احتفى المقهى في أمسيته لشهر شباط الماضي بصدور مجموعة شعرية عنوانها

" الضيف القديم " للشاعر فلاح هاشم. حيث استضافه المقهى ليوقع ديوانه الذي صدر قبل أكثر من عام، لكن جائحة كورونا والإغلاق العام، أجل حفل توقيعه.

وقبل ان يوقع الشاعر ديوانه تحدث عن حكايته مع الشعر. ونحاول هنا في هذه التغطية، تقديم سرد موجز لرحلة فلاح هاشم الإبداعية، بالتوقف عند اهم محطاتها، وكما جاءت على لسانه في هذه الأمسية:

في الحكاية التي تتناول الشعر لابد من العودة إلى الوراء.. فلا شيئا في الحاضر مقطوع الجذور عن الماضي. لم يكن والدي شاعرا لكنه كان يعشق الشعر ويحفظ قصائد شعبية يرددها وأنا أحفظها دون سن المدرسة. لشعراء لا أتذكر أسماءهم لكنه يعرفهم. وفي البصرة ثمة نهر يسمى نهر العشار و – للأسف حالته الآن مزرية – كان نهرا زاهيا نمشي على ضفافه. في طفولتي كنت اردد هناك هذه القصائد التي حفظتها عن والدي.

ويستذكر فلاح نصا كتبه عام 2015 يصور ذلك المشهد:

 نغمة

 بين العشار والبصرة القديمة

 نهر يطرح ذراعيه على جانبيه شارعين

 هما خميلتا ذهابنا والإياب

 سمر العوائل

 ونزهة الوجوه الأليفة

 بين دفلى وردية أو بيضاء

 حذره أبوه أن تفتنه فيذوقها                                                            

 ونخل يفرد أثداءه للريح تمرا

 لم يزل يحفظ من أسمائه الكثير

 بين موال يسري من البستان

 ورائحة الشط

 يمر طفل من دون سن المدرسة

 مغرما بقصائد شعبية يرددها

 فيجذب الآذان

 من العشار إلى جسر المحكمة

 قصائد لا تنتهي

 -" يا جليلة شفت بالدرب

 ديزي تحجي انكريزي"

 وتلك البيئة جعلت فلاح يتجه إلى مزاج الشعر، وبواطن التعبير، وما تكتنزه الكلمات من نوافذ مشرعة تأخذ روحه إلى جمال الكون والحياة حيث الشعر هو:

 ممره السري للبواطن

 بقاء قلبه على قيد النبض

 شباك روحه على جمال الكون

 بعد عقدين.. رأى ديزي 

 تمشي على مجزوء الرمل " لو مشت مثل الكطاية "

 فاعلاتن .. فاعلاتن . .

 يا لتلك النغمة

 النغمة – النعمة.

ويضيف فلاح هاشم قائلا:" يبدو أن هذا كله يرسب بعض الإيقاعات في داخل الإنسان، حتى وإن لم يفقه ما يقال. "

ويرجع شاعرنا، الفضل في تحبيب الشعر اليه، إلى المدارس يومذاك حين كان أساتذة اللغة العربية فيها جلهم من الشعراء والأدباء وكانوا يشجعون تلامذتهم على عشق الأدب ويحثونهم على القاء القصائد والمساهمة في الإذاعة المدرسية وتمثيل المسرحيات وتحرير النشرات الجدارية وارتياد المكتبات واستعارة الكتب والتهام أفكارها والكشف ما بين سطورها.

يقول فلاح ان "كل تلك الممارسات عززت من معرفتي اللغوية، وأسست عندي ثروة أدبية وثقافية..” وعند انتمائه إلى معهد الفنون الجميلة – فرع المسرح يؤكد: " كنت أصحح للممثلين حواراتهم".. وواصل هذا الاهتمام والعناية بالنحو حتى وهو يعمل في الإذاعة حيث كما يقول انه قضى نصف عمره بالعمل خلف المايكرفون.

ذكر فلاح انه بعد انقلاب 1963 وما تبعه من ممارسات فاشية، وعلى الرغم من صغر سنه، أصابه حزن عارم دفعه للكتابة، واعتبر تجاربه تلك هي بداياته التي كان يعتبرها تنفيسا عما يعتمل في أعماقه وأحاسيسه ومشاعره الداخلية.

تلك القصائد الأولى، عدها خاصة به، ولم يسع لنشرها ولم يقرأها لأي كان، ومنذ ذلك تبلورت لديه قناعة بأن الشعر مسألة شخصية بحتة.. وهذا يفسر تأخر ظهور قصائده، كما يقول، ويتساءل فلاح فيما لو كانت تلك القناعة عنده، كانت خاطئة؟! لأنها أجلت تقديمه كشاعر. وفي تصورنا هذا ما يفسر تأخر ديوانه الأول الذي تحتفي به هذه الأمسية.

هذ الديوان الذي ضم من بين قصائده، القصيدة الطويلة، التي صارت عنوانا للديوان (الضيف القديم) نقتطف منها:

 هو ذا بين الجميع

 إنه الضيف القديم

 إنه الضيف المقيم

 حيثما شئتم

 وفي أي مكان أو لسان فاسألوه

 ليس في إضبارة المخفر ترتاح الوجوه

 وجهه الآن لديكم فاسألوه

 عن أرق الكلمات

 عن حقول شاسعة

 وسماء واسعة

 وبلاد عذبة الماء

 ...وعن عماتنا النخلات

 عن أول تشريع على الأرض ينادي

 - كل من يزرع نخلة..

 كل من يقطع نخلة..

 Hما لماذا كان عنوان الأمسية..” فـــــــلاح هاشــــــم شاعـــــــرا“ 

ذلك لأن المعروف عن فلاح أنه متعدد المواهب..  فهو مسرحي، تخرج من معهد الفنون الجميلة عام 1970 ومثل وأخرج العديد من المسرحيات.. وهو إذاعي وتلفزيوني، عمل في هذين المجالين: كاتبا ومخرجا وممثلا.. وهو إعلامي أدار وقدم وأعد برامج اذاعة عربية، اسسها شخصيا في لندن، بثت لسنوات، وكتب العديد من أشعار الاغنيات وهو يعزف على العود.. وأدار الكثير من الندوات والأماسي في لندن، وعمل في الكويت على دبلجة افلام الرسوم المتحركة، تتذكر أجيال من الشبيبة على امتداد الوطن العربي الشخصيات التي صوتهّا، فلاح.

 وفي هذه الأمسية قرأ العديد من قصائد منجزه الشعري.. وطرح آراء خارج المألوف منها:

  * "أريد أن أحدثكم، عن معنى الشعر، بالنسبة لي..

   الشعر هو علاقة الإنسان الداخلية مع الوجود.. المادي والمعنوي. من هذه العلاقة

 والاحتكاك بمفردات الحياة وتجاربه ا تتولد مشاعر ولواعج وأفكار وأخيلة وأسئلة وكل ما يمت بصلة لشجرة الشعر. تأتي كلها في حزمة مضغوطة وتلف في أعماق الشاعر كما عاصفة لولبية (تورنيدو) وتختلف حدتها حس ب التماس والتجربة وأثناء هذا الدوران

تلامس كل مكنونات العقل الباطن من تجارب روحية وجسدية وكل المخزونات من صور بصرية وسمعية وكل ما أحس به الأنسان من عبر حواسه الظاهرة وغير الظاهرة وكل

 ذ لك يولد ضغطا لابد له من أن يتجلى بشكل ما فأذ ا تجلت تلك العاصفة الداخلية – التي هي الشعر – على شكل نغمات وايقاعات تصبح مقطوعة موسيقية. وإذا تجلت عن خطوط وألوان وحركة فرشاة فأنها تكون لوحة. اما إذا حضرت على شكل كلمات فأنها تصبح قصيدة. لذا من العسف أن نختزل الشعر بالقصيدة فقط.. فالقصيدة هي واحدة من تجليات الشعر الذي هو نسغ كل ابداع”.

ثم أبدى فلاح هاشم وجهة نظره ف ي المسميات متحدثا عن أن حركة الشعر الحديث ابتداء من السياب والتي كسرت عمود الشعر التقليدي سميت خطأ بالشعر الحر وهي في الحقيقة بقيت ملتزمة بعروض الخليل ولم تخل قصائد الرواد حتى من القافية وكان من الممكن أن نطلق على تلك التجربة انها قصائد التفعيلة. أما ما يسمى اليوم بقصيدة النثر فهذا هو الشعر الحر.

 ان تسمية (قصيد ة نثر) فيها خطأ معرفي. قلنا إن القصيدة شعر. بينما النثر هو لغة

 السرد في الرواية الصحافة والبحث والحديث اليومي إلخ. ولا يمكن ان يكون النص شعرا نثرا في آن واحد. فهو إما شعر وإما نثر.  فالوزن وحده لا يحدد هوية النص. لأن كثيرا من المنظوم فيه كل شيء الا الشعر. فالنثر لغة السرد لذلك اختصر الأمر بالقول:

"خلاصة الكلام

 الشعر غير النثر

 عليكم السلام.

  وقبل أن نختم تغطيتنا لهذه الأمسية الممتعة بامتياز والتي تألق فيها ضيف المقهى الثقافي،

  الشاعر فلاح هاشم، نختار لكم من شعره بعض القصائد القصيرة:

  إلى دكتاتور

 أنت الذي فتحت باب المهلكة

تركتها مفتوحة..

جرحا بلا ضمادة..

لم تدخر كارثة

 حتى ابتكرت حتفنا

 كما ارتأيت

 أورثتنا جيشا من الأهوال والأنذال

 واختفيت

 نم ملء أجفان الردى منعما

 أنجز ما اشتهيت

 لم يهدأ اللهيب في ثيابنا

 ولم نعد للبيت

  برقية المنفى إلى الحاكم

 عِش كما شئت بدوني

وانتبذ ركنا قصيا في متاهات الزبد

كل شيء عندي الليلة أبهى

أمني الشخصي.. والليل..وموسيقى الأحد

لست محتاجا لكبش يمضغ اللقمة قبلي

 لست مطلوبا لثارات أحد

  بلدي حب صحابي

 بينما تمضغ أيامك أحقاد البلد

 ذق عذابا من جنايات يديك

 كل نخل الأرض يأتي

 هاتفا:

 تف عليك 

 دولاب

  دمع العراق طلسم

دمع دم

لم يفهم التاريخ  سر رخصهِ

ولا مواسم الحصاد ترحم

فموسم يرمي بذور نسله لموسم

ولا يبور موسم

(أصنامنا) لم يكتمل نصابها

 ولا الذين خلفها تكلموا:

 أي القيامات انتهت

 وأي حشر قادم

 يلزمنا لغم بحجم جهلنا

 عل الفراغ يفهم  

 محاولات

 حاولت أن ألامس السماء ذات مرة

 حاولت مرتين

 وحالما فشلت عند الثالثة

 تمردت كرامتي

وقررت

أن لا تكون الرابعة

خاتمة المرات

عرض مقالات: