ان موضوع حقوق الانسان حيوي غير قابل للاحتواء من خلال الوصف والتحليل والاستنتاج، اذ ان حقوق الانسان باتت من اهم سمات تطور الانسانية والعيش بسلام وطمأنينة وسط التزامات وتعهدات يقوم بها من يمتلك القرار في تسيير الدولة وبناء ركائزها المجتمعية ومفاصلها الانتاجية والوظيفية والسياسية والاقتصادية التي تنصب بمحصلتها في خدمة الانسانية والانسان بوصفه الركيزة التي تبنى عليها المجتمعات المتطورة.

ان حاجتنا اليوم الى مراعاة حقوق الانسان في اختيار الحياة الكريمة ومزاولة النشاطات المختلفة من شأنها ان تعزز قيمة نجاح الدولة وتطورها في اصعدة مختلفة.

 ان التحديات التي توجهها حقوق الانسان ولاسيما في العراق تحديات كبيرة وصعبة تراكمت بفعل عقود من الزمن اختلفت فيها السياسات والاقتصاد والبنية الاجتماعية وغيرها من مقومات تقدم الشعوب عبر التاريخ... فالعراق لم يكن كسائر الدول الاخرى ولاسيما الدول النامية ويمتص ثرواتها وعقولها ونتاجاتها العلمية والانسانية.

من هنا جاءت انطلاقة الباحث د. حسن الجنابي في سبر اغوار تحديات حقوق الانسان في العراق وكتابه الذي اطلق عليه العنوان ذاته، يكشف العديد من المحطات التي واجهت تحديات جمة في موضوع حقوق الانسان في العراق، اذ قسم هذه الدراسة الى محطات او فصول عدة من اجل ان يبين لنا تلك التحديات بطريقة منهجية علمية دقيقة جاءت من رحم الحدث وتحولاته المختلفة في السياسة والاقتصاد والارهاب وما تلاه من تحولات اخرى في الجانب الاجتماعي. ودرس الاضاءات و اللمحات التاريخية للعراق على وفق تفاعل الانسان العراقي معها على مر الزمان منذ بدء الاحتلال البريطاني للعراق اوائل القرن الماضي وهنا يستشهد الباحث بسلوك المحتل البريطاني بشخص القائد الميداني والسياسي المخضرم (ونستون تشرشل) نقلاً عن (نعوم تشومسكي) قد دافع علنياً في خطبة له امام مجلس العموم في بلاده عن استخدام السلاح الكيمياوي ضد العشائر العراقية التي انتفضت ضد الاحتلال البريطاني آنذاك. وهذا يدل على ان الوعي العام، بما فيه لدى قادة العالم من طراز ونستون تشرشل، كان بدائياً، بقدر تعلق الامر باستخدام اسلحة الدمار الشامل الفتاكة، وتجاهلهم للقدرات التدميرية لها، والسباق المفتوح من اجل امتلاكها واستخدامها دون رادع لإيقاع اكبر قدر من الضحايا بأقل وقت ممكن، لغرض حسم الصراع اللاانساني اصلاً، دون الاكتراث لنوع الضحايا ان كانوا جنداً مقاتلين، ام عزّلاً مدنيين من الاطفال والنساء.، انها جدلية ما بين القوى والحكومات والشعب في بناء مجتمع يسوده التعاون والاحترام المتبادل من خلال التأكيد على حق الانسان في العيش بكرامة في بلده، وهنا يشير الدكتور الجنابي في استنتاج مهم كخلاصة للانطلاق نحو تشخيص العديد من التحديات التي تواجه حقوق الانسان في العراق اذ يقول: ((فالسلطة ولاسيما بمفرداتها الامنية والمعنية بتطبيق القانون وان كانت اكثر آليات القمع انتشاراً، لأنها وبمجرد عدم جديتها او حزمها في حماية حقوق الانسان يعد انتهاكاً لها، وهي ليست الوحيدة المسؤولة عن الضرب بحقوق الانسان عرض الحائط، بل يشترك معها المجتمع القائم على التمييز العرقي والديني، والقمع والتعصب والاعراف المتخلفة والتقاليد البالية والطبقية وحكم السلالات والعشائر واضطهاد النساء، واستغلال الاطفال وسوء معاملة المعاقين وكبار السن، ل ذلك يؤدي الى خلخلة تماسك المجتمع وانسجامه وحماية افراده، فيصبح ضعيفاً ومنهكاً وينتج في اغلب الاحيان سلطة فاسدة وغاشمة تكون لحقوق الانسان في مؤخرة اولوياتها ان كانت لديها ثمة اولويات))، وهذه النقاط المهمة التي بحثها عبر التاريخ ما تزال راسخة الى يومنا هذا وبات يواجه تطور وسائل الاعلام والثورة الرقمية والارهاب حتى ظهور الامراض المميتة اليوم وتفشي تلك الامراض في وسائل التواصل الاجتماعي ووكالات الانباء العالمية من اجل اصابة الانسان بشكل عام بالخوف والارهاب اكثر من مراعاة حقوق الانسان في بذر الامل والمحبة والتكاتف من اجل الخير والسلام، فحقوق الانسان اليوم اصبحت تغادر المكان نحو المكان الشامل اي من المحلية نحو العالمية كما كانت تيارات العولمة الامريكية تنادي بها منذ نهايات القرن الماضي حتى اليوم.

تطرق الباحث ايضا في دراسته المهمة هذه الى موضوع الصراع السياسي العالمي وحقوق الانسان في العراق ولاسيما ما أكده من معاناة الانسان العراقي طوال فترة الحصار الاقتصادي الطويل مروراً بمراحل التدمير المجتمعي لمؤسساته وظهور التطرف والارهاب وعدم الاكتراث بمصير ابنائه وحياته وحقوقه في العيش بكرامة على الرغم من ان العراق احد اهم تلك الدول التي اسهمت بتأسيس منظمة حقوق الانسان العالمية.

عرض مقالات: