عن دار الكوثر للطباعة والتصميم،صدر كتاب للفنان والنصير صباح المندلاوي تحت عنوان (تعال معي الى قنديل). ويقع الكتاب في 300 صفحة مع الصور ومجموعة من عناوين الأحداث والأماكن التي تمثل، وكما وصفها المؤلف، صفحات تستلهم الواقع اليومي للانصار وتتداخل مع تطلعاتهم وتتوقف عند سيرة الذات والمكان ومن هم حوله (ص 12).
يقول الكاتب عدنان حسين في مقدمته للكتاب، (الكتاب عموما يتصدى لمرحلة حركة الانصار الشيوعيين المسلحة في كردستان والتي قادها الحزب الشيوعي العراقي ويوثق لها مستندا ًعلى معايشته ومكابدته الشخصية مع مئات الانصار) ص 13. فيما يشير الناشر الى أن الكتاب (هو خلاصة لسنوات الجمر والايام الدامية ترويها ذاكرة انصارية مازالت متوهجة ..انصاري عاش المحنة بكل تفاصيلها في النضال ضد الدكتاتورية وقوى الغدر...لغة جريئة قادرة على اماطة اللثام عن سيناريو الدم الذي دار في قلب قنديل النازف ..قرية بشتاشان).
من عنوان الكتاب، لابد من معرفة ان قنديل هو اسم جبل يقع في اقصى شمال محافظة اربيل، بقمم عالية، تكسوه الثلوج دائماً، وتوجد في وديانه قرية صغيرة تسمى بشت آشان، اتخذها الحزب الشيوعي مقراً لأنصاره ربيع 1982. يقول المناضل قادر رشيد في كتابه (بشتاشان بين الالام والصمت) عن هذه القرية (بشتاشان قرية جميلة ذات منظر خلاب، منحتها الطبيعة كل ما في الجمال من معنى. وتقع القرية وسط سلسلة عالية من الجبال الوعرة والمسالك وهي ترقد على سفح جبل قنديل. ويخترق القرية نهر ذو مياه عذبة ينساب من جبل قنديل بين الاشجار الكثيفة، ويجري في وادي شاروشين.القرية واقعة على الحدود الايرانية حيث قام النظام البعثي في صيف 1975 بترحيل سكان القرية الى مجمع جوار قورنه القسري).
يستهل الكاتب مؤلفه بمقولة للمناضل تشي جيفارا (لكل الناس وطن يعيشون فيه الا نحن فلنا وطن يعيش فينا)، وبأبيات شعر من شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري (سينهض من صميم اليأس جيل ...مريدُ اليأس جبار عنيد)، قبل أن يهدي الكتاب الى كل من قدم حياته من اجل الحرية والكرامة والذين دافعوا عن احلام العراقيين من الثوار في انتفاضة تشرين او غيرها من الاحتجاجات وكل المدافعين عن الوطن العزيز.
برغم ان الكتاب هو تجربة شخصية للكاتب، الا انه يتحدث عن مرحلة مهمة من تاريخ العراق المعاصر،وبالذات من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، حيث يشكل ادانة واضحة للنظام الدكتاتوري في ملاحقته ابناء وبنات شعبنا من الوطنيين والتقدميين ومن اعضاء الحزب الشيوعي، الذي اضطرتهم هذه الملاحقات الى التخفي، وثم المغادرة خارج بلدهم الذي عاشوا اجمل سنوات عمرهم فيه.
يستعرض الكاتب كيف تعاملوا معه عندما كان موظفا في وزارة الشباب، فتم نقله الى منطقة نائية في حصيبة للعمل في مركز شباب القائم، وبتوقيع من وزير الشباب كريم الملا، لانه قدم مسرحية (تعال معي الى شيلي)، والتي تتحدث عن ظروف شيلي بعد انقلاب بينوشت الدكتاتوري عام 1973 ، والذي أدى الى قتل وسجن الالاف من الديمقراطيين والوطنيين. وينتقل الكاتب الى ظروف هروبه خريف العام 1978 والذي كان اقرب الى الصيف الساخن، تهديدات، اجواء متوترة مشحونة، انباء مقلقة، خوف ورعب وهلع، اشاعات مغرضة، دعايات كاذبة، إختفاء البهجة والفرح من الشوارع، هجرة الكثير الى الخارج هربا من بطش النظام الدكتاتوري (ص 15).وكما يسترسل الكاتب فى كيفية الهروب مع صديقه الفنان اسماعيل خليل ووداع العاصمة بغداد التي احبها وعاش بين دهاليز درابينها (في الساعات الاخيرة تجولنا كثيرا في شوارع بغداد،كنا نتأمل البنايات والساحات والجسور، كأننا سياح في هذا البلد لكننا نشعر بالغربة فيه...وداعا يا اصدقائي في المحلات الشعبية ، ابو سفين وقنبر علي وساحة النهضة ومقهى الجباة ومقهى فهد وشارع الكفاح) ص22، -23. ويسرد انتقاله الى عاصمة بلغاريا، مدينة صوفيا الجميلة التي احتضنت الشيوعيين العراقيين، ويصف فيها المندلاوي اجواء العلاقات بين رفاق الحزب (..عشنا الايام التي لن تمحى من الذاكرة مابين مواصلة النضال بروح جماعية في الخارج وما بين التعايش مثل الجسد الواحد والروح الواحدة ..ورغم الغربة واللوعة كان هناك الامل في مواصلة الحياة دون الرضوخ للزمرة الطاغية في بغداد. كان الحزب يعني البيت والرفيق، هو الاخ او الاب والرفيقات هن الاخوات والامهات ..صورة مشرقة للشيوعيين العراقيين رسمناها في صوفيا).
وينتقل المؤلف الى اليمن الديمقراطية، حيث كانت الدولة بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني التي آوت المئات من الشيوعيين تضامنا معهم، وكانت للحكومة اليمنية مواقف متميزة في دعم الحزب الشيوعي العراقي من خلال التوظيف والتعين واعطاءهم الادوار المهمة في وزارة الثقافة. وبالمقابل كانت كما يقول الكاتب فرصة جديدة لنقل تجاربهم وخبرتهم ومهاراتهم في شتى الاختصاصات الى الشعب اليمني الشقيق. ويشير الكاتب الى اسوأ حدث في اليمن، عندما قامت السلطات البعثية باجهزتها القمعية ومخابراتها بقتل البروفسور توفيق رشدي في 30 حزيران 1979 حيث جاء ثلاثة اشخاص من السفارة العراقية يطلبون من البروفسور التوقيع على وثيقة، وحين رفض ذلك انهالوا عليه بالرصاص فسقط مضرجا بدمه. وفيما بعد اصبحت مشكلة كبيرة بين اليمن الديمقراطية وحكومة العراق، لان الاغتيال شكل انتهاكاً للقانون والاعراف الدولية. وكانت الحصيلة القاء القبض على المجرمين وهم القنصل عبد الرضا سعيد وموظف في السفارة يدعى سمير بشير وحارس السفارة الذين اعترفوا بجريمتهم. وادى المشكلة الى قطع العلاقات بين البلدين وقطع المعونات المالية عن اليمن الديمقراطية.
وبحكم اهتمامات المندلاوي بالفن ومنها المسرح (فهو خريج اكاديمية الفنون الجميلة في جامعة بغداد، وله مؤلفات مسرحية عديدة) يتطرق في كتابه عن فرقة الطريق المسرحية التي كانت تضم الكثير من الفنانين المعروفين وكان يكتب المسرحيات التي قدمتها اثناء تواجدهم هناك والتي نالت اعجاب الجمهور اليمني والعراقي.
وينتقل الكتاب الى التجربة الانصارية، فيتحدث كيف وصل المؤلف الى اول قاعدة لأنصار الحزب الشيوعي العراقي، وفي ظروف غاية في الصعوبة من خلال النوم في العراء والبرد القارص وعبور النهر البارد والجارف، حتى يصل مع المجموعة الى مقر بسيط هو عبارة عن كهف (شكفته) سميت بأسم النصير ابو حربي.
بعدها يصف الاوضاع المعيشية في مقرات الانصار وحياتهم من ملبس ومأكل وحراسات ولقاءاته مع رفاقه القدماء الذن تعرف عليهم في حياتهم. ويشير الى الشخصيات التي كان يسمع بها منهم النصير مسؤول قاعدة بهدينان توما توماس (ابو جوزيف)، وبطل العمل السري سليم اسماعيل (ابو يوسف) الذي هرب من نقرة السلمان في اعوام الستينيات. ولم يبتعد كثيرا حيث يذكر النصير الاسطوري العامل حاتم محمد نمش (ابو كًرٍيم ) الذي استشهد في 9 تشرين الثاني عام 1987 في الذكرى السبعين لثورة اكتوبر اثناء معركة احتلال مطار بامرني وبعد ثلاثة ايام منها متأثرا بجراحه.
و يذّكر الكاتب ببطولة النصيرات وشجاعتهن في مقاومة الظروف الصعبة وحاجات المراة لها ومنهن فكتوريا يلدا (ام عصام) والتي كانت من اوائل الملتحقات بالعمل الانصاري في قاعدة بهدينان، ولها دور كبير في دعم النصيرات ومشاركتهن الاعمال الادارية والعسكرية والطبية، وكذلك النصيرة منال عبد الاحد (ام امجد) التي يعود لها الفضل في فتح صف دراسي للاطفال لتعلم الرياضة والحساب والموسيقى والغناء في مقر الفوج الاول (مرانه) التابع لمحافظة دهوك، وهناك مواقف واشادة منه بالنصيرات ليلى رش في الطبابة وعشتار كونها امر مدفعية في بشتاشان.
يتحدث عن انتقاله الى الاعلام المركزي بمعية رفيقه الفنان فاروق صبري، حيث تم استدعاهم برسالة من قيادة الحزب للعمل في الاذاعة المركزية، لانهما خريجا اكاديمية الفنون الجميلة، قسم المسرح (ص101).
يسترجع المندلاوي ايام الطفولة والشباب حين يلتقي صديقه وابن منطقته النصير عدنان حسين الربيعي (أبو قحطان) ويتطرق الى مشاركته اياه في تقديم الكثير من النشاطات الثقافية من مسرح ونشرة جدارية وغير ذلك قائلاً (انا وصديقي عدنان كنا نزعج رجال الامن بطريقة مبطنة ففي كل مساء نلتقي في مقهى (علي حلو) في منطقة سرتبه مقابل الحسينية ويتجمع حولنا عدد من الاصدقاء والرفاق.. كنت يومها مسؤولا عن اتحاد الشبيبه الديمقراطي العراقي في مندلي فتدور الأحاديث ما بين السياسة والادب والثقافة. كانت سعادتي لاتوصف بلقائه في قاعدة هيركي ومرافقته الى قاعدة كوستا لنلتقي بكوكبة من الانصار الشجعان (مام خضر روسي وابو شذى وابو احرار وابو ميلاد وابو خلود ود. شميران والشهيد ابو سحر). والنصير الاخير كما يصفه المندلاوي ذو مداعبات واريحية وتعليقات مرحة تبدد الجفاف والقسوة وتزرع الالفة والمودة والمحبة. كان من اهالي الديوانية، قامة شيوعية شامخة ونموذج ثوري يتحدى الصعاب. استشهد في الثالث من ايار عام 1983 اثناء هجوم الاتحاد الوطني الكردستاني على مقرات الحزب الشيوعي العراقي في بشتاشان.
يتحدث صباح (ابو النور، وهو إسمه الأنصاري)، عن شجاعة النصير علي كلاشنكوف الذي قاد المفرزة عند ذهابهم الى مقر القيادة من قاعدة هيركي فيقول (في الساعة الثانية الا ربعا ليلا وصلنا الى بستان فيه نقطة حراسة للحكومة العراقية. كان احد العسكريين يستمع الى المذياع على بعد امتار منا ..هل هذه نقطة حراسة ..ربما هنا العسكري لايخطر على باله ان يمر الانصار من هنا ..وهو نادرا مايتم اللجوء الى هذا الطريق. ترى ماذا يستمع هذا العسكري عبر المذياع؟ ربما الى اغنية تسافر به الى عائلته او امه او زوجته او حبيبته.الدليل علي كلاشنكوف هذا النصير البطل الشجاع قال لنا، انا ساسحب الاقسام من بندقيتي واكون وجها لوجه ودون ان يراني..ساقلد صوت طائر القبج، وبهذه الطريقة كما يصفها المؤلف عبرنا 10 انصار بسلام من امام الربيئة. وبعد سنوات اي في عام 1986 تسقط حجرة كبيرة على راس هذا النصير البطل بعد سقوط مطر غزيز على المنطقة وتحرك الصخرة وتتسبب في مقتله وجرح نصير اخر.
ويتحدث باسهاب عن فصيل الاعلام وعن رفاقه الانصار من الكتاب والصحفيين فيقول (في هذا الجبل وفي فصيل الاعلام والاذاعة تعرفت على الشاعر عواد ناصر (ابو سلام) والكاتب المسرحي لطيف حسن (ابو واثق) ومحمد حسين الشرقي (ابو جاسم) كمذيع، اما القسم الكردي فقد ضم من الكتاب والاعلاميين، الكاتب حمه رشيد نجل نوري شاويس، الشاعر دلزار ، ابو دلشاد والشاعر رفيق صابر، الشاعر هاشم كوجاني- شاخوان والكاتب رنجاو)، وانيطت قيادة الاعلام المركزي بما فيها الاذاعة الى الرفيق مهدي عبد الكريم (ابو العباس) عضو اللجنة المركزية، ويساعده الرفيق عبد الوهاب طاهر (ابو رجاء ). وللأسف يتوفى الرفيق ابو العباس بالسكتة القلبية، يوم 18/3/1985 في قرية خاستو (دراو العليا) حيث مقر المكتب السياسي للحزب والمكتب العسكري لحركة الانصار، ويقوم الرفيق المندلاوي والرفيق ابو تارا (صوفي ابراهيم) عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الكردستاني حالياُ، بغسله في الحمام، ويصنعون تابوتا من صناديق العتاد الخشبية، وهي سابقة غير مألوفة. (كانت الثلوج تغطي الاراضي والاقدام تغوص في الثلج ونحن نحمل نعشه الى حيث وري الثرى...فيما قرأ مؤذن القرية ملا هادي مراسيم دفن الجنازة)، ص 128.
ثم يتطرق المندلاوي في كتابه الى لقاءاته بالكوادر الاعلامية والقيادية في الاعلام المركزي (في اب 1982 يلتحق الرفيق مفيد الجزائري (ابو نيسان) بالكادر الاعلامي ويؤدي دوره المتميز كاعلامي وصحفي في رفد برامج الاذاعة بالكثير، وكذلك الرفيقين رضا الظاهر (ابو نادية) ويحيى علوان (ابو عليا). .. اما الرفيق كاظم حبيب (ابو سامر) عضو المكتب السياسي للحزب الذي تولى مسؤولية الاعلام المركزي بعد سفر الرفيق عبد الرزاق الصافي الى الخارج لغرض العلاج، فقد كان من النشاط والحيوية والفاعلية قياسا الى ماسبقوه، فهو يكتب وينشر).
في كتابه لاينسى النصير (ابو النور) معركة بشتاشان في الاول من ايار1983 فيتحدث عنها وهو الذي عاش تفاصيلها المؤلمة (في العاشرة صباحا نسمع هدير طائرة هليكوبتر تحوم في الجو على مبعدة من مقراتنا في .بشتاشان، هل ستظل هذه الطائرة على مبعدة .. ام ستقترب منا ونكون هدفاً لنيرانها). ويتحدث عن تفاصيل حديث الفصائل حول هذا الهجوم الذي قام به الاتحاد الوطني الكردستاني على مقر الحزب الشيوعي العراقي (الرصاص يتطاير هنا وهناك..هاهي المعركة قد اندلعت ولا بد من المواجهة وتنظيم الانسحاب..عندها قررت القيادة في هذا الموقع تفخيخ المقر لايقاع الخسائر بالمهاجمين الباحثين عن الغنائم وماشاكل..ودون ان تعرف هويتهم ،هل هم من حزب حليف، ام من ازلام السلطة، تقودهم رغباتهم واطماعهم في الحصول على مايتركه المنسحبون من سلاح او عتاد او اموال او اية اشياء ثمينة يمكن الاستفادة منها)، ص 191. تفاصيل كثيرة عن احداث بشتاشان وقائمة بأسماء الشهداء الذين يقارب عددهم سبعين نصيراً ونصيرة وهم من ذوي الاختصاصات المختلفة الادبية والعلمية. ويتساءل الكاتب (هل من الممكن ان يسمي القتلة هذه المجزرة نصراً في معركة؟ وهل يمكن لهذه الدماء التي سالت ان تُنسى؟ اليس الاعتذار من قبل الجهة المهاجمة امراً ضروريا؟) ص 202).
ويستطرق حول ردة الفعل في معركة بشتاشان الثانية في ايلول 1983 فيقول (لم تكن معركة بشتاشان الثانية التي دارت في ايلول 1983 قد تم التخطيط لها بشكل تعبوي مدروس ولم يكن بالامكان تجاوز اثار الضربة الاولى معنويا وماديا، فقد جاءت النتائج مخيبة للآمال ولم يكن التنسيق والتفاهم بين الاحزاب الكردية المهاجمة على مقرات الاتحاد الوطني بمستوى النجاح والانتصار، وتبقى الاسئلة تدوي بصوت عال، من يتحمل مسؤولية دماء اولئك الشهداء في مجزرتي بشتاشان الاولى والثانية؟).
بعد هذه المعركة تنتقل قوات الحزب الشيوعي الى موقع اخر يطلق عليه لولان وتبنى مقرات جديدة. ويصف الكاتب تجاوز الشيوعيين المصاعب برغم الجراح التي مرت عليهم وعلى حزبهم طيلة هذه السنوات منذ تأسيسه عام 1934 (الشيوعيون بطبعهم لا يملون من العمل، لقد محو من قاموس اللغة مفردات الكسل والاتكال والتواني، الفوا التآصر وروح الجماعة، الفرد للكل والكل للفرد. لقد ذابوا في العلاقة الرفاقية الودودة وحب الوطن،عشقوا الشهادة مثلما عشقوا الحياة،اعلنوا رفضهم للديكتاتورية والظلم والطائفية والفساد)، ص 222.
ويصف الفنان المندلاوي آهاته وحياته وعواطفه الجياشة، حين يتذكر تلك الخطيبة التي تركها في مدينته، حين سمع من شقيقة احد الانصار، التي وصلت الى الاراضي المحررة للقاء اخيها كاروان بأنها إنتظرته لسنوات وعلمت بأنه سافر الى اوربا وتركها لوحدها فتزوجت من غيره، (عصف بي طوفان من الحزن واللوعة لم يلفت انتباه جليسي، رحت استرجع شريط الانتظار الطويل ..التي احملها ..كنت مثل الطبيب الذي يداوي جرحه بنفسه بعد ان رن السؤال بذهني، وهل كنت تريد منها الانتظار بعد حفنة السنين هذه؟)، ويستطرد فيقول (رغم مرارة وقسوة الخبر كان يتوجب علي اجتياز المحنة واسدال الستار على نهايتها الحزينة..كان عليٍ ان استمد القوة كي ابقى صلبا مثل الكثير ممن واجه قصص العذاب في هذه الحياة) ص 243.
وقبل ان يختم المندلاوي كتابه يطرح أسئلة مهمة ومحقة، عمن ينصف الانصار؟ فكل الشعوب تفتخر بشهدائها،تكبر فيهم التضحية والموقف، لتبقى الذكرى تنير الدرب للاخرين ..منذ عقود والشريان الشيوعي العراقي يهب الدم ليمنح المثل الاعلى في الصمود دفاعا عن الموقف. فمتى يكرم شهداؤنا؟ ومتى يكرم انصارنا، الذين اعتلوا قمم الجبال وعاشوا المحنة ضد اعتى نظام دكتاتوري.متى يبادر صاحب القرار الى انصاف من سالت دمائهم على التراب العراقي ولو باطلاق اسماء هؤلاء على شوارع او ساحات او مهرجانات في مساقط رؤوسهم او ضمن محافظاتهم؟.
ويتمنى النصير صباح المندلاوي (ابو النور) مشروعاً لفلم سينمائي يحاكي حياة الانصار وظروفهم وبطولاتهم فهو ينادي (ياصناع الجمال والابداع ،لكم في حياة الانصار مايوثر لكم من اعمالا بمنتهى الجودة والبراعة والمضمون الانساني وستكون مؤهلة للفوز بالجوائز والاوسمة..تعالوا الى حيث الكنوز الدفينة والنفائس الفريدة وهموم الانسان المعاصر..تعالوا الى حيث الخبايا والخفايا والزاويا المهملة المطوية والمنسية والحكايات الغريبة التي تنبض بما هو مثير) ص 277.
اهم مميزات الكتاب-
*هو سفر نضالي لانصار الحزب الشيوعي العراقي، هذه الصفحات جزء من تاريخ الحركة الوطنية العراقية في النضال ضد الطغمة الدكتاتورية مابين عام 1978 الى 1989.
*للمؤلف تاريخه الخاص في علاقاته الكثيرة مع رفاقه واصدقائه التي عاشها متنقلا بين الدول طيلة اكثر من عقد والتي كانت علاقات حميمية نشطة ومتفانية.
*بحكم انه فنان ومؤلف ومخرج فقد عكس ذلك في الكتاب عدد من المسرحيات التي قدمت في هذه الدول وفي كردستان العراق، ويشير اليها بشخوصها وابطالها.
وقبل ان اختم استعراضي للكتاب، أود أن أطرح بعض الملاحظات، بحكم تواجدي سنوات طوال في كردستان، اضافة الى كتاباتي حول العمل الانصاري وتفاصليه، التي يمكن الإستفادة منها في الطبعة الثانية منه:
- في الصفحة 39: ان وضع حجر الاساس هو في يوم 5/10/1979 وليس 9/10.
- في الصفحة 40 : الرفيق الطيار الذي اقام في الفندق برفقة ابنته الصغيره نداء (هو لطيف مطشر طعيمه المالكي (ابو الندى) والذي استشهد بتاريخ 14-15 كانون الاول 1982 اثناء اقتحام ربيئة سي كرالمطلة على قرية كوهرزي في العمادية دهوك، وكان الشهيد مريضا ومصابا بالزكام ولكنه اصر على المشاركة وان يكون على راس مجموعة الاقتحام).
- في الصفحة 67 يقول: امضينا اسبوعين في منزل ابي خالد حتى تهيأت الظروف الملائمة للسفر الى حلب ومنها باب الهوى، وهناك تم ارجاع ابو نتاشا الى سوريا، نحن واصلنا الدخول الى الاراضي التركية.. في اسطنبول كان بانتظارنا ابو علي بعدها اصطحبونا رفاق كوك ليكونوا ادلاء الى منطقة ديار بكر ثم الى المناطق الحدودية المحاذية للعراق. اعتقد هنا خطا لان هذه المدينة (اسطنبول) تبعد مئات الكيلومترات عن المنطقة وليس لها علاقة بالموضوع.
- في ص 70 : لم يكن أبو تحسين من رفاق الطريق الذين هم ابو هدى وابو خولة وابو وسن.
- في ص 72: مدينة العمادية تابعة الى محافظة دهوك.
- ص 74 : ان المؤسسين لقاعدة بهدينان هم مجموعة من الرفاق اشرت لهم في كتابي مذكرات نصير بالاسماء، و من الكوادر والمسؤولين انذاك الرفاق دنخا البازي (ابو يعقوب) وقادر رشيد (ابو شوان ) (بقي اسبوعين) واحمد الجبوري (ابو ازهار) وكنا معه 5 رفاق وصلنا يوم 4/10/1979.ثم وصل نهاية 1979 الرفاق نعمان علوان سهيل –ملازم خضر (ابو عايد) وعمر الياس ابو علي الشايب (عمر الياس)، اما توما توماس (ابو جوزيف) فقد وصل مع سليم إسماعيل (ابو يوسف) بعد اجتماع اللجنة المركزية في حزيران-تموز 1980 حيث يقول في مذكراته (سافرنا ابو حكمت وبهاء الدين وانا الى القامشلي حيث بقينا ليلة واحدة باستضافة الرفاق السوريين ، ومنها توجهنا الى تركيا عبر نصيبين (ولوضره) بالسيارة ، فواصل ابو حكمت طريقه الى كوستا ، وبرفقة رفاق كوك واصلنا نحن سيرنا مشيا الى حيث رفاقنا في مقر كوماته الذي وصلناه ليلة 29/7/1980 بعد اجتياز للحدود التي كانت عبارة عن جدول صغير بعرض ثلاثة امتار يفصل بين تركيا والعراق، أواق توما توماس ص 189). وقد كان ابو جوزيف من المؤسسين لقاعدة ناوزنك (يقول توما توماس في مذكراته في اواخر اذار عام 1979 كنت في ناوزنك ...ص 161) مع بقية الرفاق من اقليم كردستان احمد باني خيلاني وكذلك الرفيق قادر رشيد، اضافة الى رفاق بهدينان تنظيمات الموصل انذاك (علي خليل ابو ماجد وصباح كنجي وابو فؤاد وابو سربست وغيرهم) الذين وصلوا في نهاية اذار 1979. وهذه المجموعة نفسها وصلت الى بهدينان بداية شهر كانون الاول 1979.
- في نفس الصفحة ان وفاة الرفيق توما توماس عام 1996 وليس 2010.(نعي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في 15/10/1996).
- ص 90: ورد (هذا البطل الانصاري استشهد اثناء اقتحام فوج بامرني ومطارها بقيادة الرفيق توما توماس، وكان لاستشهاده وقع الصاعقة على نفوس الانصار ومحبيه الى جانب رفيقين اخرين هما ابو جاسم وابو نصار). ان الرفاق الاخرين لم يستشهدا، بل جرحا، وقد قطعت رجل الرفيق ابو نصار من الركبة ولازال يعيش في السويد في مدينة يوتوبوري.
- ص 99: ورد (هذا الشتاء تم بناء السجن على مقربة من نهر الخابور) الصحيح هذا السجن بنى قرب السرية الثانية في كوماته قرب النهر الصغير وليس قرب السرية الاولى على الخابور، حيث هناك سجن للحزب الديمقراطي الكردستاني.
- في ص 98 ورد اسمي خطأ انا فيصل عبد السادة الفؤادي وليس فؤاد عبد السادة. في نهاية الكتاب ورد اسمي صحيحاً كمصدر من المصادر التي اعتمدها المؤلف.
- في ص 225 ورد اسم الرفيق ابو عادل (علي هادي) والأصح هادي علي لفته.
ملاحظات عامة
* لم ارى اسم المطبعة بشكل واضح في مقدمة الكتاب، ولكن موجود في الغلاف الاخير علامة صغيرة كتب عليها طباعة (الكوثر للطباعة والتصميم).
* كنت اتمنى ان لا ارى عبارة ( كنت مسؤوله في بغداد اوغير ذلك) فنحن عملنا في التنظيم الحزبي في الداخل او الخارج كرفاق والمسؤولية تكليف وليس تشريف كما يقال.
واخيراً، يستحق المؤلف الرفيق صباح المندلاوي كل التقدير لما بذله من جهد كبير في جمع هذا التاريخ الانصاري او الشخصي، وهو اضافة جديدة للكتب التي سارت في نفس النهج.لقد اعطى الكتاب صورة ايجابية جميلة في التطرق للفن والجوانب الانسانية ودورس الحياة المختلفة.
11 ايار 2023