انه مسّرع جزيئات خصص لتحليل الاعمال الفنية. بامكانه ان يضرب رسما ما بحزمة من الاشعة بحيث يجعل من إلكترونات المادة المرسومة (الرسم) تطلق اشعاعات سينية او اشعاعات خاصة بالمواد التي شكل منها الرسم وكل ذلك من دون اي ضرر يلحق بالعمل الفن.

فما لا يستطيع فعله "مسرّع اللوفر" (ولا المسرّعات الثابتة لفحص الاعمال الفنية) هو انه غير قابل للنقل: مثلا لفحص وتحليل اعمال الفنان الايطالي، فاتح عصر النهضة "جوتو" على عين المكان الذي توجد فيه في "كاتدرائية اسيزي" في ايطاليا، او ان يدخل الى قاعة الطعام في كنيسة مريم للرحمات بميلانو لدراسة لوحة (العشاء الاخير) للفنان ليوناردو دافنشي.

الا ان مسرّعا اخر هو الان قادر على التنقل: انه محمول ويحمل اسم ليوناردو "ماكينة" (مسرّع قابل للتحريك الى مواقع الارث الفني لفحص تقني عال وغير ضار بالاعمال الفنية وهو ثمرة تعاون بين المعهد الوطني للفيزياء النووية (موفن) والمجلس الاوربّي  للبحث النووي (مابن) بجنيف ومركز تصنيع الاحجار الصلبة في فلورانسا حيث سيوضع (مع امكانية نقله الى اماكن اخرى حيث توجد متاحف) .

يتعلق الامر بمسرّع متكامل ذي دقة عالية وقابل للنقل؛ طوله حوالي 2,5م ويزن  300كغ تقريبا يعتمد على تكنولوجيا، دورة رباعية الحوامل الكهربائية المترابطة وعلى تردد اذاعي (Hf-Rfq) ، طوّرها المركز الاوربي للابحاث النووية وعلى ابحاث 35 سنة للمعهد الوطني للفيزياء النووية حيث يشتغل 15 فرقة من الباحثين المختصين وذلك عبر شبكة الكنوز الثقافية. وهذا النموذج (الالة) سيستخدم اساسا في دراسات تهدف الى فحص ما يراد ترميمه من الاعمال الفنية وبالاساس فحص يستهدف دراسة مواد تلك الاعمال والجميل في هذا الامر ان ذاك الفحص لا يلحق اي ضرر بها.

ويفسر لنا الاستاذ فرانشيسكو تاتشيتّي ، المنسق العلمي للمعهد الوطني للفيزياء النووية، قائلا "نأخذ المسرّع الى العمل الفني، وهو ما لم يقم به احد الى يومنا هذا، فيمكننا من القيام بفحوصات وبتحليلات للعمل الفني من دون الحاق اي ضرر له، علما وان القيام بذات الاعمال بطرق اخرى غالبا ما تلحق ضررا بالعمل الفني. المسّرع "ماكينة" يستخدم حزمات إيونات بتيارات كهربائية صغيرة اذ يتعلق الامر بعشرات الميكروات وهو ما يعني ان الامر يتعلق بتحليلات غير ضارة للعمل الفني.

"وبحزمة الايونات بامكاننا إثارة ذرات المادة الملوّنة للعمل الفني ورؤية الاشعاعات السينية التي تطلقها او إثارة نواتات الذرات والحصول على إشعاعات (غامّا) التي تعطينا نوعا آخر من المعلومات وكلها تقنيات توفر معلومات عن عناصر الطبيعة الذرية للعمل الفني ."

معلومات كثيرة ومتنوعة يقابلها ضروب متعددة من الفحوصات والتحاليل للعمل الفني: ويواصل المنسق العلمي قائلا " بامكاننا مثلا ان نستخدم بروتونا بقدر محدد من الطاقة يتوقف عند ثخن محدد من سطح اللوحة (عشر او مئة ميكرون) لكن ان نحن زدّنا في الطاقة فان الحزمة تتوقف عند مستوى أعمق من الاول. مع هذا اللعب بالطاقة بامكاننا ان ننجز صورة لطبقات العمل الفني، ما يعني التمكن من النفاذ الى أعماق مختلفة لمادة العمل الفني".  

عمليا، بهذه الفحوصات والتحاليل قد صار بامكاننا ان نعرف نوعية المادة التي أستخدمها الفنان كما يمكننا التعرف على مختلف طبقات المادة الملوّنة بل وأكثر من ذلك مثلما يقول المنسق العلمي "هذا الاجراء صالح للتعرف بدقة عن المكونات الأصلية للعمل الفني، ذرات المادة. وكل ذلك لمعرفة ماذا؟ في المرحلة الاولى للترميم ، مثلا، لا بد من معرفة نوعية المادة الملونة التي وقع إستعمالها لانجاز لوحة ما، فاذا علمنا ذلك كان بإمكاننا ان نبحث عن مواد شبيهة أو ملائمة كي نتمكن من ترميم العمل الفني. بإمكاننا كذلك أن نعرف ان كان العمل الفني قد تعرض الى عمليات ترميم في فترات مختلفة، وان نكتشف ان كانت المادة تحتوي على مواد ملونة حديثة اي كل  تلك التركيبات مثل مادة "التيتانيو" او غيره من المواد الحديثة مع أمكانية التعرف عن عمل مزيف.

وكذلك بامكان المسرّع ان يصور العمل الفني وان يجمع صورا للعمل الفني كل ذلك عبر تحريكات خارجية، الشي الذي يمكننا من فحص معلومات متنوعة تهم مرمّمي الاعمال الفنية او مؤرخّي الفن مثل نمط الرسم عند الفنان وضربات فرشاته.

من المعلوم انه توجد بعد أدوات متنوعة لفحوصات معمقة للاعمال الفنية منها "المولاب" او المختبر المتنقل للأبحاث الغير ضارة للأعمال الفنية لجامعة "بيروجا" الايطالية وللمركز الوطني للابحاث النووية الذي يقوم بإستكشاف باطني للعمل الفني وذلك بالتصوير بالاشعة السينية وصور منعكسة بالاشعة ما دون الحمراء. ومن المعلوم ان المعهد الوطني للابحاث النووية يعمل منذ سنين مع جامعة "بيروجا" ومع غيرهم. ذلك ان تكامل الابحاث أمر اساسي .

سألنا المنسق العلمي البرفسور "تاتشستي" عن الفرق بين مصور باشعة سينية ومسرّع؟ فاجاب  ''المسرّع هو "مدفع" بإمكانه ان يقوم بتحليلات كمية ويمكن استخدامه للقيام بعمليات التصوير الطبقي (المتراتب) التي تمكننا بدورها من التعرف على الطبقات التي يتكون منها العمل الفني طبقة طبقة" .

لكن متى سيدخل هذا النموذج لـ"ماكينا" في العمل؟ اولا ان هذا المسرّع سيقع عرضه وتقديمه، في الأيام القادمة في المعرض الذي سيقام بمدينة "لوكا" الايطالية سيعرض نموذجا في "ابعاد ثلاثية" كما سيتم عرض المشروع النهائي لـ "نقطة القبس" اي الجزء الذي يخرج منه حزمة البروتونات.

اما فيما يتعلق بالمراحل : فقد تم تطوير المسرّع من قبل المعهد الوطني للفيزياء النووية  حسب نموذجين من مركز الاوروبي للابحاث النووية بجينيف. والجزء المتعلق بمصدر البروتونات وبانظمة الرقابة وبالاجزاء المتعلقة بالطاقات العالية كلها قد اخذت الى جينيف قبل اعلان وجود وباء كوفيد ،ومنذ ذلك الوقت بدأت عملية التكامل لادماج نموذجي المركز الاوربي للابحات النووية والتي سيفرغ منها في اواخرهذا العام الجاري حسب البرنامج المثبت. ثم ستنطلق مرحلة الاختبارات التي ستمتد الى بدايات 2021 (حسب البرنامج) ومع بداية  شهر شباط/فبراير ونهاية الاختبارات سيكون بالامكان الرجوع بالمسرّع الى مدينة فلورنسا لاجراء الاختبارات الاولى بالمعهد الوطني للابحاث النووية بنفس المدينة، ثم سيؤخذ في ربيع 2021 الى مصنع الاحجار الصلبة "

اما تكلفة نموذج "ماكينة" فتقدر بحوالى 2,5 مليون يورو لكن مثلما يدقق لنا المنسق العلمي البرفسور "تاتشيتي" فان تكلفة النموذج تكون دائما مختلفة واعلى من تكلفة الانتاج الصناعي" اذ لا بد لنا من اعتبار تكلفة المرحلة الاولى للتطوير والمحاولات التي مكنتنا من إيجاد الحلول البسيطة باقل كلفة والباقي مسالة متعلقة بالاسواق. علما وان المسرّع قد وقع تطويره بالمعهد الوطني للفيزياء النووية مع التفكير في تكوين الفريق العامل عليه. على خلاف آلة تسلمها شركة في علبة مغلقة فان المسرّع هو أمر آخر اذ كل ما يتعلق به هو واضح وبيّن: لقد عمل الشبان الباحثون على انجاز مسرّع وهو امر ليس بالهين بالنسبة  لفيزيائي شاب" .

واعمال البحث لن تتوقف عند الاشادة بهذا الانجاز مثلما علمنا ذلك ان الابحاث مستمرة فيما يتعلق بإمكانية بادخال تغييرات وتحسينات على النموذج لتيّسير عمل المتعامل معه. اما سابقا، فيقول  البرفسور تاتشيني " فان ما كان يهمنا وما كان ملحا بالنسبة الينا هو ان ننجز تركيب أول مسرّع قابل للحمل للقيام بابحاث وتقصيات على عين المكان (حيث توجد اعمال فنية تستدعي التدخل) . وفعلا لقد تمكنا من اختراع آلة لها طاقة نهائية صغيرة وذلك لتحديد كل العوامل التي لها علاقة الحماية ضد الاشعة: وسيكون عديم الجدوى ان نحن تمكنا من إنتاج مسرّع قابل للحمل ثم يتعذر علينا حمله من مكان الى آخر. والمسرّع "ماكينة" بإمكانه ان يدخل الى مراكز الترميم والى المتاحف (لا يمكننا ان نأخذه الى بيوتنا وان نربطه بالدورة الكهربائية فيها وذلك لامر تقني اذ ان المسرّع يمتص طاقة تقدر بـ 7-8 كيلوات ومعلوم ان في المنازل والمتاحف والاستديوهات المتعارف عليها، فإن الدورة الكهربائية لا تتجاوز (3 كيلوات) لكن لدينا 'المرحلة 2' لتطوير لاحق لما تمكنا من ابداعه لا يعدو نموذجا. ولقد عملنا بشكل يمكننا من إعادة ابداعه بيسر" . 

وفيما يتعلق ب "ماكينا" يقول لنا عالم الفيزياء بان "ماكينا" قد قام بسفرة اولى الى جينيف:  قمنا بتفكيك المسرّع في ثلاث ساعات واخذناه الى جينيف حيث تمكنا من تركيبه في ساعتين ثم اشعلنا انظمة الخلاء ومصدر الإيونات وكنا على اهبة اطلاقها لو كان عندنا عمل فني واضاف قائلا بانه 'لا يوجد في العالم مسرّع آخر يمكن ان تفككه في ثلاث ساعات وتعيد تركيبه في ساعتين" .

روما

عرض مقالات: