هو عبدالله بن احمد بن ابی طاهر المعروف بـ" الحسین بن منصور الحلاج". شاعر عاش في القرن الثالث الهجری. ولد في عام 244 هجري ( عام 858 ميلادية) في مدينة البيضاء في بقاع فارس، ويرى آخرون أنه ولد في بقعة بإسم البيضاء أيضاً جنوب العراق. أطلق عليه أهل بغداد لقب المصطلم ولقبه أهل فارس بعبد الله الزاهد، وأهل خراسان بلقب أبو المهر، وأهل خوزستان بلقب حلاج الأسرار، وأهل البصرة بالمخبر، وأهل الهند بأبو المغيث، وأهل الصين بأبو المعين، إضافة إلى كنيات أخرى مثل أبوعمارة وأبو محمد وأبو مسعود. 

وبسب آرائه ومهتقداته الصوفية، إعتبر عدد من الفقهاء المسلمين أن هذه الآراء ينطبق عليها الكفر والإرتداد، بما يعني تكفيره وحلال إزهاق روحه. وحكم عليه قاضي بغداد بأمر من الخليفة أبو الفضل جعغر المقتدر بالإعدام بتهمة الكفر والإلحاد. وقد دافع الحلاج عن آرائه قائلاً "ظهري حمي، ودمي حرام، وما يحل لكم أن تتهموني بما يخالف عقيدتي ومذهبي، ولي كتب في الوراقين تدل على ذلك، فالله الله في دمي". إن التصوف عند الحلاج جهاد في سبيل إحقاق الحق، وليس مسلكاً فردياً بين المتصوف والخالق فقط. لقد طور الحلاج النظرة العامة إلى التصوف، فجعله جهاداً ضد الظلم والطغيان في النفس والمجتمع . عن إبراهيم بن عمران النيلي أنه قال:" سمعت الحلاج يقول: النقطة أصل كل خط، والخط كلّه نقط مجتمعة. فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط. وكل خط مستقيم أو منحرف هو متحرك عن النقطة بعينها، وكلّ ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين. وهذا دليل على تجلّي الحق من كل ما يشاهد وترائيه عن كل ما يعاين. ومن هذا قلت: ما رأيت شيئًا إلاّ رأيت الله فيه".

يصف الكاتب طه عبد الباقي سرور الشاعر في كتابه المعنون"الحسين منصور الحلاج: "هو الصوفيُّ الأكثر إثارةً للجدل في التاريخ الإسلامي، والأعمق أثراً، فكان وسيظلُّ «الحلاج» نموذجاً لافتاً في تاريخ الإنسانية، يقف أمامه الكثيرون من الباحثين عن معنى الحب الإلهي، والمتأملين في فلسفته التي تُعدُّ صفحةً مشرقةً من صفحات التراث الإنسانيِّ، وتدين بالفضل لفيلسوفٍ وشاعرٍ عربيٍّ مسلمٍ، استطاع باتساع أفقه أن يقفز على أسوار المذهبية والطائفية، ويجعل من مأساته الخاصة موردًا عذبًا تنهل منه العقول والقلوب في كلِّ مكانٍ وزمانٍ، ومصدرَ إلهامٍ لكلِّ أحرار العالم الذين يحلِّقون بأرواحهم وأذهانهم في سماوات الحرية. ويُعدُّ الحلاج أحدَ أهمِّ أقطاب التصوُّف الإسلاميِّ الذين اصطدموا بالسلطة الحاكمة الغاشمة، ودفعوا حياتهم ثمنًا لصدقهم".

لقب بالحلاج تبعاً لمهنة والده، إضافة إلى حسن كلامه وفك رموز الكلام والحجج ولكراماته. يعود نسبه إلى الصحابي أبو أيوب الأنصاري، وتتلمذ على يد سهل بن عبد الله التستري الذي علمه طريق ورسوم التصوف. أبعد إلى مدينة البصرة في عمر يناهز الثامنة عشرة، وتزوج من أم الحسين، ابنة أبو يعقوب الأقطع الصوفي. ورزق منها بثلاثة أبناء وبنت واحدة. ثم انتقل إلى بغداد، وحضر دروس حلقة جنيد البغدادي. في سن السادسة والعشرين، توجه لزيارة الكعبة، وبقي بجوار المسجد الحرام قرابة العام. ثم عاد إلى بغداد، وعاد من جديد إلى حلقة جنيد البغدادي، ولكنه طرد من الحلقة بعد أن أعلن شعاره "أنا الحق"، التي فسرها البعض على أنها دعوة إلى الألوهية، وفسرها آخرون على أنها دعوة الخالق عبر كلام الحلاج.

بعد اشتداد الخلف بينه وأساتذته، قام الحلاج بشد الرحال إلى الهند وخراسان وما وراء النهر وتركستان والصين وألخ، برفقة أنصاره ومريديه. وقام الحلاج في سفراته بالدعوة إلى دين الإسلام والتخلي عن عبادة الأوثان، وشرح أيضاً آراءه ومعتقداته. وتعرف على الديانة المانوية والبوذية خلال سفره. وعاد إلى بغداد حيث أضحت مركزاً لنشاطه وفعالياته والتبشير بآرائه التنويرية والمخالفة للدوغمائية الدينية. وخاطب الحلاج الجماهير الشعبية مشجعاً إياهم على إيجاد الله في نفوسهم، مما أكسبه لقب "الحلاج الأسرار". كان لا يكرر العادة الصوفية التقليدية، ويستخدم لغة مألوفة لدى السكان المحليين. وقد يكون هذا قد أعطى انطباعاً بأنه كان مبشراً للقرامطة وليس صوفياً. ويمكن اعتبار صلاته إلى الله لجعله ضائعاً ومحتقراً بالنسبة للصوفي، على الرغم من أن لويس ماسينيون قد فسرها على أنها تعبير عن الرغبة في التضحية بالنفس. عندما عاد الحلاج إلى بغداد من حجته الأخيرة إلى مكة، بنى نموذجاً للكعبة المشرفة في منزله للعبادة الخاصة.

وكانت ردود الفعل عنيفة على طروحاته، وشرع المحافظون بحملة واسعة ضد أنصاره مما دفعهم لفيف منهم إلى الهرب، ووقع آخرون تحت طائلة الاعتقال وتعرضوا إلى التعذيب واتهامهم بالكفر والدعوة لربوبية الحلاج.

أضطر الحلاج جراء ذلك إلى الاختفاء وبقي متوارياً لمدة سنتين إلى أن كشف مكانه أحد خصوم الحلاج الأشداء أبو الحسن علي بن أحمد الراسبي، ووجه الاتهام له بالدعوة للربوبية. وعُلقت على صدره لافته تقول " هو ذا أحد الدعاة القرامطة". لم يكف الحلاج وهو في سجنه عن التبشير بآرائه بين السجناء وكتابة العديد من مؤلفاته في السجن، ودفع ذلك الحكام إلى الإسراع بمحاكمته. 

ونظراً لما لتلك الدعوة من تأثير على السلطة السياسية الحاكمة في حينه، وقام عدد من رجال دين المعروفين في بغداد بالتحقيق معه ومحاكمته، وأصدر هؤلاء فتواهم بالحكم على الحلاج بالإعدام. نفذ به حكم الإعدام في بغداد في شهر ذي العقدة عام 309 هجرية ( 26 آذار عام 922 ميلادية)، حيث تولى رئيس الشرطة تنفيذ الحكم الحكم  حيث أمر الجلاد بجلده ألف جلدة وأعاد جلده ألف جلدة أخرى أمام الملأ العام، ثم وضع الحبل على عنقه ، وأمر بقطع يديه ورجليه ورأسه، وحرق جسده، ورميت رفاته في نهر دجلة حسب المصادر التاريخية.

من المحتمل أن عبارة " أنا الحق" قد ورثها الحلاج من بايزيد البسطاني، لأن مثل هذا التعبير موجود في آثار بايزيد. ولكن هذه العبارة تكررت في العديد من آثار الحلاج. وهو يرد على اتهامه بالربوبية، وفعل ذلك عدد من أنصاره في عصره وبعد رحيله. ويفسر أنصار منصور الحلاج قوله " أنا الحق" على أنه كان يعني: "لقد أفرغني الله من كل شيء إلا نفسه". ووفقاً لهم، فإن منصور لم ينكر أبدًا وحدانية الله، وكان موحداً صارماَ. ومع ذلك، فقد اعتقد البعض أن أفعال الإنسان عندما يتم إجراؤها لإرضاء الله، تؤدي إلى اتحاد سعيد معه. ويقارن الكاتب المالايالامي فايكوم محمد بشير يقارن بين "أنا الحق" للحلاج وبينما ورد في الأوبنشاد (Aham Brahmasmi) التي تعني "أنا براهمان" (الواقع المطلق في الهندوسية). ويستخدم بشير هذا المصطلح ليقصد أن الله موجود داخل "الذات". وساد اعتقاد بين المؤرخين الأوروبيين أن الحلاج كان مسيحياً سراً، حتى قدم العالم الفرنسي لويس ماسينيون إرثه في سياق التصوف الإسلامي في عمله المكون من أربعة مجلدات " آلام الحسين بن منصور حلاج".

ويرى العلامة نصير الدين الطوسي أن الحلاج يرى في سير وصفه " أنا الحق" هو في الإتحاد، والإتحاد لا ينظر إليه بمثابة الكفر، بل اتحاد فلئم غلى رفض حب الذات والأنانية، ليس جزءاً من الخالق، لأن الحلاج في نهاية الأمر هو فان ولا يشبه في ذلك الخالق الذي لا يفنى. ويرى مولوي أن القول "أنا الحق" ما هو إلاّ حالة من الاستغراق عند الحلاج وعلامة على رحمة الحق، وخلافاً لـ "أنا الحق" لفرعون.

على الرغم من أن غالبية المعلمين الصوفيين الأوائل أدانوه، إلا أنه تم قبوله تقريباً بالإجماع من قبل الأجيال اللاحقة من الصوفيين. وادعى بعض المؤلفين الصوفيين أن مثل هذه الأقوال كانت عبارة عن أقوال خاطئة أو نسبوها إلى عدم النضج، بينما اعتبرها آخرون تعبيرات حقيقية عن حالات روحية، وحتى تجربة أعمق للوقائع الإلهية، والتي لا ينبغي أن تظهر لغير المستحقين. وأظهر بعضهم، بما في ذلك الرومي: "عندما يكون قلم (السلطة) في يد خائن، فلا شك أن منصور يتعرض الى التشهير". وقد أنشد كبار الشعراء في بلاد فارس وغيرها أشعاراً تمجد الحسين منصور الحلاج من أمثال عطا نيشابوري وحافظ الشيرازي وفخر الدين العراقي ومغربي التبريزي واقبال لاهوري ومحمد بهمني. كما وجد الحلاج مكاناً له في الأدب والفن العربي المعاصر، مثلاً ألف صلاح عبد الصبور مسرحية " مأساة الحلاج" ورواية "وارتعش القلب طيفا.. الحلاج" لعباس أرناؤوط. وتلاها رواية "الحلاّج" لمحمد سامي البويهي، وأخيراً رواية "طيف الحلاّج" للكاتب السعودي مقبول العلوي التي صدرت عام 2018. وكشفت هذه الرواية على حد تعبير الناقد ممدوح فراج النابي، إلى جانب طرحها لقضية أحادية الفكر وتزمّته وغلبة الأصولية والتيارات المتشدّدة على حرية الفكر والتجديد، كشفت عن قضية خطيرة أهم من حكاية الحلاج التي سردها الراوي تحت عنوان المخطوطة. فالرواية كانت بمثابة صرخة احتجاج ضدّ ما يحيق بالمرأة في هذه المجتمعات، التي تتمسّك بما ينتهك المرأة.

وأنشد عبد الوهاب البياتي وأدونيس ومحمد لطفي جمعة ونجيب سرور أشعاراً بحق هذه الشخصية التاريخية. وألف الموسيقار العراقي نصير شمة مقطوعة موسيقية مكرسة للحلاج، وغنى كاظم الساهر أغنية في إحياء ذكراه. كما ألف الكاتب والمسرحي كريم الراوي مسرحية "مدينة السلام"، حيث عرض فيها قصة حياة الحسين منصور الحلاج وإعدامه بتهمة الزندقة.

لقد تم ترجمة ما تبقى من آثار الحلاج، بعد حرق غالبيتها إثر إعدامه، إلى غالبية اللغات الحية الأسيوية والأوربية.

 

عرض مقالات: