقطت كفي اليمنى (مرايا على الطريق): كتاب نقدي جديد للناقد عبد الجبار عباس، فتعلّقتْ روحي بكتاباته النقدية، واستعنتُ بها في قراءتي الثانية للروايات والقصص والمجموعات الشعرية التي تناولها الناقد.
(*)
في قضاء بدرة في 21 / 5/ 1981 اشتريتُ كتابين (في النقد القصصي) عبد الجبار عباس/ منشورات وزارة الثقافة والإعلام/ 1980، و(جماليات المكان) غاستون باشلار ترجمة غالب هلسا.
(*)
في تموز 1982 اشتريت (مرايا جديدة) عبد الجبار عباس/ منشورات وزارة الثقافة والإعلام – الجمهورية العراقية/ 1981
(*)
في الوقت الذي كان فيه النقاد العراقيون يتحاشون الكتابة، في الغالب، عن إبداعات البصرة، كان الناقد عبد الجبار عباس، يتوقف ويتأمل عميقا في نتاجات أدباء البصرة: سميرة المانع في مجموعتها القصصية (الغناء).. محمد خضير (المملكة السوداء).. كاظم الأحمدي (هموم شجرة البمبر).. هذه العناوين في كتابه النقدي (في النقد القصصي). أما في كتابه (مرايا جديدة) فقد تناول (مقاطع من قصيدة الحياة اليومية) للشاعر كاظم نعمة التميمي.. (على الطرقات أرقب المارة) للشاعر حسين عبد اللطيف.. (دوامة الحب والكراهية) للقاصة ديزي الأمير. (تماس المدن) رواية المترجم والمثقف الموسوعي نجيب المانع. وهناك مقالة (في ذكرى رحيل بدر شاكر السياب) تكتسب هذه المقالة أهمية خاصة حول الجوهر الصافي الباقي من تجربة السياب.
(*)
ومن باب الحرص على مستقبل الثقافة العراقية؛ تناول الناقد عبد الجبار عباس بعض المفاصل الضرورية في انعاش الحراك الثقافي العراقي وتجسد ذلك في مقالاته التالية:
- ضمور النقد الأدبي المعاصر؟
- حوار حول شعر الستينات
- أدب الشباب
- سيناريو حوار الأجيال
- هل النقد في أزمة؟
- الواقعية هي البدء
- دفاعا عن الانطباعية
- اتجاهات الشعر العربي المعاصر
- تطور الشعر العربي الحديث في العراق
- النقد القصصي العراقي
- القصة والنقد بين المصطلح والإبداع
- أضواء على بحوث ملتقى القصة الأول
- خواطر في القصة
هذه العناوين لم يتعامل معها الناقد عبد الجبار عباس، بعجالة الصحفي.. بل بحفريات تجاربه المعرفية وبأدواته الحداثية المنبثقة من تجاربه العميقة مع المنجز الشعري والقصصي والروائي عراقيا وعربيا.
(*)
يقول الناقد عبد الجبار عباس عن المجموعة القصصية الأولى لأستاذي كاظم الأحمدي – طيّب الله ثراه- الكلام التالي: (تجسدت قدرات المؤلف في قصته الجيدة (هموم شجرة البمبر).. فلا ضجيج، ولا افتعال، بل ايقاع مأنوس تتكشف به الصورة شيئا فشيئا، وأسلوب يمتاز بالانسياق والمتانة والانسياب. هذا هو النزوع الأصيل إلى البسيط الهادئ إلى الترقيق القصصي الشفاف مما جعل القصة تتسع في موجات دائرية منبعثة من الرمز المركزي المنداح: شجرة البمبر.. وهيأ لها ذلك أن تضم أطراف حياة كاملة منسجمة، لم ينس المؤلف ما يتطلبه الحذق الفني من إبقاء جانب منها في منطقة الظل. سر جمال هذه القصة الجديدة – حقا لا اصطناعاً – هو هذا الاستقصاء الهادئ لوصف مشبع بإحساس فني مرهف لا يتعجل شيئا، لكنه لا يخطئ طريقه، حتى يتحقق الهدف كما ينبغي فتشف القصة عن (أبعاد هموم مبتلة بالذكريات) هموم جيلين أزاء الحياة المعطاء الراسخة كشجرة البمبر المنتظرة عودة الابن الجندي / 257/)
وعن سميرة المانع في (الغناء)، مجموعتها القصصية، يقول الناقد عبد الجبار عباس: (تجارب قصصية عذبة وضعتها في قصص متسمة بالحيوية والصدق والانسجام متجاوزة بذلك عقدة الكاتبة العربية اذ تكرس أدبها لموضوع الاستلاب والشكوى من عقدة الاستلاب، ٍهذا التقابل الدرامي بين حيوية الطالبات وتعلو أصواتهن بالغناء.. عناق الاحلام والاحباط تعرفها الكاتبة معرفة ومعايشة ونقد ذكي: تلك هي دراما قصص (الغناء) أحالتها الكاتبة حكايات حلوة مليئة بالتعاطف، ويبقى منها لسميرة المانع قدرة واضحة على أن تحيك منها بيسر لا يتاح لسوى أصابع الفنان الحساس، أقاصيص واقعية جميلة تنتمي دون ضجيج، إلى تراث قصصي كبير تعتز القصاصة بانتماء أقاصيصها إليه/ 266)
(*)
يتناول الناقد عبد الجبار عباس: (دوامة الحب والكراهية) للقاصة ديزي الأمير..( ديزي الأمير في مجموعتها لا تحتاج أن تنتحل تجربة أو أن تتخيلها، ففي القصص التسع نبض المعايشة الحارة وصدق الألم الإنساني والمقدرة على استثمار فتات الحياة اليومية لرسم تصور كلي ساخر ومفجع. وما حدث في لبنان تعطي رؤيتها الشاملة المكثفة عنه في قصتها الأولى(مسرحية أكسير الشباب) لتفرغ، من بعد لرصد لقطات متجانسة من حياتها اليومية في بيروت المشتعلة بنار الحرب..
(*)
ويقول الناقد عن نجيب المانع في روايته (تماس المدن): (..ربما يتهيب القارئ (التماس النقدي) مع عالم روائي بكر ترفده تجربة ثقافية غنية كتجربة نجيب المانع..) ويضيف الناقد أن القارئ سيدرك (كم كان المؤلف متواضعا وواضحاً، وكم كانت الرواية (واقعية) بالمعنى المألوف الشائع سوى أنها توسع حدود الرؤيا إلى أبعد مدى ممكن. إنّ المفاتيح الكثيرة التي نثرها المانع على عادة الروائيين المحترفين، والتي تناثرت بعفوية على ألسن الشخصيات تفتح الأبواب كلها في ضوء الشمس المشرقة أو الغاربة) وحول المعمار الفني للرواية يقول الناقد عبد الجبار عباس: (ومن مزايا الرواية أن الخبرات الادبية والمعرفة النافذة لحقائق الشخصيات وحقائق المجتمع كان لها الدور الحاسم في صياغة الشخصيات..).
(*)
يقول الناقد عباس عن الشاعر كاظم نعمة التميمي في ديوانه(مقاطع من قصيدة الحياة اليومية)..( الشاعر كاظم نعمة التميمي لا يحاول ( أن يكون عند حسن ظن السادة النقاد، أن يتقن اللعبة من ذيولها) فموقفه المتهكم من مطالب النقاد المتقلبة تحدده قصيدة( يا للشعر من مهنة شاقة). أنه رجل متواضع تنعكس دماثة خلقه على دماثة شعره. فهو شعر لا يزعم لنفسه التميز الضخم. لكنه يتنفس حياته في موقعه الحقيقي: صوت أليف بين أصوات أليفة أطلقها حب الوطن والغناء والتوجع من الخطايا. وقد يحاول الشاعر في قصيدته (العودة من الرحلة الثانية) أن يكون أكثر قربا من الحداثة الشعرية. أي من تكتم الموضوع وسرية الهاجس وفاعلية الموسيقى. لكن هذه المحاولة تبقى مشدودة إلى تراث الشاعر، وهو تراث حركة الشعر)
(*)
وعن ديوان (على الطرقات أرقب المارة) للشاعر حسين عبد اللطيف، يقول الناقد عبد الجبار عباس: (قصائد الشاعر حسين عبد اللطيف تؤكد أن استثمار تجديد الرواد، أو التأثر بمناهج التجدد المتبلور الناضجة في نشأة الجيل التالي). ويقول أيضا: (حسين عبد اللطيف شاعر حديث، لكنه متواضع صادق لا يزعم عن نفسه المزاعم، فهو وكما تدل قصيدة (أيها البحر يا راعيا يا صديقي).. قانع بالموت المريح دون الرحلة الشاقة في صديقه: البحر الكهل..) وحول تجربة القصيدة – الرؤيا، يقول الناقد عن الشاعر حسين عبد اللطيف: (نلمس في قصيدتي (طقوس) و(هبوط آدم) هذه النداءات الصوفية المبتهلة حين يستبد الاحساس بالقصور البشري والعجز عن بلوغ الكشف الرؤيوي أو الصوفي بدون المعرفة الالهية في الرحلة../ 56)
(*)
الكتاب النقدي (الحبكة المنغمة) الذي اشترك في كتابته شيخ النقاد العراقيين علي جواد الطاهر والقاص عائد خصباك عن الناقد عبد الجبار عباس، مكرساً عن المنجز النقدي الكبير الذي انتجه الناقد عبد الجبار عباس في مسيرته المعرفية المتنقلة بين الأدب العراقي والعربي، ويمكن تنضيد هذا الكتاب ضمن حقل نقد النقد.