ظل مؤيد جواد الطلال يواصل حضوره، باحثاً وناقداً، في ساحة الثقافة العراقية والعربية على امتداد ما يقرب من نصف قرن. قبل أن يفاجئ قراءه بروايته الأولى "دمعة وحيدة " التي صدرت مؤخراً. يتمحور محتوى هذه الرواية حول العلاقة الأزلية بين الرجل والمرأة ووسيط هذه العلاقة الدائم: الجنس، الذي يتم التعامل معه بوضوح وببوح مباشر وصريح لاسيما فيما يخص العلاقة الجسدية على نحو ٍ خاص. صدرت هذه الرواية عن " دار العراب للدراسات والنشر والترجمة " في دمشق، وتوزعت صفحاتها على اثني عشر فصلاً، يثير الانتباه فيها أن الثامن منها غادر موقعه في تسلسل الفصول واحتل له موقعاً في خاتمة الفهرست، بعد الفصل الثاني عشر والأخير، وهو موقع يناسبه لأنه ينطوي على خاتمة الأحداث. بطل الرواية ماجد يقف على عتبة العقد السابع من عمره: خرج من زيجتين فاشلتين وتجول في أكثر من بلد قبل أن يستقر به المقام في دمشق هرباً من الوضع المتردي في العراق وبشكل خاص بعد أحداث الصراع الطائفي الذي أعقب الاحتلال الأمريكي للعراق، لكنه لم يفقد صلته، روحياً أو جسديا ببلده العراق، فضاعفت تلك الهجرة القسرية، وما سبقها من متاعب على المستوى العائلي، من توتير الأزمة النفسية التي كان يعاني منها، وبدأ البحث عن طريق الخروج منها عبر منفذ العلاقات الجسدية.
يعتمد البناء السردي في هذه الرواية على توظيف التراسل ليتحول النص إلى رسالة تبدو كأنها من طرف واحد ،يدوّنها بطل الرواية ويوظفها ليس فقط للتعبير عن مشاعر الحب التي يخص بها المرأة ، ولا يكتفي فيها بالتعبير عن مشاعره الداخلية والبوح المباشر عن رغبته فيها، وإنما أيضاً سرد ما يعاني منه نفسياً بفعل طبيعة الظروف الاجتماعية والسياسية التي عاشها .التراسل هنا ليس ورقياً انما هو الكتروني ومن طرف المرسل ماجد الذي يحمل العديد من ملامح الروائي نفسه ، فلا يتلقى جواباً حصرياً على النمط الذي يكتبه إنما محض اشارة اعجاب أو محض تعليقات مبتسرة لا تشفي غليله، يجد بطل الرواية ملاذاً بالهروب إلى حضن صبية تحمل اسم نرمين (ربما لا يكون صحيحاً ) سقطت في وحل البغاء في سن مبكرة، ولعل هذا الملاذ يشي بالهروب من واقعه المر ومحاولة التعويض عن الاحساس بخيباته وبخساراته ، وإلاّ ما معنى أن يلوذ رجل على مشارف السبعين بصبية في سن حفيدته ؟
يلاحظ أن علاقة ماجد قبل نرمين كانت بأختين ناضجتين وهي علاقة قائمة في تشكّلها على عنصر المصادفة وقد سعى للتستر على اسم احداهما منذ مطلع الرواية: " انها السطور الأولى في أول رسالة أبعثها إليك أيتها الرشيقة ذات الأنف الإعجازي التكوين، يا امرأة لا أستطيع ذكر اسمها الذي يرمز إلى تاريخ قديم في خارطة العالم " (ص 7). في حين يظل حضور اسم الثانية (شروق) يتواتر في أنحاء عديدة من الرواية. ويبدو واضحاً أن حب بطل الرواية للأختين كان محكوماً بالفشل أصلاً لأنهما متزوجتان ولكل منهما طفل من زواجها الشرعي على الرغم من أن العلاقة الزوجية لكل منهما كانت مرتبكة على ما يبدو. فقادته خيبته في هذا الجانب إلى التعلق بالصبية نرمين التي تجلى حضورها في العديد من مفاصل الرواية لاسيما النصف الثاني منها. تجمع هذه الرواية، في بعض تفاصيلها، بين الفلسفة والسياسة وفيها ما يشي بسعة أفق الروائي الثقافي الذي تؤكده الإشارة إلى تعدد وتنوع قراءاته، لكن موضوعة الجنس والتعامل المباشر والصريح معها، تبسط سطوتها على جزء كبير منها. وباستثناء الإسراف في التحدث بلغة الجسد هذه، والتي قد يجد الروائي من يعترض على الإيغال فيها، مع غياب واضح للحوار إلى جانب التنقل بين لسان الراوي ولسان الغائب، تظل لغة السرد المتدفقة عامل جذب مضاف يصب في صالح الرواية.

عرض مقالات: