نهضتْ متكاسلة ٌ، سارت مثقلة الخطى، عينٌ مغمضة ٌ وأخرى بنصف إغماضه، تفكر ّ، بعد شرب الماء بالعودة لسريرها لاستئناف نومتها، انكمشت ملامح وجهها عندما لامستها اشعة شمس الضحى المنسابة من زجاج نافذة المطبخ، ادهشها الدفء، وقفت.. فتحت عينيها، مدت الى السماء بصرها، ادهشها سرب ُ ربابٍ في آذار، شدَ سمَعها تغريدُ بلبل الحناء على شجرة في دار الجار.. وهي تصغي.. سمعت صوتاً من اعماق روحها: جربي ان تغلقي جهاز هاتفكِ وتضعيه في خزانة الثياب الموسمية وتقفلي عليه الباب.

احملي عتلة َ حراثةٍ صغيرة بحجم الكف.. اذهبي بها الى حديقة بيتكِ ارسمي بطرف العصا على تربتها اشكالا هندسية ً صغيرة، اجعلي المنظر أكثر مرحا، ارسمي صورتكِ بِلا ملامح، ارسمي اسمك ِ.. اجلسي على الارض وبالعتلة الصغيرة احرثيها.. وابذريها بما تشائين من البذور، فجل، ريحان، نعناع، فلفل، كزبرة، خيار، كرفس، جزر.

 في اليوم التالي ومع اول ضياء للشمس سترين كيف تحتفي الطيور بكِ وأنتِ ترشين الماء، سيدهشكِ منظرها وهي تستحم بالطست الذي ملأتهِ ووضعتِ فيه بعض الحجارة لتقف عليها العصافير الصغيرة، سترين بسمتكِ وأنت تشاهدين تدافعهن على طعام نثرتهِ بالقرب من آنية الماء البلاستك الصغيرة، في المساء ستفكرين بتطوير العمل من اجل منظر أكثر دهشة وبهجة، تذهبين.. لشراء بعض الاشجار لتغرسيها في ارض الحديقة وعلى الجدار المقابل تعلقين بعض الأواني محملة بالماء والطعام للعصافير والفواخت، سيفرحكِ تجمعهن كما لو انهن نشرن خبر ولادة شجرة في محلتك.. في اليوم الثالث يدهشك منظر البراعم الخضر.. تشعرين بالمسؤولية حيالها تغطينها بشبكة خيوط تصد المناقير

.. اليوم الرابع يبزغُ وبرٌ أخضر، يتوهج حرصك في حمايته، اليوم الخامس ترتفع البراعم كما كفوف الامهات البصريات: وريقاتهن، اليوم السادس يزددن وريقتان مع ارتفاع قليلا للجذع الاخضر الطري.. الطيور تتكاثر على خرير الماء مباهجها، في السابع ترين صورتك مرسومة بأوراق الريحان يجاورها مستطيل النعناع وقرب يدك اليمنى دائرة الكرفس وهناك قرب قدميك صورة ارنب رسمت بوريقات الجزر.. تبتسمين وأنت تستنشقين نسمات محملة بقداح الارض مثل رسالة امتنان. في.. الثامن، خزانة الثياب افتحيها، افتحي موبايلك: رسائل مثل صورة ورد مكتوب عليها صباح الخير مرت على الكثيرين قبل ان تصلكِ..، مساء الخير، جمعة مباركة، وهناك من تساءلت عن سبب غيابك لأنها تريد ان تخبرك بان فلانة قد تحدثت بالسوء عنك، وفلان قلد أسلوبك.. اخر قد سرق فكرة منشورك وهناك من ذم كتاباتك ولغتك.. ومع تلك الاحداث تسهرين الليل كله.. يشرق الفجر تتهيأ للقائك الطيور بالتغاريد والنباتات بالاخضرار.. تنتظرك كثيرا ولا تيأس.. واليوم الثاني بعد الثامن يعلو صوت الطيور، كما لو انها تحتج لغيابك، ترتفع بأوراق جديدة اغصان النباتات الطرية وتحمل النسمات امتنان الارض: قداحا. واليوم الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع.. تيبست من العطش البراعم، الطيور تغادر.. ودون  نهار يستيقظ يومكِ.

عرض مقالات: