"العبقرية مثل طاقة خلاقة قادرة في أي وقت وفي أي ظرف على الترويج للجدة".

شارل باتو

العبقرية هي التي تقوى على أدراك الطبيعة في علاقات جديدة, واذا كانت المحاكاة تحمل على الطبيعة وتحاكيها, فأنها ليست نسخة تابعة لها, بل فرصة خلق علامة غير مسبوقة وولادة متع بصرية جديدة, لهذا يلجأ الفنان سيروان باران دون أن يعرض نفسه للملل, متحاشياً التنميط, ممسكاً بالعاطفة البكر ليحول منجزه الى طاقة عقلية الى جانب الحماس والشعور والتخيل بالكشف عن الغرض أو عن الطبيعة طلباً لأستشارة أنفعالات غير معروفة خارجة عن المعتاد.

تحت عنوان "أنياب" قدم الفنان العراقي سيروان باران أعماله في كاليري أجيال بالعاصمة اللبنانية بيروت في الفترة 15/3 ولغاية 14/4/2018 التي أحالتنا الى عوالم ذات مفاهيم متكافئة لنظرية الشكل والمادة بإعطائه صفة السكون الخاصة بكل عمل, ليترك المتلقي يعيش لحظات الانفتاح والانغلاق الموجودة في أعماله.

 قد يكون طموح باران هو فهم البنية الوجودية للعمل الفني الى جانب مفهوم العالم الذي تنتمي اليه أعماله,فالعمل الفني لا يعني شيئاً ولا يحيل الى معنى ما مثلما تحيل اليه العلاقة  أو الإشارة "الكلب" هو الشكل الطاغي والموضوعي في أعمال باران بالرغم مما يحمله هذا الكائن الحيواني من أبعاد ميثولوجية  وردت عند الأغريق والفراعنة والمايا.

يقدم الفنان سيروان باران نصوصه البصرية المفتوحة  على أنه عالم مستقل قائم بذاته, تاركاً مساحة واسعة للمتلقي لاستقباله هذه النصوص من خلال مبدأ "متعة الرسم".

يلعب باران على سطح القماشة ليتصفح وبمعاصرة صفحات فن الرسم بروح التجريب. باران مسكون بالمعالجات التقنية, ومتمكن من ادواته التعبيرية وقدرته على أحالة اشكاله من حالة لأخرى بامتياز, ناهيك عن وفائه لسطحه التصويري كتماسك الكتل والبناء العلمي لطبقاته اللونية ليخلق أبعاداً ذاتية مشحونة بطاقات درامية عاشها الفنان في أزمنة مختلفة من حياته. يتجلى الشكل عند باران ليصبح في أعلى مناطق التعبير فهو يعتمد المدرك ليحوله الى محسوس بدرجات عالية من الأدائية, وعند النظر الى أعماله المعروضة كنصوص بصريةِ نلمس صورة البطل والضحية في آن واحد ليقدم كلاهما في نفس المستوى, فالضحية بطل والعكس صحيح من خلال رمزية الألوان الثلاثية المركبة (army colour)  كترميز للون الحرب والعسكر واحالة المتلقي لأزمان سابقة وحاضرة في السياق الموضوعي للمنجز, فيكتفي بالأشكال المسطحة دون ظلالها ليجسد بذلك فكرة الصراع الشرس الذي يصل ذروته بالانسلاخ وإظهار الكتل اللحمية وما تحتها لأشكاله المستكلبة, ترجمة لما جرى وما يجري.                                                                                      ما يطمحه باران على سطح لوحته هو الصراع والتشتت والتشرذم ,ليس بسبب من ينتصر في النهاية أو أظهار البطل, فهو يقدم  مفهوم الضحية كمفردة تحتل الصدارة, فهو اذن صراع دائم لينقل لنا صورة درامية مشبعة عن الحرب ونتائجه.

 مركز اللوحة هو اللوحة نفسها، ينقل المتلقي عينه من الكل الى الجزء مع الأحساس العالي في تجسيده لحركة الأشكال الساكنة, وهنا تكمن "متعة الرسم" حيث تقديم الشكل واللون بفيزيائية مقتدرة, وبالتالي إخراج اللوحة بصورتها النهائية, فالرسالة التي يبعثها باران هي لحفريات وطروحات وتراكمات حول التذييلات التي تتخفى وراء الواقع وأعلان للمسكوت عنه, وإعادة قراءة المهمش.

 اذن النتاج الفني عند باران يعد ضرباً جامعاً بين المتناقضين العقلي والخيالي لينتج عن ذلك حكم جمالي ذاتي وموضوعي مكوناً وسطاً أكثر نضجاً من الحكم الجمالي نفسه,ليتخطى بذلك حدود الشكل والمضمون, وخلق مساحات واسعة للتأويل وتوليد قراءآت جديدة تمكن المتلقي من المعايشة الحية للمنجز.