طه حسين : مِن خلال شكري المبخوت و عبد الرزاق عيد
إلى(سرد الأعمى) أجمل مقالة قرأتها عن طه حسين. بقلم المترجم العراقي محمد درويش – طيّب الله ثراه – في مجلة (آفاق عربية)/ تسعينات القرن الماضي
18/4/ 2024
لي مقالة عن كل منهما، كتبتُ عن (الطلياني) رواية شكري المبخوت، ومقالتي منشورة في المواقع الثقافية في 11/ 10/ 2015 عنوان المقالة (الغرف كفهرس) وفي 22/ 3/ 2018.. ظهرت مقالتي (مساءلة اللحظة) عن كتاب المفكر عبد الرزاق عيد(هدم الهدم) نزهتي الآن مزدوجة تتنقل بين كتابين (سيرة الغائب سيرة الآتي/ السيرة الذاتية في كتاب الأيام لطه حسين/ دار رؤية/ للنشر والتوزيع/ القاهرة/ 2017) للروائي والكتاب شكري المبخوت، وكتاب(طه حسين رائد العقلانية الليبرالية العربية/ دار رؤية للنشر والتوزيع/ القاهرة/ 2008).. وستكون لي وقفات قصيرة مع كتب أخرى منها كتاب محمد الدسوقي (مع العميد في ذكراه/ بمناسبة مرور أربعين عاما على وفاة طه حسين 1973) و كتاب (مذكرات طه حسين) الصادر عن دار الآداب/ بيروت/ 1967 وكتاب(معك) لسوزان طه حسين وكتاب (في الثقافة المصرية) عبد العظيم أنيس / محمود أمين العالم.
(*)
الروائي المبخوت يكرّس فعله النقدي لكتاب واحد من عشرات الكتب التي ألفها المفكّر والأديب طه حسين، والمبخوت يعلل ذلك مع الصفحات الأولى بالأسباب التالية:
*مدار الحديث في هذا الكتاب على نص من أشهر نصوص الأدب العربي الحديث هو(الأيام) وقد وضعه طه حسين في وقت معلوم من تاريخ مصر الثقافي . بشهادة زوجة طه حسين (في الثلاثينات تم ترجمت كتاب(الأيام) إلى الفرنسية والألمانية والروسية والعبرية والانجليزية/ ص93 واليابانية في 1934/ ص 105/ كتاب (معك) سوزان طه حسين) وفي الحوار الذي أجراه الأديب محمد عبد الحليم عبدالله مع طه حسين في 1964 وصل كتاب(الأيام) ثمان وعشرون طبعة في مصر
*شهرة الكتاب وصاحبه لم يسايرها ما يليق به من دراسات تُفرد له شأنه في ذلك شأن عيون أدب العرب قديمه وحديثه
*المهم أنّ (الأيام) أمسى علامة زمنيّة في تاريخ الأدب العربي بل في تاريخ فن السرد لدى العرب.
(*)
كتاب (الأيام) جاء على مرحلتين وكلا المرحلتين جاءت الكتابة رد فعل جميل على فعل شرس ضد طه حسين وبشهادة طه حسين نفسه وهو يخبرنا بذلك (لعل أخص خصائص كتاب (الأيام) أنه كُتب للهرب من الحياة الواقعة. أنني كتبته هربا من الحياة الواقعة. كنت ُ حينئذ في فرنسا. وكنت ضائقا أشد الضيق بالحياة العقلية في مصر لأن أزمة كتاب(الشعر الجاهلي) المشهورة كانت قائمة ودخلت أزمته إلى البرلمان. كل هذا أصابني بضيق شديد وجعلني أفزع إلى الماضي. فأخذت إملاء الجزء الأول من الكتاب وأنا في الخارج وأنتهى العمل وانتهت إقامتي في فرنسا وعدت إلى وطني. ومن الغريب أني أمليتُ الجزء الثاني في فرنسا وأنا في أزمة كذلك. وكنت وقتئذ عميد كلية الآداب وحدث نزاع بيني وبين الحكومة بسبب كتاب لبرناردشو كان يدّرس في الكلية. رأت الحكومة فيه شيئا لا يرضيها وفوجئت بمظاهرة تعبر إلى حجرتي كانت مؤلفة من طلبة الحقوق، كلفوا بالهجوم عليّ. عندئذ رأيت لا مفر من الاستقالة، ثم سافرت إلى فرنسا فأمليت الجزء الثاني من كتاب الأيام/ من كتاب(بين جيلين) للقاص والروائي محمد عبد الحليم عبدالله/ دار مصر للطباعة/ 1964)
(*)
هنا نتوقف.. يبدو أن كتابة (الأيام) تشترط على طه حسين نقلتين: واحدة جغرافية والأخرى تاريخية ومن خلالهما يستقوي طه حسين على الراهن البشع، وفي الوقت يستعيد سعاداته الغزيرة الآفلة. وفي السياق نفسه يخاطب طه حسين سكرتيره الأخير الأستاذ الدكتور محمد الدسوقي(الجزء الأول من(الأيام) أمليته في ستة أيام والثاني أمليته في تسعة وقد نُشِر الجزء الأول في مجلة الهلال. ويرى محمد الدسوقي أن( مذكرات طه حسين) هي الجزء الثالث من الأيام. شخصيا كقارئ بخصوص (مذكرات طه حسين) أقول هذه المذكرات، عملية تدوير سرد كتاب (الأيام) أما الأجزاء الجديدة بصراحة فهي أقل وهجا من جزئيّ الأيام. وعن كتاب (على هامش السيرة) يخبرنا محمد الدسوقي نقلاً عن طه حسين الكلام التالي( وقد اعتمدت على الخيال في هذا الكتاب، إلاّ فيما يتعلق بالرسول عليه السلام/ ص33/ محمد الدسوقي) يقصد أن كلامه عن الرسول اعتمد على كتب الأقدمين. سؤالي هنا بخصوص (الخيال) ألا ينطبق هذا القول على كتاب الأيام؟ (طه حسين لا يعد كتاب(الأيام) قصة أدبية/ 33) بل هو (ترجمة ذاتية) ويرى طه حسين أن الهجوم السافر على كتابه(في الشعر الجاهلي) كان بأوامر الملك فؤاد
(*)
يقول المفكرّ عبد الرزاق عيد (لعله ليس من التسرع بالحكم القول بأن بداية التفاعل الأصيل بين الثقافي العربي المحلي والفكري الكوني العام، تمت من خلال المشروع الثقافي لطه حسين، وربما يكون كتابه(في الأدب الجاهلي) بداية البدايات الخلاقة في الاتصال بالفكر الغربي كمنظومة متكاملة، وليس اقتطافات وتضمنينات واستعارات/ 106/ طه حسين رائد العقلانية الليبرالية العربية) ما يقوله المفكر عيد لا خلاف عليه. لكنني كقارئ أرى في كتاب طه حسين ( مستقبل الثقافة في مصر) يشكل برنامجا ثقافيا مصريا، وكقارئ أيضا لا استطيع هضم مقولة طه حسين في هذا الكتاب (علينا أن نصبح أوربيين في كل شيء) أن هذا التماهي مع الآخر ضربا من المستحيل، اعترفَ بفشله المفكر زكي محمود نجيب .. بعد يقظته المتأخرة باعترافه هو صدرت له كتاباً بعنوان(تجديد الفكر العربي) ونحن لن نصبح مثلهم بل نكون متأوربين وليس أوربيين وسنكون الهامش فقد ذابت هويتنا في التماهي الأوروبي . هنا علينا التفريق بين مفهوميّ (التحديث) و(التغريب) المفهوم الأول يجعلنا في طريق إلى المستقبل أما التغريب فمحض قناع أجنبي. لكن كلمة (مستقبل) هي حقا للأمام بشهادة الناقد والمفكر والمترجم جورج طرابيشي (فلأول مرة في تاريخ الثقافة العربية، بل لأول مرة في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية يغدو المستقبل مفهوما مؤسسا، ويغدو مفهوم المستقبل معنياً لواقع المستقبل/ 39/ طرابيشي/ من النهضة إلى الردة/ دار الساقي/ بيروت/ ط1/ 2000) ومن جانبه يرى عبد الرزاق عيد أن طه حسين التقط بجهد معرفي عميق خلاصة الخلاصة التي ستكون ضرورية للواقع العربي (أن مشروع طه حسين لم يكن مشروع تحديث تقني أسلوبي فقط، بل كان مشروع تحديث للعقل العربي عموما) .. ترى قراءتي الشخصية أن مستقبل الثقافة العربية بين قوسيّ تصادم أصوليات العولمة ونقيضها من الأصوليات .ونحن الآن في لحظة المتغيرات المتسارعة التي تشترط علينا أن نتشكل من جديد في كل مستويات الوعي...(مستقبل الثقافة في مصر) يتجاور مع مفهوم(الثقافة الوطنية) الذي يعني مواجهة ثقافة الآخر بيقظة مسلّحة وصنّاع هذا المفهوم للثقافة مجموعات اجتماعية مأزومة أفرزت آليات رد الفعل العصابي للأنا القومية في توترها الدفاعي وهناك من يبرر ذلك قائلا(قد نقول أن هذا الوضع لم يكن منه مفر من حيث الظرف التاريخي../ 51/ جابر عصفور/ النقد الأدبي والهوية الثقافية/ كتاب دبي الثقافي/ فبراير/ 2009)
(*)
كيف يتم تجنيس كتاب (الأيام) هذه الكيفية هي مسؤولية النقاد وليس وظيفة المبدع
وكما قال المتنبي( أنام ملء جفوني عن شواردها - ويسهر الخلقُ جَرَاها ويختصمُ ).. النقاد كافة أشكل الأمر عليهم وصار كل همهم هو التجنيس الأدبي، يمكن الوصول إلى التجنيس بالعودة إلى المحاورة التي أجراها الأديب محمد عبدالحليم عبدالله مع الدكتور طه حسين، وقد اقتبسنا ما ينفعنا في مقالتنا هذه، أن كتاب (الأيام) سيرة ذاتية روائية
وفي قولنا جمعنا الجنسين : جنس الرواية وجنس السيرة الذاتية وفي الجنسين لا تغيب المخيلة أثناء السرد ولكن تتوفر بقدر معلوم، ولا يختلف معنا شكري المبخوت في ذلك
(قصة تكتب محكومة بذاكرة تنسى وتتوهم وتشوّه، ويعسر عليها في كل الحالات أن تحترم ترتيب الأحداث وتعاقبها (الواقعي)../ 106/ شكري المبخوت) وكذا الحال مع (بقايا صور) و(المستنقع) و(القطاف) ثلاثية حنّا مينه التي تناول فيها سيرتهُ. أن كتاب (الأيام) هو فعّل تذكر، يعتمد على الذات والموضوع. الذات تتذكر بالقدر الذي تقدر عليه والموضوع هو مجريات الماضي( لا يذكر لهذا اليوم اسماً ولا يستطيع أن يضعه حيث وضعه الله من الشهر والسنة بل لا يستطيع أن يذكر من هذا اليوم وقتا بعينيه وإنما يقرّب ذلك تقريبا) ما بين القوسين اقتبسه المبخوت من كتاب (الأيام) والمقبوس يجعلنا نرى أن الذاكرة تتخيل أكثر مما تتذكر. من جانب ثان يشخّص شكري المبخوت
الهندسة السردية لكتاب (الأيام) في قوله(طه حسين بنى كتابه على نظام المحاور الدلاليّة الجامعة وهي تفيض عن حدود الترتيب الزمني الذي تطلبه الأحداث لأن عماد المحور المعنى. ونضيف أن الفصول من الناحية الزمنية يشدّها خيط زمني يجعلها مرتبة حتما على الصورة التي رتبت بها في (الأيام) بصرف النظر عن ألوان التلاعب بالزمن داخل الفصل الواحد/ 111)... من جهة ثانية يشخّص المبخوت سيادة الأثنية اللونية (إن نصّ(الأيام) لا يعرف وسطاً بين هذين الجدولين: الجهل والعلم. فليس ثمة
تدرّج أو تلوّن وإنما هو فصل صارم وثنائية قاهرة تقول بأن الخير(العلم) مطلوب لذاته والشر(الجهل) مرغوب عن لذاته. وخير الأمور الانصراف الكليّ إلى طلب المعرفة والاستزادة حتى يندكّ صرح الجهل/ 193) ومن جانب ثان يؤكد المبخوت أن نص (الأيام) كتاب سيرة ذاتية من خلال ثنائية الوجه والقناع (الوجه استعارة للشخص الحقيقيّ الواقف وراء ستار الراوي يحرّك به القصة. إنه وجه طه حسين حيثما نولّ نجده محيلا على الواقع يشدّ النص إلى التاريخ، وهذا من مقومات السيرة الذاتية/ 210) . ترى قراءتنا أن الجملة الأولى لا تخلو من تردد وارتباك لدى كاتب السرد
فهي العتبة النصية التي تحرره من علم الوقائعي، وتنقله من عالم اللا نص إلى النص
هنا ينتقل طه حسين من الوجه إلى القناع وهذا القناع(استعارة لذلك الوجه المصنوع من الحبر والخيال والورق : وجه الراوي الذي ستر طه حسين وحجبه. استبد بالكلام وأخفى وجه خالقه بضمير الغائب. فشدّ النص إلى التخيّل والفنّ لأن السيرة الذاتية تتطلب انسجاماً قصصيا لا تيسره محاكاة الواقع والوقائع كما حدثت).. ضمير الغائب سنجده في كتاب طه حسين (جنة الشوك) وهو كتاب محاورات بين الطالب الفتى وأستاذه الشيخ وينتظم الكتاب عبر العناوين الفرعية . وضمير الغائب له السيادة في (مذكرات طه حسين) حيث تكون اللازمة التكرارية هكذا ( صاحبنا الفتى..).فاعلية الكتابة تنطلق من التاريخ الشخصي لطه حسين أعني تنطلق من الوجه قاصدة القناع المتجسدة بالسارد الذي سيزاوج بين الوثيقة والمخيلة عن قصد أو عن غير قصد المسافة بين الوجه والقناع ليست قصيرة فهي المسافة بين الصبي و الفتى وبين الكهل
والثلاثة هم طه حسين، ضمن الذاكرة المستعادة يكون فعل التذكر متضببا بسبب المسافة بين زمن الحدث وزمن كتابة الحدث وهناك أيضا المحذوف من النص بأمر من الكهل الذي (لن يذكر ما يدعو الإشفاق على البطل أو يغري بالضحك/ 212).. لكن مؤلف الأيام بقدراته الإبداعية وتجاربه في القراءات المتنوعة جعل من الوجه الحقيقي قناعاً فنيا رائعا كما قام بتذويب التاريخي في المخيلة القصصية. ولا خلاف على ما يقول شكري المبخوت( إن(الأيام) سيرة ذاتية واقعة في حيز فاصل بين الواقع المفترض والواقع المنجز قصصيا) نتوقف الآن مع (مذكرات طه حسين) الصادرة طبعتها الأولى دار الآداب/ بيروت/ شباط 1967 المذكرات بسعة 268 صفحة من الحجم الكبير ومن عشرين فصلاً. تبدأ المذكرات بالأزهر ثم الجامعة بعدها باريس وخاتمتها ثورة يوليو. ولم يكن طه حسين راضيا بخصوص توزيع المذكرات كفصول
. في (مذكرات طه حسين) السارد يستعمل فيها ضمير المخاطب ويصف الشخصية المحور بالفتى أو الصبي أو الأستاذ أو الدكتور ويلفظ السرد مرتين اسم(طه حسين ). في بعض عناوين الفصول يستعمل الضمير المتصل للمتكلم والعناوين هي: الفصل الثاني(كيف سقطتُ في امتحان العالمية). الفصل الخامس(أستاذي يدعو عليّ بالشقاء) الفصل السادس(أساتذتي) الفصل السابع( كيف تعلمتُ الفرنسية) الفصل الخامس عشر(المرأة التي أبصرتُ بعينيها) الفصل السابع عشر(يوم سقطت القنبلة على بيتي) الفصل التاسع عشر(رفضتُ أن أحضر مؤتمراُ للعميان)
(*)
في كتابها (معك) لم تسلك سوزان طه حسين، طريقة زوجها الأفقية في السرد. بل شطرت سردها إلى شطريّ الماضي والمستقبل.. تتناول سوزان حياتهما معا وتستعيده من غيابه في حينها ليشاطرها الأمكنة والأزمنة وهكذا رأيتني كقارئ أما أسلوب سيرة روائية بقلم سوزان طه حسن وكانت في منتهى السرد الروائي الجميل . والطبعة الأولى للكتاب كانت في 1977 والطبعة الثالثة عن دار هنداوي/ القاهرة/ 2017 والمترجم نفسه بدر الدين عردوكي ومراجعة المفكر محمود أمين العالم
(*)
يمكن ان نعتبر كتاب(الأيام) درسا أخلاقيا واجتماعيا يدرّبنا على صيرورة جديدة في التعامل مع الحياة، فعلا وكما يقول شكري المبخوت أن طه حسين (لم يتساءل على عادة كُتّاب السيرة الذاتية (مَن أكون؟) بل خاطب القارئ (مثلي يجب أن تكون)، ص226
(*)
المفكرّ عبد الرزاق عيد وهو يساهم في استعادة طه حسين يؤكد(عندما يقوم الماركسيون العرب، بإعادة قراءة طه حسين، فإنما هم يقومون بإعادة قراءة لمنهجهم ذاته في الفكر والسياسة والاجتماع، بدلالة قانون الوعي المطابق، وهم إذ يعيدون ترتيب علاقتهم بطه حسين ورعيله النهضوي التنويري العقلاني الديمقراطي، إنما هم يعيدون ترتيب العلاقة مع مجمل هذه القيم الجليلة التي ضاعت في زحمة الشعارات/ 25) وفي ص31 يقول المفكّر عبد الرزاق عيد (كانت بداية الحوار الاختلافي بين الماركسيين وطه حسين سنة 1955 تاريخ ظهور كتاب(في الثقافة المصرية) لمحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس، حيث ينظر إلى هذا الاختلاف اليوم من خلال تحميل الماركسيين مسؤوليته باعتبارهم لم يتعاملوا مع فكر طه بوصفه مشروعا تنويرا ينبغي أن يكون مشروعهم كما ورد في افتتاحية الكتاب (بمثابة تقديم) للصديق الراحل الأستاذ سعد الله ونوس).. الطبعة التي بين يديّ هي الطبعة الثالثة عن دار الثقافة الجديدة سنة 1989 مقدمة الكتاب بقلم حسين مروّة. تليها مقدمة جديدة بقلميّ محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس. لا وجود ل (بمثابة تقديم) للكاتب المسرحي سعدالله ونوس!!
أما ما كتبه العلاّمة الجليل حسين مروّة لا يعتبر مقدمة ً للكتاب بل دراسة تفصيلية لمشروع الناقدين العالم وأنيس. وأفضل رد على كلام الأستاذ المفكّر هو ما جاء في المقدمة التي تشاركا في كتابها محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس، وألتمس العذر من القارئ وأنا انقل له مقتبسا طويلا من مقدمة الكاتبين العالم وأنيس (ولهذا فعندما نسأل أنفسنا اليوم: ما هو موقفنا من هذا الكتاب؟ وما ذا نختلف اليوم معه؟ نقول ببساطة وبغير تعنت إننا ما زلنا نرى أن الجوهر الفكري المعرفي والمعرفي للكتاب ما زال صحيحا من الناحية النظرية العامة الخالصة فما تغيرت وجهة نظرنا في الدلالة الاجتماعية للعمل الأدبي وما تغيرت وجهة نظرنا في العلاقة العضوية البنيوية الديناميكية بين الصياغة والمضمون بين القيمة الإبداعية الجمالية والدلالية المعرفية والموقفية. إلا أننا في كثير من تطبيقاتنا كانت العناية بالأدلة الاجتماعية والوطنية للعمل الأدبي، تغلبت على العناية بالقيمة الجمالية. ولن نفسره هذا فقط، أو بالأحرى نبرره، بأن هذا حدث في لحظات كانت تحتدم فيها المعارك الوطنية والاجتماعية، وإنما نفسره في الحقيقة بعدم امتلاكنا للوسائل والآليات الاجرائية لتحديد وكشف العلاقة بين الصياغة والمضمون. لعل أثمن ما تعلمناه طوال هذه السنوات هو محاولة الخروج من الاحكام العامة وهذه القيمة أكثر دقة، وتعلمنا حاجة الناقد إلى يتعامل مع العمل الأدبي برحابة صدر أكبر وبعمق أكبر مما أسعفتنا به ترسانتنا النقدية في تلك السنوات في أيام الشباب وفي ظروف المد الوطني / 1989) أليس فيما نقلناه عن الناقدين العالم وأنيس فاعلية ايجابية من النقد الذاتي .. لقد هاج الوسط الثقافي المصري بعد هذا الكتاب وتوالت الهجومات والتهم اللا ثقافية ضد الناقدين وذلك مثبّت في المقدمة التي كتبها الناقدان في الطبعة الثالثة 1989 ونحن بدورنا نقتبس منها كلامنا هنا : (خرج أتهام الأستاذ عباس العقاد لنا عن حدود النقد الأدبي إلى حدود الادانة البوليسية بقوله في رده علينا( إنني لا أناقشهما وإنما أضبطهما.. أنهما شيوعيان)..
(نشر طه حسين ..(صورة الأدب ومادته) معبراً أن اللغة هي صورة الأدب وأن المعاني مادته.) وحين اختلفا العالم وأنيس مع طه حسين ونشرا ردهما وهما يفضلان الأدب صياغة ومضمون. فكان رد طه حسين مقالة يسخر فيها منهما وعنوانها(يوناني لا يقرأ).. وتوالت الهجومات عليهما لأن العالم وأنيس خطوة جديدة تتجاوز جماعة (الديوان) و(غربال) ميخائيل نعيمة.. خطوة جديدة لم يناقشها المختلف معهما ثقافيا بل سياسيا وبسبب كتابهما تم فصلهما من الجامعة : محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس
وهنا يكون اختلافنا مع الأستاذ المفكرّ عبد الرزاق عيد حين يقول(.. فإن كتاب(في الثقافة المصرية) ساجل طه حسين من موقع التعارض وليس من موقع التناقض/ 34) في الصدد اعترفا الناقدان بذلك وقد اقتبسنا مقتبسا طويلا من مقدمتهما للطبعة الثالثة) لكن الذي لا نتفق به مع الاستاذ المفكّر عيد، هو قوله التالي( وكان في تعارضه هذا قد ساهم في بعث الأهواء الايدلوجية والغوغائية الشعارية الشعبوية واعطاها دفعا وتبريرا ومشروعية، عندما أدرج الخطاب اليساري نفسه في صبوة حميا اللفظية الشعبوية .../ 24) ما بين القوسين صحيح لكن يخص الطرف الذي وقف ضد اكتاب (في الثقافة المصرية ) وقد ثبته الناقدان في مقدمة الطبعة الثالثة 1989..سؤالنا الاخير الذين وقفوا ضد الناقدين العالم وأنيس، هل ناصروا طه حسين وساندوا مشروعه التنويري؟ أم خذلوه ..؟ الجواب نجده عند عبدالرزاق عيد وهو يخبرنا :(في ندوة أخيرة له قبل وفاته بسنة، أجاب على تساؤل للكتاب والمفكرين المصرين يستفتيه رأيه في كتابتهم قائلا: إن قراءاتهم مسطحة، وما يكتبونه أكثر تسطيحا، ويضيف أنه لا يستثني من حكمه سوى محمود أمين العالم/ 117)..