فقدت الأكاديمية العراقية على امتداد مسيرتها عددا من نجومها المضيئة التي كان لها منجزها العلمي الذي يصعب تعويضه، في الوقت نفسه الذي ضربت لنا فيه هذه النجوم المثل على السلوك التربوي السامي، في التعامل مع طلبتها واحتضان مواهبهم وتذليل مصاعبهم، والسخاء العلمي معهم.

شمائل شخصية
وإذا كان لا يساور طلبة الدكتور عناد غزوان وزملاءه، ومن شهده يحاضر في قاعة الدرس أو يناقش في قاعة المناقشات العلمية شك في أن الرجل واحد من أبرز هذه النجوم، فإن من المؤكد أن للأستاذ من المزايا والشمائل ما يجعل منه نسيج وحده، بين سائر الأكاديميين.
يمتلك الأستاذ وجها طفولياً، يجعله محببا لكل من يطالعه، يزيد هذا الوجه وضاءة أن أساريره تفترّ بمجرد أن تبادهه باللقاء أو تستوقفه بالكلام أو يمر من أمامك، فمهما نبشت في ذاكرتك فإنك لن تجد في مخيلتك محيا الرجل منفصلا عن بسمته الإنسانية الوديعة. وإذا تذكرنا بسمة الدكتور فإننا لا بد من أن نتذكر حبه للمرح والنكتة التي أكسبته خفة ظل جميلة بين زملائه وطلبته الذين منحه تواضعه إزاءهم وتبسطه معهم قدرا من الألفة والاعتزاز والحب. ولطالما كانت ضحكته المميزة الرقراقة القصيرة علامة على حضوره لدى محبيه.
مما يذكر للأستاذ صدقه في احتضان طلبته، وحرصه على متابعة منجزهم خطوة خطوة، مع تقديم كامل خبرته العلمية الجليلة بين أيديهم، وفتح سبلها أمامهم، ومن بينها فتح مكتبته الشخصية لهم، وإرشادهم إلى ما فاتهم من أمور. ولعل من سجاياه التي يذكرها طلابه دماثة خلقه في التعامل مع نواقصهم وأوهامهم التي يعالجها بخفة ليس فيها للمباشرة سبيل.
وإذا كنا لا نختلف في جمال عبارة الدكتور عناد وإشراقه أسلوبه في الكتابة، فإننا نحس في حديثه الشفاهي فعل السحر، فهو خطيب مفوّه معاصر، يمتلك أعنّة الكلام ويصرّفها كيفما شاء، يزيد حديثه طلاوة وإيقاعا تلك النغمة التي تميز صوته وتمنحه رتما خاصا آسرا، يتمنى من يستمع إليه لو أنه لم يتوقف.

نهجه الأكاديمي

يعرف من تابع الأستاذ أن مما يميزه بين كثير من أقرانه وزملائه الأكاديميين أنه لم يكن أستاذا أكاديميا حسب، إذ جمع الرجل بين دوره الأكاديمي المهم ودوره في الحياة الثقافية والأدبية، فقد كان متابعا جيدا للمشهد الثقافي العراقي، حاضر الاستجابة لدعوات المؤسسات والشخصيات الثقافية، داخل العراق وخارجه. أما على مستوى التخصص الأكاديمي، فلا يكاد امرؤ يعرف للأستاذ تخصصا محددا، فإن سألته في اللغة وجدت له آراء طريفة، وإن التمست له رأيا في قصيدة جاهلية أو عباسية أو في شاعر من شعراء مرحلة الانحطاط أو في قضية من قضايا الحداثة الشعرية أو في منهج نقدي (سياقي أو محايث)، حداثي أو ما بعد حداثي، وجدت له مواقف وآراء ضافية لمناقشة ذلك كله، ما يدلل على متابعة الأستاذ لقراءاته، وامتلاكه بعدا موسوعيا، مع انحياز واضح محسوم لموضوعة الحداثة.
جمع الأستاذ بين مهام البحث والترجمة والنقد والتدريس، فكان على مستوى الدرس النقدي ناقدا يطمح إلى تطبيق ما يشبه المنهج التكاملي في ممارساته، مع ميل نحو المزج بين ما هو جمالي وانطباعي مدرب.

عرض مقالات: