قالها أحدهم، غريب أن يحتفي غير العراقيين بمبدعي العراق المغتربين خارج أسواره، بينما تتجاهلهم وزارة الثقافة والقائمون على مفاصلها التي من واجبها خلق جسور بين مثقفي الداخل والخارج باعتبارهم صوت العراق المعبر عن أوجاعه وآلامه وكذلك أفراحه وانتصاراته.

ففي أمسيتين متتاليتين في مكانين مميزين وسط روما تـمّ الاحتفاء بالشاعر العراقي عبد اللطيف السعدي ومؤلف قصة حياته في كتابه (غفوة على التيبر. لطيف السعدي قصة عراقية) الشاب الإيطالي ستيفانو نانّي- Stefano Nanni الذي صدر عن دار النشر (بورتو سيغورو- Porto seguro) في شهر تموز/ يوليو 2023.

الأمسية الأولى، التي عقدت يوم الرابع من شهر تشرين أول / اكتوبر الجاري، عبقت بالألوان والأزياء والإضاءة الجميلة في القاعة المخصصة لمشروع (-SA.MI.FO صحة المهاجرين المضطرين على الهجرة)، المعني بتقديم الرعاية الصحية، والنفسية والقانونية للاجئين وطالبي اللجوء والحماية الدولية والمهاجرين، بشكل عام. والذي يعمل فيه الشاعر كوسيط ثقافي منذ العام 2017.

إحتضنت القاعة عدداً كبيرا، من زملاء الشاعر وأصدقائه وأصدقاء المؤلف. تـمّ التقديم للكتاب الذي تناول قصة الشاعر الطويلة وأبرز محطات حياته الغنية بالتجارب والعِبر والتضحيات والإنجازات حتى استقراره في محطته الأخيرة روما، عاصمة الحضارة والتراث والحب والجمال.

كانت القلوب أقرب الى الأيدي في استقبال السعدي، ونظرات الإعجاب والفخر به أفصح من الكلمات في التعبير عن اعتزازهم بوجوده معهم، يعمل بجدّ وحرص وإخلاص، وفوق هذا يمتلك كل هذا التأريخ النضالي والكفاحي، لذا كان إصرار الـ(SA.MI.FO) على تنظيم هذا التقديم للكتاب الذي كان أقرب الى الراوية منه الى السيرة الذاتية بسرد روائي تأريخي، تناول مراحل تاريخية من التاريخ الحديث للعراق، ومراحل من كفاح الحزب الشيوعي العراقي.

تخلل التقديم قراءات شعرية مختارة من قصائده بالإيطالية والعربية قرأها الشاعر وصديقة له معبرين عن مضمونها ومعانيها بإحساس عميق وتفاعل كبير.

ثم جاء عرض الفلم الخاص عن حياة الشاعر، الذي شارك به مخرجه، الإيطالي، ماسّيميليانو زانين، وهو بعنوان (لطيف .. شاعر مكافح)، في مهرجان البندقية السينمائي في عام 2016 في مشروع لوزارة الثقافة الايطالية،Migr'art) - فن المهاجرين)، ليزيد من الإعجاب بالسعدي بعد أن تعرّف الحضور على زوايا أخرى من حياته تناولها الفلم بكثير من الواقعية.

انتهت الأمسية بالاتجاه سيراً على الإقدام الى اللوحة التي حملت قصيدة للشاعر كانت بلدية روما قد علقتها في العام 2000 مقابل قلعة سانت آنجلو الشهيرة، ومقابل نهر التيبر وسط روما، بعد فوزه بمسابقة شعرية. تلك القصيدة التي عاش فيها الشاعر لحظات القرب من العراق بكل ما فيه من حضارة وآثار ومزارات ليقابلها بالمشاهد التأريخية في "روما العاشقة"، فقبة الفاتيكان تذكره بقباب النجف اللامعة ونهر التيبر يشبه الفرات بهدوئه وجريانه مرتفعاً.

فيما كان (كاسيتا روسّا - cassetta rossa) المكان الذي يرتاده الكثير من المثقفين، وأبناء المنطقة التاريخية في روما، وهي منطقة تضم عدداً كبيراً من اليسار الإيطالي، هو مكان الأمسية الثانية التي حضرها أصدقاء الشاعر والمؤلف، فضلاً عن ممثلة دار النشر التي تبنت طبع الكتاب ونشره، وفرانشيسكا المديرة المسؤولة عن تنظيم الفعاليات فيه والتي قدمت فقرات الأمسية باحترافية عالية. وعقدت هذه الأمسية في الخامس من الشهر ذاته.

تخلل الأمسيتين توقيع مؤلف الكتاب وبطل روايته على نسخ الكتاب الذي تهافت الحضور على اقتنائها، فضلاً عن نسخ من كتاب الشاعر (أعماق حياة Profondo di uan vita) الذي تـمّ طبعه ونشره في 2022 .

هذا وكانت مجلة (il Venerdi)، التي تصدر عن صحيفة لا ريبوبليكا، اليومية المشهورة في ايطاليا، وفي عددها ليوم الجمعة المصادف 29. أيلول/ سبتمبر الماضي، قد نشرت مقالاً عن الكتاب ومؤلفه ونبذة مختصرة عن الشاعر في العمود الأسبوعي للصحفية المعروفة أنتونيلّا دوراتا، التي حضرت الأمسية الأولى مبدية اهتماماً كبيراً بهذا الحدث.

 روما 07. 10 . 2023