التراكم المحكوم بالانضباط والناظم لسرديات غفيرة، صغيرة وكبيرة، بعض منها يتمركز حاضراً في التداول الذي يغذيه الأفراد والجماعات عن طريق التواصل، وتمنحه ديمومة التكوين والسيرورة، ويحوز على تمثيلات لأهم الأحداث والوقائع التي اختزلتها الذاكرة بوصفها سرديات لعبت دوراً جوهرياً في تكوين الهوية الوطنية المتنوعة في تمثيلاتها للقوميات والطوائف، وأعني بالسرديات ما ابتكره المخيال الشعبي وأثراهما بالجدل والحوار الداخلي والخارجي كما قال “ بواز شوشان” الذي أضفى الشعرية على الحوار المتنوع المتراكم في خزان الأفراد والجماعات بعيداً عن التاريخ الرسمي الممثل للسلطة التي تعني في مفهوم شعريات التاريخ كل القوى الممتلكة لثقافة القوة والهيمنة والإخضاع. لكني أعتقد بأن السرديات التي تمثل اللاشعور الواعي وغير الواعي، ذات طاقة جوهرية محتدمة في خزان الجماعات كرموز لها وشيكات مضادة للمرويات الرسمية التي هيمنت وتنامت ضاغطة منذ سقوط النظام الفاشي الدكتاتوري. وكرست ايدلوجيا دينية، وظفت عقائد وطقوس، لعبت دوراً ضاغطاً ومعطلاً لامكانات تحقق التحول الايجابي في مؤسسات الدولة وأركانها، لكن العكس هو الحاصل، وحصل ما لم يعرفه العراق من تفتت العناصر المجتمعة وتفككت جغرافية الوطن واتسعت فيها منافذ التسرب للخارج وتشجيع كل مظاهر تدمير الطاقات الوطنية وإضاعة الفرص الحقيقية كالتعليم وإفساد الثقافة والإيحاء للشعبويات بأن الدين هو كل الثقافة ومثل هذا الوهم هو الدمار الذي ضغط الضمائر الحية، والعقول الواعية، وهي الشباب الممثلة لسرديات لم تعد راضية بالتراكم ومكتفية به وسط خزان التاريخ، بل تفجرت بغفير خلياتها الجبارة يوم 1 تشرين الذي اختصر تاريخاً طويلاً ووقائع عميقة غلفها سواد الفساد والانحدار نحو الهاوية التي فتحت الأبواب الى الجماعات المتخلفة الزاحفة من الريف الى المدينة، ونشأ صراع متوقع وتبلورت جماعات ذات وظائف، لعبت دوراً خطيراً في تفتيت الجماعات التي أدركت الخطر ورياح الجرائم والمخدرات. لذا كان يوم “1” تشرين إعلاناً كالمرآة، كاشفة حقائق الجماعات الشبابية التي أدركت بأن العقل هو الذي يحدد مسلك الحراك الواجب الذهاب به نحو الآتي على الرغم من أبشع الجرائم التي رسمت لها العمائم السوداء والبيضاء  ولاحقت الشباب الروح الحية والطاقة التي لم تهدأ على الرغم من القتل العلني بأنواع الأسلحة، والسموم وبنادق الصيد، والخطف والاغتصاب وإعادة إنتاج مظاهر قسوة النظام البعثي الفاشي عبر التضييع والتكتم على الاحتفاء... كل هذا والروح الحية لعبت دوراً من خلال تحول الأحداث الى تراكمات مادية، تصاعدت نظيفة، وشريفة واعني بها الثقافة. وسيظل يوم “1” تشرين تاريخاً حافلاً بأعظم السرديات التي ميزته وتوجته بالبطولات الفذة، التي حققت تحولات مادية هي التي أفضت الى الثورة عن طريق أهم الأحداث السياسية، سقوط الحكومة، وصعود بديل متحرك بجذر ومحاط بقوى القتل والإبادة، ولابد من التذكير بأن الشباب نجحوا بتركيع المجرمين والقتل والدعوة لقانون انتخاب - أشك القبول به - لأنه سيهدد العمائم الرخوة المكسوة بالغبار وروائح الدخان.

1 تشرين لا يختصر بكلمة موجزة، لأنه يستحق البقاء مخزوناً في تراكمات السرديات التي سيكون لها ذاكرة بيضاء تحلم بوطن مكتمل يومئ لخارطته ويقول أنا هنا وهو يحتضن شبابه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث وناقد، رئيس اتحاد الادباء والكتاب في العراق

عرض مقالات: