اتأمل عنوان المجموعة (المطر يجرح البحر) وأحاول أن أتخيل المشهد، كيف لقطرة مطر ان تجرح بحرا.. من زاوية كوني امرأة أهوى الخياطة، ارى المطر مثل غرزات ابرة ماكينة الخياطة، كما أن صوت المطر يشبه صوت ماكينة الخياطة.. ذلك على الارض، لكن ومن خلال ما نرى البحر، فأن المطر يكون مصارعا شرسا مع البحر.. وأتساءل من خلال ما اعرفه عن البرزخ هل يحافظ المطر على سيادته فيبني له مستعمرات عذبة وسط البحار والمحيطات، تكون كما الواحات العذبة وسط الصحارى؟

 ام يلتهمها البحر مستسلمة لأملاحه.؟ اقول ذلك من زاوية الرؤية الواقعية للمطر... ولكنني أمام عنوان مجموعة شعرية وأدرك جيدا بان الشعر يشتغل على الانزياح الدلالي.. وذلك ينقلني الى الاية الكريمة: (وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين) و(القرية التي أمطرت مطر السوء)..

لم تشر مفردة مطر الى الخير والنماء كما في الأسماء الأخرى للمطر الذي يمنح الارض عافية الثمر..  ومن خلال قراءتي للقصائد تتضح لي صورة المطر وأسبابه والجراحات التي اثخنت روح انسان يطمح بوطن يؤمن له الحياة الكريمة ولكنه يصطدم بواقع مرير حيث الخيبة تلو الخيبة وما انتجته الثورات من الخسارات وفقد الأحبة والأصحاب كل تلك الجراح قادته الى يأس جعله يأسف على عمر سلته فارغة إلا من الخسارات والضياع، والوطن غائب لا تأتي به لا ادعية الطيور ولا تسبيحات الأمهات.

************

 (المطر يجرح البحر) المجموعة الشعرية السادسة للشاعر عبد الامير العبادي. من اصدارات اتحاد الادباء والكتاب في البصرة برعاية اسيا سيل 2022. التصميم والاخراج الفني دار امل الجديدة. تضم  المجموعة الشعرية، سبعة وعشرين قصيدة توزعت على مائة صفحة.

من الصفحة الاولى يستقبلنا المطر ليقص علينا حكايته المتعددة الدوال.. اللامعقول في صفحة 30 يقول:

( جن هذا الرجل

هو الذي رأى قطرات

المطر تثخن جراحات

البحر)

ثم تنتقل الصورة الى الواقع الذي يشيده الخير والشر في هيئة وطن وانسان.. حيث يذهب الابطال الى الشهادة بينما (الجبناء يحتمون بجلد، ينتظر الاحتراق، والريح تزيد اللهب). وفي صفحة خمسة حيث عنوان المجموعة يضيء القصيدة ارى

(على جدران تصد الريح

غدا الصوت

ازميلا ينحت اغاني العتق).

تتأرجح امواج البحر بين قوسي مطر ندي بعطر النساء تارة ومتضوع بمسك ارض الوطن تارة اخرى (اعصر من اشجاري خمرا، يؤنس النساء، وارسم لهن في حدائق الله صورا.، ص 42). وفي زيارة التنهدات تميمة تحملها امرأة ترفع يد الضراعة الى شاعر مسلوب الحرية يحثنا قائلا:( هيا لنتخيل فقط اننا احرار. ص68) فتصدمه بواقع مرير المرايا (يا لهذه المرايا التي تحمل، اسرارا في تقزيمنا وانشطارانا، أما آن أن تتلاشى تلك الالوان الباهتة، كي نمد أبصارنا الى فضاء، يعلمنا حقائق جديدة عن أصول الحب؟ ص69). يوهمنا المطر بحكايات متعددة حين نمعن فيها النظر نراها كلها تصب في جراحات عاشق ووطن.. عاشق ثائر مخذول.. جعلته الخيبة يحسد المجنون على غياب عقله

(احسدك لأنك لا تمارس الخداع،

لا تفتعل وضع غليون سيكارة

 ولا تشغلك روايات الثورة والثوار. ص74)

وتتواصل جراحات الخيبة في ترنيمة حزن

(قالوا مباركة أرضك،

ثم قالوا وقالوا حتى أغرقنا..

ولا نعرف ماذا قالوا، نعاند صخب الموج..

حتى دنونا لوله أحمق، ص77).

وحتى لا تفتش الاجيال بين قصاصات الوعظ يخاطبهم في رثاء قبل طلوع الشمس

(تمهل لا تأت،

دعك في رقادك،

لا تأت فأنت في جوف امين،

لا تأت وتتحمل صرخة كبرى،

 تدوي كانفجار هيروشيما

  لا تأت..

. لا ادعية الطيور ولا حسرات الامهات

 تأتيك بوطن تريده قلادة وحرية. ص86).

هذه المجموعة الشعرية: بحر مجروح تتلاطم امواجه بين امنية ثائر وتنهيدة خيبة. وهكذا تكتمل رحلة القراءة بين البحر والمطر والجرح..