لأحدهم:
لامني سـمع شــــــكوى ولا حن
احلفت ما طخ انه راسي ولاحن
ايام الجـــــفه حـــلن ولا حـــــن
العطش اهون ولا منته عليه
النص الشعري الشعبي بكل اجناسه مغامرة لاكتشاف اسرار الواقع الحياتي باقتناص اللحظة ونقلها الى الفكر والمخيلة لنسج عوالمه بلغة تختصر المسافات بالفاظ يومية بعيدة عن الغموض، لتحقيق عوالم تسعى الى تجاوز المألوف وتحقيق اثرها وتأثيرها، والابوذية الشعبية ضرب من ضروب الشعر الشعبي التي تتشكل من ثلاثة جناسات تتحدد بلفظ واحد وتختلف في المعنى، ولها قفلة تنتهي بالهاء، فضلا عن امتلاكها قدرة استثنائية على ترجمة الاحاسيس بكل اشكالها البنائية (الطليقة الرافضة للاتكاء على بيت شعري فصيح او مثل،).
عايش ما اعـــــــرف الزاد بس ما
رف كلبي ورجف من سمع بس ما
حلمها يدغــــدغ الـــــــدلال بس ما
الشامة اعله اليسار وكمر ضيهه
وهناك الابوذية الملمعة والمقطعة والزنجيل والمنثور، والابوذية اللغزية التي اخذت مساحة كبيرة في التعامل مع الواقع للتعبير عن مكنونات الذات من جهة والكشف عن القدرة الاستيعابية لفنون الشعر من جهة اخرى، كما في قول الشاعر زاهد محمد:
شنهو الماعرف دنيه ولا دين/ الطفل
وشنهو اللارجل عنده ولادين/ الحية
وشنهو بالسنة يولـــد ولادين/الغنم
وشنهو الماينام الا ابتجية /الفيل
فالنص محبوك بطريقة فنية وبعد فكري مع قدرة ذهنية مشحونة بمفردات يومية باسلوب مانح النص وجهة جمالية ادهاشية جاذبة باعتماد الحركة والحدث والتكرار الاجناسي مع حوار درامي ذاتي منتجا للصور التي يدركها الاحساس مع توظيف تشبيهات توقظ الفكر،
وهناك من الشعراء من اجاد مجاراة الفصيح من الشعر لما فيه من بلاغة وبيان وصور مستفزة ومؤثرة كما في قول الشاعر محمد سعيد الحبوبي،
فاسقني كاسا وخذ كأسا اليك فلذيـــذ العيش ان نشتركا
واذا جدت بها من شفــــتيك فاسقنيها وخذ الاولى اليك
فيجاريه الشاعر الشعبي:
اخدودك من شعاع الشمس قدحن
عجب كلبك علينه اليوم قدحن
اسقيني قدح وانه اسقيك قدحن
لذيذ العيش نتقاسم سويه
فالشاعر يعتمد البوح والاستطراد الوصفي مع انفتاح على رؤية مشحونة بالحلول في الآخر عبر درامية ذاتية موائمة بين العالم الخارجي والداخلي، اضافة الى امتلاكه قدرة على التشكيل الجمالي بذهنية متفتحة تكشف عن فاعلية شعريته وحركتها الدينامية التي تسهم في اثارة النسق المراوغ واللعب اللغوي الواعي لبناء جملته المستفزة للذاكرة،
وبذلك قدم شاعر الابوذية نصا يتجاوب والواقع الاجتماعي في ازمانه وتحولاته الفكرية عبر لهجة يومية تستحث الذهن للتنقيب من خلال الجمل المكثفة للحظة الرؤيوية المشبعة بالزمن والحركة.

عرض مقالات: