أحمد مطر شاعر عراقي تولد 1954 قرية التنومة أحدى نواحي شط العرب البصرة ، كتب أحمد مطر عن حياتهِ في بريطانيا : (أنا في بريطانيا دولة مستقلة ، تمشي على قدمين ، نشتاق إلى أوجاع أحتلالها ، ونهفوا إلى المعركة من جديد ،لستُ سعيداً لأنّي بعيد عن صدى آهات المعذبين ، لأني أحمل آهاتهم في دمي ، فالوطن الذي أخرجني منهُ لم يستطع أن يخرج مني ، ولا أحبُ أن أخرجهُ ولن أخرجهُ).

وأرى إن الشاعر يبدو لي متابعاً وقارئاً نهماً للنصوص الأدبية والشعرية بمساحة واسعة مطلا من نافذة العراق أولا ثُمّ الأدب الخليجي فالعربي والعالمي ، وبالتأكيد أطلع بشكلٍ جيد على الروايات العالمية والمصرية والسينما الصامتة والمتحركة وموهبتهُ في الرسم الكاريكاتيري كل تلك ظهرت آثارها وبصماتها خلال نصوصه الشعرية ، لذا أن دراسة تجربة " مطر " جعلتني أوأكد أن الشاعر أتقن مفهوم الحرية لذا أني أمام شاعرٌ كبير صنع شخصنتهُ المطرية بمقاييس الكبار المحدثين .  

تميّز بتعدد الترحال بعقوبة المنفى القسري ، فهو مهجرٌ داخل خيمة وطنهِ وخارجها إلى الكويت الجارة! ثم إلى أرض الضباب لندن الذي أستقر فيها ليكتب أسباب ترحاله :

سبعون طعنة هنا موصولة النزفِ

تبدي ولا تخفي

تغتال خوف الموت بالخوفِ

وأحمد مطر من شعراء المهجر الذين تركوا الوطن دفاعاً عن الوطن ، رضوا بالغربة خشية الأغتراب داخلهِ ،  متفهما لما عاناهُ الجواهري من كأس المنافي المرْ ، ويعبر الجواهري العظيم عن هذه المظلومية  : بكيتُ وما على نفسي ---- ولكن على وطنٍ مضامٍ مستهانِ .

شاعرنا أعطى للكلمة الشعرية معنى ، وشكل مع رفاقه شعراء المهجر هاجس التصدي الذي أقلق الأنظمة الشمولية ، فحين أمتزجتْ ظواهر الحياة مع عالمهِ الشعري رسمها في أبهى صورها بنكهة وجمالية خاصة ، وبأعتقادي : تلك هي غاية الأدب في الحياة وبدونها تصبح كالماء عديم اللون والطعم والرائحة .

أحمد مطر أنسان حرْ متمرد على واقعهِ المذلْ والمهان من جلاديه سواءاً كان في وطنهِ أوالوطن العربي بحكامٍ مدمنين القهر وكم الأفواه وأغتيال الكلمة الحرّة بسياط القوّة والترصد ، ولعل "مطر " عبّر ببساطة ولكن بأقتحامية سردية وبنصٍ جريئ يقتحم سور الشمولية المذل وأن يكسرْ حاجز الخوف ببراعة شاعر أعلن حرباً على الرتابة المملة ، لذا وصفه نقاد عصرنا المعولم بالحداثوية : أن أحمد مطر " ملك الشعراء" لروائع ما كتب في الشعر المعبر .

ما يميّزْشعرهُ ---

-كانت بواكير شعره وهو تلميذ يافع في مرحلة المتوسطة في قصيدة غزلية وهو الشيء المعتاد من مفهوم شعر المراهقة التي توحي الوجد والهيام والدموع والأرق ، إذا نظرنا إلى قصيدتهِ الأولى وهو في سن الرابعةعشر بسبعة عشر بيتا شعرياً تبدو فيها بواكير سبك السردية أكبر من سنهِ وكان مطلع القصيدة :

مرقت كالسهم لا تلوي خطاها

ليت شعري ما الذي اليوم دهاها

ثم كتب الغزير في شعر الغزل في رومانسية رائعة ، قال :

غازل ليلاك بما أستيسرْ

ضعها في حاشية الدفتر

- ينتمي إلى الشعر السياسي كما ينتمي إلى مدرسة السهولة والبساطة والسهل الممتنع الذي ربما ينتمي أليها نزار قباني ، يقول :

لماذا الشعر يا مطر؟

أتسألني

لماذا يبزغ القمر ؟

لماذا يهطل المطر ؟

أتسألني !! لماذا ينزل القدر !

-السخرية في شعر أحمد مطر ، أن السخرية الشعرية فن راقي يحتاج إلى الذكاء والفكر وحركتهِ الديناميكية ، فهي سلاح خطير بيد الكبار في النقد والفلسفة مثل المناضل عبدالجباروهبي ( أبو سعيد ) والأستاذ البصري " جاسم المطير " صاحب المسامير ، فأضطر شاعرنا سلوك هذا الطريق الشائك والخطير للنضال ضد جلادي الكلمة الحرة في وطنه الحبيب وعموم الوطن العربي ، ولأن الشعر في نظر الشاعر مطر : إنهُ نوع من أنواع الفنون من مهماتهِ التحريض والكشف والشهادة على الواقع ، والنظر إلى الأبعد ، وهو بذلك يسبق العقل ويواكبهُ ويضيء لهُ الطريق ويحرسهُ من غوائل التضليل ، والتفكير بواقع المواطن المؤلم وأزماته اليومية إلى جانب صعوبة التغيير الشامل ألا بالشعر وأقول أنه شاعر أنتحاري ذاهب إلى الحرب بدون أسلحة تقليدية ولكن بسلاح صنعه لنفسه يصعب فك شفرته ألا أحمد مطر ، بأعتقادي هذا اللون من الشعر يعني أشعار الثورة والمقاومة  . ويقول :

أنا لستُ أهجو الحاكمون : وإنما

أهجو بذكر الحاكمين هجائي  

ويقول في قصيدتهِ المشهورة " آهات "

رأيتُ  الدول الكبرى

تبديل الأدوار

فأقرت أعفاء الوالي

وأقترحت تعيين حمار

ولدى توقيع الأقرار

نهقت كل حمير الدنيا بأستن

---- نرفض في أصرار

أن نغدو خدماً للأستعمار

إن حموريتنا تأبى

أن يلحقنا هذا العار

-هو من مؤيدي التجديد في النقلة النوعية من الشعر المقفى إلى الشعر الحر ، القائل :

أعلمُ أن القافية

لا تستطيع وحدها أسقاط عرش الطاغية

لكني أدبغُ جلدهُ بها

دبغ جلود الماشية

حتى إذا ما حانت الساعة

وأنقضت عليه القاضية

يكون جلداً جاهزاً

يصنعُ منهُ الأحذية

-يستعمل الأسلوب القصص في شعرهِ السياسي ، وهذا الأسلوب يتصل حبلهُ السري بوجدان الأنسان ، ويزاوج فيه أسلوب الحوار ، نمودج من هذا النمط الشعري :

جسّ الطبيبُ خافقي

وقال لي :

هل ها هنا الألمُ ؟

قلتُ لهُ : نعم

فشقّ بالمشرط جيب معطفي

وأخرج القلمْ

هزّ الطبيبُ رأسهُ ---- ومال وأبتسمْ

وقال لي :

ليس سوى قلمْ

فقلتُ لا يا سيدي

هذا يدٌ --- وفمٌ – رصاصٌ – ودمْ

وتهمةٌ ساخرةٌ----- تمشي بلا قدمْ

-أسلوب الأختزال في الشعر--- يقول :

قال أبي :

في كلِ قطرٍ عربي

إنْ أعلن الذكي عن ذكائهِ

فهو غبي

-رفضهِ للخنوع والذل باللجوء إلى الكويت وأشتغالهِ بجريدة القبس الكويتية التي أعتبرتْ نافذة لهُ يطلُ بها على الجمهور، ولكن المحرر ورقيب الجريدة أستعملا معهُ الفوقية وسياسة لي الأذرع وأستثما ر أمكانياته الأدبية في الأعلام الموجه ، ولكنهُ رفض بشدة ولم يستكين ، وهو القائل :

أيتها الصحيفة

الصدق عندي ثورة

فلتأكلي ما شئتِ، لكني أنا

مهما أستبد الجوع بي

أرفض أكل الجيفة

-وفي أسلوبه الشعري نقد الحكم والأستبداد بوجه خلط الدين بالسياسة وهو القائل:

أدعُ إلى دينك بالحسنى

ودع الباقي للديان

أمرٌ بالعدل تعادلهُ

لا بالعمة والقفطان

الأيمان الظالم كفرٌ

والكفرُ العادل أيمان

-وكتب شعرا ثورياً حراً لا يعرف المهادنة موجهاً رصاصات شعره نحو تحكم السوداوية الجمعية في القهر والظلم ، القائل :

طول عمري

يركضُ القهر أمامي وورائي

هوظلي في الضحى

هو نديمي في المساء

-قسم أدباء الشعرالقافية إلى قسمين المطلقة والمقيدة ، أحمد مطر كتب بالأثنين بدقة شاعر متمكن ومبدع .

يقول في القافية المطلقة :    

لو أن أرباب الحمى حجرٌ

لحملتُ فأساً دونها القدرُ

هوجاء لاتبقي ولا تذرُ

وقال في القافية المقيدة قطع النص السردي :

حيا على الجهاد

كنا ---وكانت خيمة تدورفي المزاد

تدور --- ثُمّ إنها

يبتاعها الكساد

-أستعمل الصناعات البيانية والبلاغة والبديع ينقل المتلقي من قطع النص السردي إلتناصية متقاربة مع الأصل بارعة وجميلة وشفافة على القلب ممتزجة بشيء من الفنتازيا الخيالية  مع الأصل يقول :

نحن المصابيح ببيت الغانية

رؤوسنا مشدودة

في عُقد المشانق

صدورنا تلهو بها الحرائق

كلمة أخيرة : بحق شاعرنا المتميّز : وجدتُ في مجلة العربي التي تصدر في باريس نقداً أدبيا يرقى لنصٍ نثري جميل ، أجتزأتُ منهُ هذا النص : {شاعر لا يقف في طابور ، ولم يفتح سوبر ماركت ، ولا يتقن بيع البضاعة ، ولا يدعوك إلى قصيدة غزل ماجنة في جلسة خمر ، وخضراء وقمر ، ولا إلى قصيدة مدح في باب السلطان ، ولا قصيدة فخر في باب الرئيس الرمز ، ولا بقصيدة رثاء يتقمص فيها دور النائحة لأستدرار الدموع ، ولا يملك صفراً في البنوك بيد أنهُ من أصحاب الملايين في بورصة  " الكلمة الحرّة " }

مصادر وهوامش

-أطروحة الباحثة العراقية " مريم الفاخري –أساليب السخرية في أدب أحمد مطر

-موسوعة أعلام الشعر العربي الحديث / أحمد مطر شاعر المنفى واللحظة الحارقة

كاتب وباحث عراقي

حزيران 2020 ستوكهولم

عرض مقالات: