تبنى جيل الريادة الشعرية العامية العراقية والاتجاه الحديث خاصة مهمة الامتداد الجمالي- الوطني للفتح النوابي الذي امتاز به منذ للريل وحمد وماتضمنه من قصائد نفضت عن جسد القصيدة العامية غبار شكلها التقليدي وأخذت بمضامينها الى آفاق أبعد وأرحب ، ولعل في تجربة الشاعر الراحل علي الشباني مايشير لتلك الامتدادات ، اذ عرف وبامتياز برهافة حسه الثوري المنتفض المحتج الثائر، بدءاً من قصيدته الكبيرة «خسارة» في العام 1967 وبيان للزمن المذبوح، القصيدة التي كتبها الراحل في العام 1972، يجسد حدسه لما حصل من قمع وحشي طال سائر التيارات الفكرية الملزمة والمعارضة لنهج الفاشية التي جثمت على صدور العراقيين لأكثر من ثلاثة عقود. القصيدة هذه تركت صداها المدوي والواسع بعد أن شارك الشاعر بها في المهرجان السنوي الرابع الذي أقيم في مدينة السماوة بنفس عام كتابتها ولاقت تداولاً كبيراً بعد نشرها على صفحة الأدب الشعبي بجريدة «الراصد» والتي كان يشرف عليها الصديق الشاعر عادل العرداوي.
وضع الشباني مقدمة لها مستلة من «الشاعر ليس استيراداً» وهي المسرحية الشعرية التي كتبها النواب ووضعها كمقدمة لمجموعته الشعرية الأبرز» للريل وحمد» اذ اقتبس منها الجملة القائلة:» من يبقى حياً يتعذب».
فبقدر ماهو كائن معرفي الا أنه وبفعل ثراء تجربته وأشواطها الساخنة يستدعي صورته الشعرية لكي يعطي قصيدته تشكلاتها التي تبوح بأسرارها: «أكسرلك برد وأكعد شمس بالفي من يزعل عليك الماي أغسل بالكصايب ضي» ينمو احساس الشاعر تصاعدياً مصحوباً بغضب اللحظة واحتجاجها الذي يعتمل في دواخله الجريحة ولا شيء تماماً يجده قبالته سوى الاحتجاج ليبدأ بتوظيف ما أشار له عنوان قصيدته فيتلو علينا بيانه: «بيان: يمنع ما يلي: الشعر الشعبي والخوف، التسكع آخر الليل، الحب، .. الصداقات» ازاء هكذا محددات حشرتها قوانين الضد ماذا يمتلك شاعر مثل الشباني غير صرخة احتجاجه في مدياته الأعلى: « لا.. بوجه السلطان أصيحن لا وأكتب خوف الولايات ضيعنه مفاتيح الصدك وأغركنه بالنيات أسولف روحي بالشدات هاي الناس كل الناس مره اتموت وآنه الموت الك مرات ياحزنك زمن ميشوم أشتم بيك بالشدات» في ذلك النأي البعيد اذ يقف المنقذ صامتاً متأملاً وكما هو – في آخر الدنيا نبي- تحيطه هالة انتظارات وغناء ممنوع ومدن مسكونة بأحلام الفقر والثورة يبدأ الشاعر مسترخياً ينشد الرجاء كشفاً ومصارحة: «يهلبت واهس ابروحي يجيبك يوم جاهوه المفارك دوم مر ليلة مطر بالنوم» فصول من الغياب والانتظارات المريرة تقف كلها صاغية لأنين الشاعر وحزن شكواه لما فعلته به سلطة القمع ويأخذ باسترخاء كأنه يهمس للآخر الجريح شاكياً: « ذبحوني نذر ع الماي مشه دمي جسر ع الماي كتبوني على أهدوم النثايه أدموع رسموني أبجرايدهم حزن ممنوع ترسوني حياطين وسجج واعيون» ولاينتهي الا بصيحة تأخذ الغبش معها متوسلة ذلك الخلاص البعيد القريب، الهادئ الغاضب: « أخذني اوياك للوحشة شمس» هذه القصيدة تقف بفرادة واثقة كما فارس يقف على ضفة الفرات يومئ للعمر بانتفاضة وللحياة باستمراريتها وتظل بحاجة لدراسة أعمق وأدق مما أسلفت بعيداً عن رطانة أشباه المتعلمين في مدارس النقد الخاوية المتخشبة.

عرض مقالات: