القصيدة  بصوت المرأة لم تكن شائعة ً في الشعر الشعبي العراقي القديم الّا بحدود ضيّقة، من أهمها ماجاء في الشعر الحسيني، النعي تحديداً وبعض الانماط الاخرى.

بعد التحوّل التجديدي والتحديثي بريادة الشاعر الكبير مظفر النواب في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، ومنذ أول قصيدة لهُ (للريل وحمد) وهي قصيدة مكتوبة بصوت المرأة في معظم مقاطعها، يكون لهذا الشاعر اسبقية الانتباه والتأصيل في كتابة قصيدة شعبية جديدة / حديثة بصوت المرأة. وقد ضمّت مجموعته الرائدة (للريل وحمد) إضافة الى القصيدة التي حملت المجموعة اسمها، الكثير من القصائد على هذه الشاكلة، وقد اشرتُ الى ذلك تفصيلياً في كتابي (بستان الرازقي – مظفر النواب، الاسرارالقصيّة في الشعر الشعبي العراقي الحديث).

الشاعر المبدع (ابو سرحان) انتبه بسرعة فنية الى هذا التحوّل الشعري / الصوتي وكتب قصائد موازية بصوت المرأة، من بينها (زبون حمود، الگنطرة ابعيدة) وقد ضمّتها مجموعته الوحيدة (حلم وتراب)..، كما كتب العديد من الاغاني بصوت المرأة. فبالاضافة الى القصيدة (الگنطرة ابعيدة) التي اصبحت أغنية، كتب : لا لا لول لوّه، حاصودة، همّه الثلاثه للمدارس يروحون، لولي يناكَوط الماي، وغيرها.

في (الگنطرة ابعيدة) التي غنّاها المطرب (سعدون جابر) جاء النص على النحو الآتي :

لا لايبرد الصبح..ماتحمل اجفوفي. ازغيرَه إو جواني العشگ..واتوسَد ازلوفي. الا أنه ُ في واحدة ٍ من التسجيلات، وبعد أن أدرك بأنها بصوت المرأة، غنّاها : لا لا يبرد الصبح..ما تحمل اجفوفها.

ازغيره إوجواها العشگ..واتوسدت ازلوفها..، ومثل هذا التعديل قد أخلَّ بفكرة القصيدة، إضافة الى العثرات الايقاعية.

وللتأكيد بأن الاغاني المشار اليها قد كُتبت بصوت المرأة، نورد بعضاً من ابياتها :

لالالول لوّه..خلخالي صاح إو دوّه. لالا لول ليّه..ترجيتي اتضوي عليّه. يل راكب مهره ازغيره..يل شايل خنجر عربي. هاي آنه ابدربك ليره.. نزّلني ابكَوشر ربّي. لالالول لوّه...،

حاصوده إوبيدي المنجل..بالك لا تكَرب يمّي. بكَليبي الشوكَ ايلولي.. آنه الك يابن عمّي...،

همّه الثلاثه للمدارس يروحون.. بيهم حبيب الروح شوفيهم يمرون.  شوفي داده اشحلاته..اشحلاته.

الأغاني : الكَنطرة ابعيدة، حاصودة، همّه الثلاثه، كانت من الحان المبدع / كوكب حمزة /..، أما أغنية: لا لا لول لوّه، فهي من الحان المبدع /حميد البصري/. وما عدا (الگنطرة ابعيدة)..، فإن الاغاني الأخرى، قد غنّتها اصوات نسائية (مائدة نزهت وشوقية العطار) وبذلك تحقق الانسجام بين الشعري وجنس المطرب وبما يضمن عمق ومصداقية البوح.

إنَّ الاغاني التي كتبها (ابو سرحان) بصوت المرأة، تُمثّل لوناً غنائياً تجديدياً في مسار تطور الاغنية العراقية في السبعينيات....

عرض مقالات: