اسماعيل ولد أسمر،  يكبرني بسنة، لكن بنيته الضخمة تشير الى غير ذلك، يمتلك بشرة سمراء داكنة وأنف كبير يشبه الزنوج الامريكان، وكان يقلدهم في ملابسهم ومشيتهم الراقصة، أما أخته نورية فعلى العكس منه فهي شقراء ذات عينين ملونتين وبشرة بيضاء.

 كنت أعير المجلات الفنية اسماعيل لتعزيز صداقتي به والتي ربما تقع بيد نورية الشقراء لتتصفحها وتعرف مدى ثقافتي واهتماماتي الفنية.  كنت اراها واكلمها خلسة لاستعراض "ثقافتي" منتظرا الوقت المناسب لكي أصرح لها بحبي على طريقة الافلام الهندية والمصرية.

 توطدت صداقتي مع اسماعيل الاسمر الذي كان يتمنى أن نتبادل الاسماء، لأنه يحب الملاكم محمد علي كلاي.  اعطيه اسمي لانه الإسم الاول للملاكم الاسطورة بعد أن أعلن اسلامه.

  بدأ اسماعيل يتعلم اصول الملاكمة بمساعدة والده الذي كان يشرح لنا بصوت عال وهو يتصدر المائدة انه كان مصارعا وملاكما، وانه من درب الكثير من الملاكمين والمصارعين.

ولكي يؤكد لنا ذلك بدأ بعملية وضع كيس قديم من الكتان الابيض القوى رص فيه الكثير من الملابس وعلقه وسط باحة البيت.  بدأنا نتجمع حوله، اسماعيل يضرب الكيس بقوة ويحلم بأن يتحول شعره الى كثافة شعر كلاي ويتمنى ذات الوسامة، وأن يسقط الابطال تباعا، كما فعل مع حقي جارنا الذي تحداه في نزال تم بأشراف الأب، اذ سرعان ما وجه لكمة الى فك حقي وسقط على اثرها بلا حراك وسط هلعنا وهلعت أم اسماعيل وصراخ نورية، لكني طمأنتها بابتسامة متخيلا نفسي حبيبها وهي حبيبتي،  فبعد أن نهض حقي غسلنا وجهه ثم جلسنا في باحة البيت، شاركتنا نورية التي كنت انظر الى عينيها الملونتين وأنا أطرح معلومات عن كلاي استقيها من الجرائد واضيف اليها من مخيلتي،  قلت لهم انه يساري ولم أكن أعرف أو يعرف أحد ممن كان معي في الجلسة معنى كلمة "يساري".. "ولهذا رفض قتال المستضعفين في فيتنام". ولأنه شيوعي أعلن اسلامه! مما جعل المتحلقين يتعاطفون مع كلاي.

بعد أن نهضت نورية رأيتها تراقبني باعجاب ـ هكذا تخيلت ـ من فتحة الشباك الصغير المطل على الباحة، ولاثبت لها قدراتي الأخرى فقد طلبت أن اتحدى اسماعيل بلعبة الملاكمة. أيدني حقي الذي كان لا يزال يعاني من صداع  "القاضية" التي تلقاها. رفض اسماعيل في أول الأمر.. "بابا انت ازغير" الأمر الذي زادني اصرارا وانا اتخيل كلاي يجندل الابطال ويذيقهم مرارات الهزيمة، وكذلك كان يفعل رشدي اباضة وشكري سرحان وحتى فريد شوقي وهو يذيق محمود المليجي مرارة الهزائم.

تلقيت ضربة خفيفة من اسماعيل وهو يطلب مني ان انسحب. لكني حالما وقع نظري على الشباك الصغير المطل على الباحة حيث نورية الشقراء تراقب بخوف. تصورت انها تخاف علي وتفعل كما تفعل هند رستم أو فاتن حمامة وهي تراقب فريد شوقي وشكري سرحان يلاكم المجرمين. لا أعلم بماذا كان اسماعيل مشغولا لاني لمحت وجهه قريبا من قبضتي التي هوت بقوة على فكه الايسر، وسرعان ما سقط وهو يتأوه وسط صراخ أمه واخته.

بقيت اياما لا أستطيع أن اذهب الى بيتهم لأني فهمت أني غير مرغوب بي وأن نورية لم تعد تطيق رؤيتي وكذلك أمها. لكن اصرار أبي اسماعيل على أن يعيد النزال ويعيد الاعتبار إلى ولده،  اجبرني على عدم العودة الى ذلك البيت الذي يتوسط قطاع من قطاعات مدينة الثورة، خوفا من قبضة اسماعيل وتمثيله حركات كلاي.

عرض مقالات: