صدرت عن دار النخبة للطباعة والنشر والتوزيع المصرية المجموعة الشعرية " اين سرى وجهي الجديد في القدم" وهي تضم (56 ) قصيدة موزعة في اتجاهات عديدة لها ارتباط جذري بالواقع الإنساني الحياتي وبين الاهتمامات الوطنية والطبقية ومن خلال تصفح المجموعة ظهرت قصائد في طور آخر يختلف عن القصائد التي جاءت في مجموعات سابقة، التطورات التي طغت على مجموعة " اين سرى وجهي...الخ هي تنوع في وجهة قصيدة التفعيلة وحتى العمودية في تناولها في قضية الوطن وتعرية التوجهات الداعية للأصولية والسلفية، من خلال التنقل بين القصائد التي امتدت على ( 152 ) صفحة من الحجم الوسط نجد التطورات الحاصلة في جوهر القصائد في مناحيها التي تحاول إضفاء روح من الشفافية الشعرية والتطور في مجريات اللغة للوصول الى إيجابية جوهر النص وابداعاته فقصيدة ( المستجد كورنا ) نجد الترابط العضوي بين مفردات تبتعد عن السرد الشعري المتخصص بموضوع الجائحة التي غزت المعمورة بقسوة متجاوزة الحدود الجغرافية مهددة بواقع التدني العلمي في الحصول على الإنقاذ
" مغلقة هي الطرق / مركونة النوافذ الشرقية في الشمال والجنوب/ وكانت النوافذ الغربية في الضباب/ مخطوطة بالطين"
لقد كتبت التواريخ البشرية على الواح من الطين وفخرت وذكرت فناء الأمم حيث بقت الاطلال من المدن واكتشفت بفعل التنقيب عن الآثار التي تدل على الحضارات وهو تدرج عقلية العلم الإنساني، " كيف ترى الأفق؟ / كما الطرق/ كما الجبال العاصية بلا شجر! / او شحة الأنهار في الشتاء والربيع / او رجعة الأموات في الاحياء كالموتى يصيحون النجاة/ ام انها التوريث! / أهي السبيل للضجيج! / " اذاً هو التوريث في عقدية الفناء الذي جابه الانسان ومازال يعيشه بقلق مشروع يسعى بكل السبل لإيجاد المخرج، " كيف النزوح! / أهو الصريخ! / كيف السبيل الى الخروج! / من ظلمة التهريج! / كيف تراها قائمة / كورونة الفقر الجديد / أهو انغلاق! / أم انفتاحٌ مغلقٌ بلا جوابْ".
واخيراً يصل جوهر النص في الجواب بدلاً من الاستفسار " العالم القديم ينهارْ في عالم الفخار والتلقيح"
نعم العالم القديم ينهار بلا شك ولا يستطيع المقاومة الطويلة وخير مثال ما فعلته الجائحة كورونا من كشف عيوب العالم القديم الرأسمالي الذي يظهر عنجهية القوة والسلاح بما فيها السلاح النووي، هكذا يتناول النص القلق الإنساني الجديد على مصير الانسان وهو قلق يضاف الى محن الحروب والأسلحة المدمرة بكل أنواعها الى جانب الجوع والفقر والعوز والبطالة المنتشرة في ظل نظام جائر بحق الانسان.
الانتقال من نص الى آخر يحتاج الى الوصول لتحليل معاني المفردات وتحليل التجريد في الإشارة ولهذا نأخذ قصيدة (بقايا أنهر الدمع في ليل السقم) " هو لوحٌ مكتوبٌ، بهِ سفن الصحراء في المنفى / عصافير تموت من الظمأ / وتلوح أشرعة بالريح ترقص كي يذكرها الفرج / كانت الأنهار زخم من رواء / جفت في الجفاف حسرات ضفاف/ بأمر غولات الحدود من الحقد الكظيم / كان نهرٌ هنا، وله ضفتان / وأمٌّ سماويةٌ أرضعتهُ السحابَ المُقطّر/ ونهرٌ صغيرٌ بسيرْ/ باتجاه المراعي والحقول/ نهران مهران اصبحنا خطا رهانْ" النص يتناول محنة العراق المائية بعد ان أغلقت او غيرت حوالي 45 نهر وجدول ايران وحولت مياه المبازل الى الأراضي العراقية ثم قيام تركيا ببناء السدود واخرها سد اسو على دجلة والفرات ." ألا يا ليت الحزن مأخوذ من البراعم! / ينمو ثم يقوى من الندرة!/ لكنما، هيهات الخرف فكرة / زوايا من فرح هارب / ونوحٌ ساطع الفطرة / إلا إذا رقصت عمائم من التخريف...! وينتهي النص بعد ان يبين جوهر الفكرة" كان هنا نهران من عهد به عبرة / يجفان من صنم مفروض في حسرة / يجفان من غبرة وأفكار من الزفرةْ"
تستمر القصائد في كشف المشاعر الفياضة في حب الناس من قصيدة "رجاء التأمل" وحتى اخر 56 قصيدة " فيك العلامة " يل عراقي / كنت لا انساك / من فرط جنوني / وامتحاني في عيوني / وانطباعي/ في اتخاذك بلسما / صار وقتا من شجوني " وتستمر القصيدة في كشف تداعيات حب الوطن " يا عراقي /وانا فيك العلامة واليقين / وعلى وجهي الوضوح / وانا فيك التحدي والسطوع / يا عراقي / يا يسوعْ"
الاختصار أصبح ضرورياً لإنهاء هذا الاستعراض البسيط ففي كل قصيدة تفعيلة او قافية موضوع يناقش اهم القضايا العقدية التي تمر في العراق وبما اننا ليس من باب النقد الشعري فنكتفي بذكر القصيدة التي هي عنوان المجموعة "
اين سر وجهي الجديد في القدم "
اين سرى وجهي الجديد في النحيب /
في لجة الزحمة والضجيج /
في زلة اللسان بالزمان والقدر /
شوارع الأنهار فيه هائجاتٌ من ثغاءْ؟ /
اين سرى وجهي من علة الفراق /
والعالم المخبول يركض من وباء/
القصيدة معاناة عصرية في سبر الالتصاق وعدم الهروب.
" ما زلت اتقن الخروج حافيا دون غطاء/
حتى اذا نكل القريب/
ما زال وجهي كالجواد/
يهب في هجيرة الضباب/
وينتقي الفصول في روعة من التعبير/
ما زال وجهي في الغبار/
مستلهما صور المسير/
متحديا في جزء من شموخه إشارة النذير/
اين سرى وجهي الجديد في القدم/
وجهي الذي صار نديما في المنافي
وتستمر التداعيات حول متاهات الغربة والقلق من اجل احياء الطريق وعدم النكوص
" ولا الطريق للأصيل / لكنه بقى كعهده المنوال/ يحلم للوراء بالحدود/
ويبقى الامل التي تنفرد به المجوعة في الوصول الى الطريق وعير الحدود ولكن ما جرى من مآسي دمر اللحظة.
بقى القول ان جمالية لوحة الغلاف الامامي تدل على القهر الإنساني وهي المعبرة عن جوهر المواضيع المطروحة في استكمال ال 15 عشر من دواوين شعرية صدرت في بلدان عربية واوربية والعراق كما للشاعر عدة روايات وقصص قصيرة .