تعد انتفاضة تشرين في ذكراها الأولى ، فاتحة مسار شعبي يدرك حقوقه التي سلبت منه.

فما هو دور الثقافة والمثقفين في إغناء هذه الانتفاضة الباسلة ..رأيكم يهمنا وصوتكم يعنينا .

توجهنا بهذا السؤال الى عدد من الكتاب والاكاديميين والمثقفين العراقيين والعرب في الداخل والخارج، وتسلمنا اجاباتهم التي ننشرها تباعاً ...

المحرر الثقافي

****************

صوت الشعب ..

د. سعيد عدنان

درجتْ حكوماتُ العراق، منذ قيام الدولة في سنة 1921، على إغفال صوتِ الناس، وعلى إقامة حجاب صفيق بينها وبينهم ؛ تريد أن تُسمعهم، ولا تريد أن تَسمعهم ! غايتُها الأولى حفظُ كيانها، وبسطُ سلطتها، وقمعُ من ينتقدها ؛ تقمعُه بالسوط، وبالأكاذيب ترميه بها حتّى تَشينَه، وتسوءَ به القالةُ بين الناس ! فكان أن فسد الأمرُ ما بين الحكومة والشعب، وانعدمت الثقة، وصار كلٌّ منهما يُضمر خشية الآخر، ويتربّص به !

كان يغلِب على الحكومة، منذ نشأت، الإهمالُ ؛ إلّا ما يتّصل بكيانها فإنّها يقظة، حريصة، تُحسن حياطة نفسها ؛ أمّا الناس، ولاسيّما أهل الريف، والقرى، وضواحي المدن فنصيبهم من إدارة الحكومة التهاونُ بهم، وإسقاطُ حقّهم في حياة حرّة كريمة !

وقد صوّر الشعرُ جانباً من ذلك الإهمال والتهاون ؛ فقد قال علي الشرقيّ :

ما حياةُ الفلّاح فـي كنف الغرّ ...اف إلّا موتٌ طويلُ النزاعِ

كجروحٍ في جسم ميْتٍ كريمٍ ... السواقي ما بين تلك البقاعِ

وقال أحمد الصافي النجفي :

ياريف إنّ كتاب بؤسك مشكلٌ ... يعيا بحلّ رموزه الشرّاحُ

ولولا إهمال الحكومة، وقصورها لاستقام أمر الريف، وجرت حياة الناس فيه على ما ينبغي أن تجري عليه. ولقد تلبّس الحكوماتِ المتعاقبةَ الإهمالُ والقصورُ! ولعلّ مردّ ذلك أنّ الدولة، برمّتها، حين قامت، لم تقم على مفهموم سليم يستوعب المجتمع كلّه، ويرتقي به ؛ فقد كانت دولة طبقة أو فئة، ولم تكن دولة مجتمع .

لقد كان على الدولة الناشئة أن تُخرج المجتمع من ظلمات العصر العثماني إلى أنوار العصر الحديث، وأن تكون لها خطّةٌ محكمةٌ في التعليم، والصحّة، ومشاريع الزراعة والصناعة ؛ لكنّها سارت في هذه السبيل متباطئة، ثقيلة الخطى فلم تقدر أن تقود المجتمع نحو ما يحقّق له العيش الكريم .  قال الجواهريّ في سنة 1923 مصوّراً ما انطوت عليه تلك البنية من خلل :

قد كنتُ أقربَ للرجاء فصرتُ أقربَ للقنوط

كلُّ البلادِ إلــى صعودٍ والعراقُ إلــى هبوط

فقد كان التعليمُ منقوصاً، وكانت إدارةُ شؤون الزراعة والصناعة مختلّة، وكانت الرعاية الصحيّة مقصورة على المدن،  وكان الفقر وسوء العيش يغلبان جمهوراً واسعاً من الناس، وبجملة الأمر، كان ميزان العدل مختلّاً !

لقد كان بين الدولة، بكلّ حكوماتها المتعاقبة، وبين الناس بونٌ ؛ نشأ ضيّقاً، ثمّ لم يلبث أن اتسع على مرّ السنين، وكلّما اتسع زاد ضيمُ الناس، وتضاءلت حقوقهم . يقول الجواهريّ في سنة 1927، وقد ألبس دجلةَ، وهي في عنفوان فيضانها، شيئاً ممّا يتخلّج في المجتمع يومئذٍ :

ودجلةُ حرّةٌ ضيمتْ فجاشتْ ... ويأبى الضيمَ والإذلالَ حرُّ

أضاعوا ماءها هدراً وأخنى ... على مستودع البركات فقرُ

وكلّ مضيم لا بدّ أن ينتفض، وأن يدفع عنه الضيم أو شيئاً منه !

ولعلّ ممّا أخلّ بالدولة، حين نشأت في سنة 1921، أنّه لم يصحبها فكر فلسفيّ يرسم مسارها، ويضع حدودها، ويُبيّن ما لها وما عليها ؛ وقد ظلّ هذا النقص عالقاً بها يُربك سيرها، وسير مؤسساتها، ويطلق يدها، فيجعل صورتها عند الشعب مُخيفةً توجب الاحتراز والحذر !

لقد شاع أنّ الحقّ كلّه مع الدولة، وليس عليها شيء ؛ فإذا أعطت فإنّما هو تفضّل منها، وإذا منعت فليس ثمّة من يسألها، وإذا سُئلتْ رفعتْ سوطها ! وقد أفضى ذلك إلى مزيد من الظلم، وهدر الحقوق ؛ يقول الجواهريّ، بعد ثورة العشرين بعشر سنوات :

قبلَ أن تبكي النبوغ المضاعا ... سُبَّ من جرّ هذه الأوضاعا

سُبَّ من شاء أن تموتَ وأمثا ... لُكَ همّاً وأن تروحوا ضياعا

بعد “عشر” مشت بطاء ثقالاً ... مثلما عاكست رياحٌ شـراعا

عـرّفـتْـنا الآلامَ لـونـاً فلـونـاً ... وأرتْـنا المماتَ ساعاً فساعا

ويُستفاد من شعر الجواهري، في هذا المورد، وفي غيره من موارد شعره، أنّ ثورة العشرين لم تحقّق مبتغى الشعب، وأنّ الضحايا ذهبت سدى، وكذلك حالُ ما شهد البلد من انتفاضة، ووثبة ؛ إذ ينتفض الشعب، ويثب، ولكنّ الحكومة تظلّ على نهجها في إضاعة الحقوق، وإغفال عامّة الناس، وهدر كرامتهم ؛ ذلك أنّ بنية الدولة هي هي ؛ لا تقدر أن تستوعب المجتمع كلّه، ولا تريد !

وحين قام تمّوز في سنة 1958، وكان عنيفاً صاخباً مصطبغاً بالدم ؛ فإنّما هو، بوجه من وجوهه، إجابةٌ عن تلك المظالم، وردٌّ عليها .

لكنّ الجمهوريّةَ حين قامت لم تلبث أن انحدرتْ في طريق الضياع، ومظالمَ العهد الملكي لم تكد تزول حتّى نشأ ماهو أشدّ منها ظلماً، وأبعد منها إيغالاً في هدر كرامة الإنسان ! وكأنّ بنية عميقة تحكم مسار الأمر، وتدفع نحو الظلم، وطغيان أولي الأمر في كلّ عهد !

ومن أجل أن يستقيم الأمر بين الدولة والشعب لا بدّ من صيغة واضحة ترسم لكلٍّ ما له وما عليه . على الدولة، في أوجب ما يجب عليها ؛ أن تُقيم أمرها على مبدأ المواطنة، وأن تجعل الناس على صعيد واحد لا تتقدّم بهم إلّا كفايتهم،وأن تحقّق للشعب، كلّ الشعب، عيشاً كريماً يحفظ على الإنسان كرامته، ويرتقي به ؛ وسبيلها إلى ذلك الزراعةُ، والصناعةُ، والتعليمُ، ورعايةُ صحّة الناس، ووضعُهم على منافذ العمل المفيد ؛ فإذا حقّقتْ ذلك أعلنتْ شرعيّتها، وإذا أخلّتْ به عادتْ شرعيّتها منقوصة ! بل لاشرعيّة إلّا بما يحفظ حياة الناس، ويصون كرامتهم !

لا بدّ للدولة، بمؤسساتها كلّها، من أن تسمع صوت الشعب، وأن تكون معه في ما يحقّق له العيش الكريم...!

*************

الانتفاضة .. رهان العراقيين على المستقبل

د. محمد فلحي*

مراهنة العراقيين على المستقبل تتجه نحو تعزيز دور الفئات العلمية المثقفة، واعتماد الكفاءات العلمية في المناصب المهمة،فالمثقف الحر مصدر إشعاع وعطاء وإبداع لا يعيش ولا ينمو إلا في بيئة شعبية سليمة،لذلك وجد الكثير من المثقفين أنفسهم منخرطين تلقائياً في الحراك الجماهيري،منذبدايته،وأصبح بعضهم أيقونات ساطعة في المشهد الإعلامي والإبداعي المساند للتظاهرات،ولا شك ان وجود المثقفين في ساحات التظاهر يضفي على فعالياتها صبغة الوعي في تحديد الأهداف الشعبية والتعبير عنها  من خلال شعارات وطنية خالصة،وسيكون صوت المثقف مثل بوصلة الوطن أمام الشباب المتحمسين الذين قد يندفعون نحو العنف، ويبتعدون عن  مساحة الاحتجاج السلمي،وقد تجرفهم تيارات التدخل الخارجي وتشوه قضيتهم المشروعة الواضحة.

إن حضور المثقفين ومشاركتهم فعلاً وعطاء، في قلب التظاهرات، يجعل الوعي حاضراً والفكر فاعلاً،وهو يرسم صورة مشرقة للمطالب الوطنية،وينقذ العقل الجمعي من الفوضوية،ويعيد مسارات الاحتجاج في الشارع الساخن إلى طريقها المستقيم من دون انحرافات خطيرة!

ـــــــــــــــــــــــــ

* أكاديمي وإعلامي

***************

تشرين وأزمة المثقف

د. أحمد الزبيدي*

انتظمت صورة المثقف ومهمته، على وفق التصور الغربي، في تحقيق التنوير والحداثة والكلام في الحقيقة مع السلطة، ولذلك يرى الماركسي الإيطالي انطونيو غرامشي أن معيار تمييز فعاليات المثقفين عن سواهم من الجماعات الاجتماعية لابد أن يُبحَث عنه لا في الطبيعة الداخلية لهذه الفعاليات بل في وظيفتها الاجتماعية، وقدرتها على (القيادة الثقافية) المنطلقة من المصالح الاجتماعية وفعالية الخطاب القادر على زحزحة الثوابت الفكرية والثقافية وتحريك الذوق وبوصلة الرأي ببنى عقلية تنفلت من أطر الالتزام .. ومهمة كهذه تجعل من المثقف ثائرًا أكثر مما تجعله عارفاً، ومنتميا أكثر مما هو مستقلا، ولذا فإن المصطلح الشهير (المثقف العضوي) يختزل تلك الصفات بما ينسجم مع (المصالح الاجتماعية) الغرامشية ..

وعلى وفق التصورات الفكرية والفلسفية للمثقف، فإن فاعليته الحرية تكمن في التمرد والتصارع مع الخطابات الراكدة والسلطوية اللاهوتية والفوقية، ولعل مصطلح  (المثقف) لم يكن متداولا وليس له مفهوم بهذا المعنى في التراث العربي، بل على العكس فإن دلالة المثقف، عربيا، باتت تعني عند البعض (الخنوع) والاستقامة و(ابن الحمولة!) لأن مركزية السلطة تقوم على قداسة الثوابت وشرعية وجودها سواء كانت مرجعية للحكم أم كانت حكما مباشرا في المزاولة والتداول، وهذا ما أدى إلى أن تكون إحدى أهم مهام السلطة هي السيطرة على القيادة الثقافية ومنحها وظيفة إدارة الخطاب الموازي لخطاب السلطة الحاكمة وجعلهم حرفيين يمارسون الوظائف التابعة للطبقة السياسية الحاكمة، وحين يبرز صوت المثقف المعارض واللامنتمي للسلطة فإنه يبرز على وفق مرجعيات سياسية وآيديولوجية منتظمة ينتمي إليها ليمنح طاقاته الثقافية انتظاما خطابيا يحقق التأثير عبر الصراع مع السلطة، ومن هنا فإن الطاقات الثقافية المعارضة الفردية أقل نسبة بل أقل حضورا من الاتساق النضالي بمرجعيات سياسية..

إن غياب النظام الفردي البعثي الدكتاتوري لا يعني غياب (النسق / الوظيفة) لأن نظاما جثم على جسد البلاد لخمسة وثلاثين عامًا واستغل كل قدراته السلطوية لتشريع وجوده، فمن الطبيعي أن تتسرب سياقاته المختلفة إلى مفاصل الحياة ومنها سياق (الثقافة) و(المثقف) وحين انبثقت ثورة تشرين في العام الماضي وبمشاركة جماهيرية واسعة، فإن المثقفين توزعوا حسب (مرجعياتهم الثقافية) فوجدنا المثقف الحقيقي المتمرد المؤازر للخطاب الثوري الجديد ووجدنا المثقف الملتزم (الحباب)  الداعم للسلطة على أنها جاءت من رحم قيادات نبيلة ومقدسة!! ومنهم من آثر الصعود على الجبل وارتضى استقلاليته وتقاعده المبكر وإحالة موقفه على (المعاش) .. ولكن التساؤل الأهم عن دور المثقف في التظاهر ومدى فاعليته في تحقيق (القيادة الثقافية) فحين ننظر إلى قدحة الثورة وانطلاقها نجد أن اللا (قيادة) هي السمة البارزة على الحراك الشعبي، وهذا ما أخاف (السلطة) واتخذتها (جملًا)  لتكيل اتهاماتها للثوار بأنهم (عملاء السفارات) أو على الأقل أن قياداتهم ينطلقون من أجندات خارجية غربية وتآمرية ! إذ اعتادت السلطة على أن ترى خصمها الثائر ينطلق من شرعية قيادية دينية وآيديولوجية هي جزء من نظام السلطة، فثورة لا قيادة لها اخطر الثورات من أشد الأساليب قلقا للسلطة. وهذا ما قاد تلك الأحزاب التي كانت تتكئ على هويتها المنتظمة وقداستها الرفيعة أن تشارك وتمنح نفسها صفة (القيادة) و(المظلومية) في الوقت نفسه، ولم يكن لهذا الأسلوب أثر سياسي وحسب بل انعكس على المثقف الذي بدأ يشعر بحراجة الموقف وتحجيم الدور، لأن الحضور الديني في التظاهر يعني التسلط على الخطاب المدني الذي انطلقت منه الثورة، وعليه فإن الحضور المباشر في ساحة التظاهر يقود إلى المشاركة مع الضد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.. وهذا ما قاد بعض الأصوات الثقافية إلى مغادرة التحرير بعد أن شعر بالتفاف القيد حوله .. وأصبحت الثورة الشبابية تعتمد على ردة فعلها تجاه الممارسات السلطوية القامعة والقاتلة للأحرار فكان حضور الميديا أشد نفعا وأكثر تأثيرا من  المقالات والقصائد والخطابات اللغوية الأخرى، بمعنى أن ردة الفعل تجاه الممارسات السلبية هي من تقود إلى الفعل الثوري الإيجابي ..

أن المثقف ما زال في موضع (الدفاع عن الاعتراف) بوجوده كونه مثقفا، إذ إن غياب البعد المؤسساتي للبنى الثقافية وهيمنة الخطابات الآيديولوجية المتناحرة أدى إلى عدم تشكل طبقة ثقافية قادرة على تحقيق خطاب تنويري فاعل   يوجه بوصلة الرأي العام على وفق مرجعيات مدنية، ومن ثم فإن المثقف الموظف يتحرك بفاعلية أكثر لأن طبيعة المؤثرات في المجتمع العراقي هي مؤثرات آيديولوجية أكثر مما هي معرفية، واللامنتمي أو الحر لا يجد مساحة كافية لغرس بذوره التنويرية وإن شمت السلطة رائحة صوت مدني تنويري، قد يكون خطرا عليها، فإنها تتبع الوصية بمنع (منكره) بأضعف الإيمان أو بـ (قتله) وهو أقوى الإيمان ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث واكاديمي / رئيس تحرير مجلة (الاديب العراقي)

***********

انتفاضة الروح العراقية

طه الزرباطي*

أروع ما أنتجته الانتفاضة الروح العراقية ، بتجاوز كل ما رُسِمَ في دهاليز الظلمة من اجل صناعة وطن مُتشرذم ، متقاتل ، متخاصم ، وربما تلمست الروح العراقية بخوف شديد تلك المرحلة التي قسمت مدنا الى حارات طائفية ،او اثنية . فكانت الانتفاضة صرخة عميقة وشجاعة ،وصحوة فاجأت من راهن على فُرقتِنا،ورسالة ذات مغزى ،لو استوعبتها القائمون على السياسة في الداخل والخارج .

 دور المثقف تأخر كثيرا ، وكاد الكثير ممن وضع نفسه تحت يافطة المثقف أن ينجر الى صناعة الاختلاف الذي حيك في الظلام و كان على للمثقف أن يكشف تلك اللعبة اللعينة ، كان على المثقف أن يتبنى المواطنة ،وبناء الوطن المؤسسي ، وأن يكون أكبر من كل ما خطط له . لكن اليوم اصبح للمثقف العراقي ، كلمة ، وحراك ، ونزف ، وكلمة .. الانتفاضة أعادت الامل الى الروح العراقية اولا قبل موضوعة الخدمات ،والحقوق ،ولابد من القول أننا نتنفس أملا عراقيا ،وانعطافة نحو صناعة الغد ...ولابد أن نؤكد ان الطريق مازال طويلا امام العقل الجمعي العراقي ...بوركت الانتفاضة ، وسلم العطاء المكلل بالشهادة ...

ــــــــــــــــــــــ

*  كاتب وشاعر

**********

دور الثقافة والمثقفين في إغناء الانتفاضة

ايسر الصندوق

عند عتبات الذكرى الاولى لأنتفاضة تشرين الأول نستعيد ذكرى الاحتجاجات العراقية في ساحات الاعتصامات ولحظاتها المنسوجة بين جميع شرائح المجتمع العرافي وأصداءها في ارجاء العالم ,  اذ كان للمثقف الواعي دوراً متميزاً في تأطير الجهود المتميزة من ابداع مترجم للمواقف والاحداث الى لوحات ناطقة بمجريات تلك الاحداث .

كثير من المشاهدات الادبية والثقافية قدمها الادباء والمثقفين الى جانب المحتجين ومنها تغيير ملامح الجدران الى جداريات ملونة من اجل ايصال صوتهم وما يرمون اليه من مطالبات من خلال تلك الجداريات .

وحسب أقوال الفنانين الشباب انها ثورة فنية اخرى تضاف الى الانتفاضة , وبهذه الثقافة قد أعادو رسم خارطة العراق على جداريات تحمل شعارات وامنيات كثيراً ما سعوا الى نيلها وتحقيقها .

كان لضرورة أحتجاج المثقف الى جانب الشباب المنتفض في إيقاد الحظة العراقية التأريخية  وتشكيل لظاهرة ثقافية واجتماعية تعد منجزاً ثابتاً يحفر في الذاكرة العراقية من اجل رمز الاحتجاج العراقي وهذا منظور ثقافي وابداعي جاءبعد سلسلة من التضحيات والمواقف أسوة بما قدمه العالم في ثوراتهم  ووقوف الادباء الى جانب المحتجين أمثال الفيلسوف سارتر وفي قولة المشهور “ السلام هو الحرية”.

ــــــــــــــــــ

* كاتبة

**************

الانتفاضة .. رفض للخراب السياسي

قاسم محمد مجيد*

من البداهة  أن المعاناة  اليومية للإنسان العراقي  افرزت منذ البدء موقفا  شجاعا “رافضا “ من مثقفي العراق الذين تصدوا لمشاريع الخراب  للطغمة السياسية الفاسدة والفاقدة للشرعية ولم يقف   المثقف العراقي طيلة اكثر من عقد ونصف  , موقف المتفرج او المحايد  تجاه الموت العبثي   والفساد   والصراعات الاثنية والطائفية  ورغم محاولات الاغتيالات  والخطف والترهيب والاخفاء القسري فقد قدم المثقف العراقي أنموذجا للتلاحم  مع شعبه  وقضاياه المصيرية  وقبل انطلاقة ثورة الشباب في تشرين 2019 كان للمثقف دورا في الاحتجاجات  في اعوام 2011 - 2012 - 2015 في عودة للذكرى الاولى لثورة تشرين نجد ان المثقف العراقي كتفا لكتف مع الشباب الثائر  ليقول وبصوت واحد كفى لساسة الخراب والفساد.. كما كانت خيم الاتحادات والنقابات  تشهد الفعاليات العديدة وقدم المثقفون في هذه الانتفاضة المباركة الكثير من الشهداء والجرحى والمغيبين, وساهمت الانشطة والفعاليات الثقافية والفنية  في تحريك الشارع  العراقي  وكسر حاجز الخوف على الرغم من التضحيات الجسام التي قدمها الثوارعلى مذبح الحرية والكرامة, ثورة تشرين  ليس حدثا” عابرا” بل هي  نقطة تحول تاريخي كبير  وان أي محاولة لاحتوائها  هي محاولة فاشلة  فالانتفاضة مستمرة  في احتجاجها حتى  التغيير واستعادة وطن  أراد الطغاة ان يطمسوا هويته  الوطنية لصالح هويات فرعية المجد للشهداء والعار للقتلة والنصر قريب.

ــــــــــــــــــ

* كاتب وشاعر

**************

مشاغل الثقافة في ذكرى الاحتجاج السنوية

د.جواد الزيدي

على الرغم من الأعداد المتواضعة لأصوات المثقفين أمام الكثافة الشعبية عندما نحتكم الى فلسفة الكم والكيف في المقاربات الاجتماعية وفاعلية التأثير ، ألا اننا نجد أن صوت المثقف بمختلف اتجاهاته وتنوعات اشتغالاته هو الأكثر تأثيرا في اوساط السلطة والقوى المتنفذة والممسكة بالقرار الحكومي لأنه يمتلك ادوات التأثير من خلال امكانيته في توظيف كل المقومات والتقنيات من أجل الوصول بصوته ، بوصفه صوتا معبرا عن ضمير الناس . ولعل الجموع الواسعة بحجمها الكمي تنتظر هذا الانموذج النوعي للاستدلال به مرة والاسترشاد بنصائحه في اخرى والتأكيد على صحة المسار وتصحيحه في المنعرجات الاحتجاجية الكبرى ، فهو يمثل شريحة تضيء عتمة الاشياء وتعلن تكاملها مع المجاور في الحقل نفسه مثل بقعة اللون وسط المختلف من الألوان ، وهكذا يعلن المثقف تفرده وخصوصيته التي تنتمي الى الايجابي في كل الأحوال على الرغم من سلبية البعض او سكونه طبقا لمصالح شخصية او فئوية يمكن أن تعطل مسار الذات من انتاجها الخصب والموشح بمحبة الوطن والناس . وهذا يفتح السؤال عن دور المثقف في الحياة العامة واذا ما توصلنا الى ذلك الدور وتلك الأهمية فأنه يحيلنا الى تقسيم آخر يقترن بالمفهوم الغرامشي عن عضوية الثقافة والمثقف وترديداته لمطالب الناس العامة وتبينها في مشروعه الحياتي والنقابي والثقافي بمختلف عناوينه العامة والخاصة وعندها يتحول الخاص الى عام وهنا يكمن الدور الحقيقي للمثقف والمبدع حين يتنازل عن ذاتيته لصالح الذات الجمعية وينصهر بها من أجل ترميم البنية الاجتماعية وتعديل مسارها بما يخدم الجميع وتأثيث امكنة الوطن التي خربها الفاسدون والقتلة .

بيد أن المثقف الحقيقي ورصده المثابات الجديدة والممتدة الى مباديء الثورية في الفعل الجمالي حتما سيقترن بمفهوم المثقف العضوي لأن متبنياته الكبرى تصب في خانة الصالح الاجتماعي . وهذا ما يمكن أن ننطلق منه لتوصيف الذكرى السنوية للاحتجاج التشريني الذي شكل فيه المثقف رأس الرمح في الشروع للمطالبة بمستحقات عامة أدت الى تغييرات حكومية ووعودها بتغييرات دستورية محتملة على صعيد تعديلات الدستور وقانون الانتخابات وحزمة الاصلاحات الأخرى . وعلى الرغم من المسار المتعثر الذي مرت به حركة الاحتجاج بفعل الظروف الموضوعية التي اجتاحت العالم بسبب الوباء واشياء أخرى اقترنت بالتغيير الحكوني وانتظار تحقيق المطالب الجماهيرية أضطرت حركة الاحتجاج الى السكونية في بعض مفاصلها الزمنية ومراجعة مسار الحركة بشكل نقدي ، ولكن هذا لا يعني التخلي عن الأهداف النبيلة والسامية وكان المثقف أكثر المؤثرين ضمن هذا المسار الزمني لأنه يمتلك وسائله الخاصة في الصحافة والمسرح والموسيقى والبث الفضائي والمعارض التشكيلية بخلاف المتظاهر أو المحتج الذي كانت وسيلته الوحيدة هي التواجد الفعلي في الساحات وأماكن الاحتجاج ، واستمرت بعض المنظمات التي تبنت هذه السياسة منذ البداية في توجيه فعالياتها ونشاطاتها قدر الامكان من تكثيف التفاعل وتواصله دون انقطاع فكانت حلقات اتحاد الادباء وفروعه في العراق الالكترونية وعناوينها التي تلامس الوجع العراقي وتتنوع حتى تصل الى المشاغل الثقافية في هذه اللحظة التاريخية التي يمر بها الوطن من خلال نشاطات يومية ترصد الفعل الثقافي والابداعي وتوظيفه على صعيد المدونات أيضا وصولا الى قرار اعادة الفعاليات بشكل مباشر ، اذ تم اصدار عدد من المجاميع الشعرية والقصصية وبعض الروايات مع الدراسات النقدية التي كانت تشير الى الظروف التي قادت الى الاحتجاج وما تحقق عنها ، وهذا الفعل سيكون وثيقة لما كان أو يجب أن يكون ، فضلا عن تثوير الفعل الاحتجاجي ومشاركة المثقف في أعادته الى الحياة في الأول من تشرين ، كما أن مجلة (رواق التشكيل) الصادرة عن جمعية التشكيليين العراقيين كرست عددها الثامن الى نشر مدونات نقادها عن فلسفة الاحتجاج وتأريخه وامكانية توظيفه في الخطاب المرئي لكي يصبح وثيقة مرئية لقدرة المثقف/ الفنان على التعامل مع الوقائع والحوادث والارهاصات الاجتماعية ، فضلا عن اقامة مسابقات بهذا الشأن وتكريم الفنانين الكرافيتيين الذين اسهموا في صياغة خطاباتهم على جدران ساحة التحرير ومقترباتها ودعم الأصوات التي أغنت هذا المسار وتدعيم تجاربها في اللاحق من الأيام وهو ما يستشعره المواطن العادي والمحتج في دور الثقافة التي يجب أن تكون ، لأنها ثقافة وطن بعيدا عن تفصيلات اختلاف الذاكرة العراقية على بعض المسائل الأخرى ، لأن ما يمر به الوطن هو هموم عامة ومشاغل كبرى لا يمكن الاختلاف عليها حتى من قبل الصامتين من المثقفين . كل هذا الذي جرى خلال السنة المنصرمة يمكن أن يعود بكثافة أكبر ، لأن هذه السنة بلورت الكثير من التوجهات وحاولت تنقية بعض الأفكار من الشوائب العالقة بها من أجل ثورة مجتمعية وثقافية يمكن لها أن تستبدل الكثير من المفاهيم على صعيد الثقافة وتحديد الأدوار التي تلعبها بما يؤسس الى ثقافة وطنية اتضح فقدانها في بعض اللحظات التاريخية ، ولكن امساك الأغلبية بالثوابت الوطنية هو الذي سيضيء عتمة المشهد في الأيام المقبلة ويضع المسار في طريقه السليم مدعوما بفعل الجماهير وايمانها بأهمية الثقافة على اعتبار أن الصراع الآن ثقافي بامتياز بين ثقافة التجهيل وثقافة التنوير والحرية من جهة أخرى تلك الأخيرة التي يجب أن تسود .

ـــــــــــــــــــ

*فنان واكاديمي

************

المثقف الحقيقي

د. معتز عناد غزوان*

لاشك ان المثقف الحقيقي هو من يقود المجتمع نحو جادة الصواب لاسيما انه من خبر هذه الحياة بما يمتلكه من مجسات عميقة تفاعلت مع ما يحيط بمجتمعه من ظواهر ايجابية كانت ام سلبية، والمثقف العراقي التشريني  هو من لامس تلك الحقيقية وعانى من عذابات سنين الفساد والمحاصصة والمحسوبية التي غدت تنخر جسد بلادنا الجميلة الغنية والعذبة برافديها ونسماتها الجميلة.. لكل العراقيين .. المجد للشهداء ... والنصر لأبناء العراق المخلصين ... والكلمة ستبقى اقوى من رصاصات الغدر ..

 

ـــــــــــــــــــ

*باحث واكاديمي

**********

موقف المثقف من الانتفاضة

صادق الطريحي

من الواضح جدًا للجميع، الأهمية السّياسية والاجتماعية لانتفاضة تشرين، ودورها في وضع صورة السّلطة أمام العالم والشّعب، ولعلّ من المَهمات الأساسيّة للمثقّف والثّقافة هي المشاركة في هذه الانتفاضة عن طريق الكتابة، أو الرّسم، أو السّينما، أو ... بحسب اختصاص المثقّف، وموهبته، وقد شهد الأدب العراقيّ تفاعلًا بينه وبين عدد من الأحداث السّياسية، بين مؤيدٍ لها، أو صامتٍ عنها، أو معترضٍ عليها! وغالبًا ما يكون الصّوت المعترض، هو صوت هامشيّ، ولن يحظى لا بعطف الجماهير الثائرة، ولا بقبول السّلطة القائمة؛ لأنّها تفكّر دائمًا بـ من ليس معي، فهو ضدّي!!

أنّ الكثير من المثقّفين العراقيين قد تعاطفوا مع الانتفاضة، بل اشتركوا بها فعليًا من خلال التّظاهر، والاعتصام، والإعلام على صفحاتهم في مواقع التّواصل الاجتماعيّ، فضلًا عن نشر نصوصهم الشّعرية أو القصصيّة في الصّحف والمجلّات العراقية والعربية. ويجب أن اسجّل هنا أنّ الصّحف التّابعة للدّولة مثل جريدة الصباح مثلًا، قد نشرت الكثير من النّصوص المؤيّدة للانتفاضة، فضلًا عن الصّحف الأخرى في العراق.

ولم يكتف المثقف بالنّشر في الصّحف، بل أصدر كتابًا خاصًا بنصوصه التّشرينية، وعمدت بعض المنظّمات الأدبية إلى جمع النّصوص المنتفضة لعدد من الكتّاب لتصدر في كتاب مشترك، وزّع اثناء التّظاهرات، بعد قراءات شعرية لبعض المشتركين.

ــــــــــ

* كاتبة

*************

الانتفاضة والاعلام

جواد ملكشاهي*

ان انتفاضة تشرين تعبير حي عن ارادة غالبية الشعب العراقي الذي اكتوى بنيران احزاب الفساد والفشل ويسعى للتغيير قبل ان ينزلق البلد الى الفوضى ومن ثم الى الهاوية.

ونحن نعيش اجواء الذكرى الاولى لانتفاضة تشرين المجيدة الكبرى ينبغي للجميع مساندة ودعم و مساندة الانتفاضة بجميع السبل المتاحة، لان هذه الانتفاضة هي المخرج الاخير لأنقاذ البلد من التدهور.

اما طبقة النخب والمثقفين فتقع عليهم مسؤولية كبرى في هذه المرحلة الصعبة من تأريخ العراق، فعلى جميع اصحاب الاقلام الحرة والمنابر الوطنية ان يسهموا بشكل فاعل بتوعية الجماهير وتنوير الرأي العام بما يدور في البلاد من خطط ومؤامرات تنفذها قوى الظلام  والتخلف التي عاثت بالبلاد دمارا وفسادا.

ــــــــــــــــــــــــ

* كاتب وصحفي