إلى علاء مشذوب في مناسبة ميتته الاولى

وأنت في ليلتك الأولى.. قلت:/ لم اشعر بالوحشة .../ سمعك "علي لفته"/ وأنت تطلب اغطية ثقيلة/ أو مدفأة .... قلت:/ لم تكن ليلة للوحشة أحبتي/ لولا هذا البرد .../ لأمضيت الليل كله أجول في المقبرة
لا أعلم لماذا يخاف الملثمون الأولاد المرحين ؟ كذلك لا أعلم لماذا يضعون آذانهم قرب ذبذبات الأثير وهي تنقل لهم قفشات الأولاد الساخرين بينهم، الأولاد الذين كبروا لكنهم لم يتخلوا عن مرحهم وجمال ارواحهم.. هكذا كان ماكان حينما وضِعْتَ "ياعلاء" تحت المرقاب السري لمن كان يخافك " فتلثم وبدأ يتابع مرحك وشغفك بالإبداع والنشاطات الثقافية.
عرفت الراحل العزيز حينما قررنا أن نقيم جلسة احتفاء بالروائي علي لفته سعيد التقينا في قاعة الإتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، وكلفت بأدارة الجلسة، يومها أسرني بأنه لايخشى شيئا في العالم أكثر من المكرفونات والمنصات! ووسط نكاته الجميلة كان يعدد اصداراته واهتماماته الجمالية مسرحا وسينما ورواية وقصة وريبورتاجات صحفية وتحدثنا قليلا عن الرواية والكتابة وشجونها، ولغرض مماحكته، استغللت ادارتي جلسة الروائي علي لفته سعيد، وناديت عليه ليشارك، وبلا تردد نهض وقبل أن يجلس رمقني بنظرة ذات مغزى والابتسامة لاتفارق وجهه، وحينما تحدث، تأكدت أنه لم يكن قد أعد ورقة، لكنه ارتجل كلمة رائعة عن الرواية العراقية متهما دور النشر بجعلها سجينة حدود شارع المتنبي، ولهذا يجب أن نعمل على اطلاقها عربيا وعالميا، ومن يومها توطدت علاقتي به، وحينما وجهت إلي الدعوة بعد سنوات لحضور جلسة اقامها اتحاد ادباء كربلاء لي، وحال وصولي كربلاء كان هو والاصدقاء الأحبة في استقبالي لتضييفي، يومها اعتلى المنصة وتحدث عن تجربتي المتواضعة، ثم تكررت لقاءاتنا في البصرة وبغداد على هامش مؤتمرات الرواية التي كان فيها ضيفا كريما وكبيرا، وتوالت اصداراته الروائية التي كرسها الى مدينته ووطنه، مدينة كربلاء التي حملت روايته "جمهورية باب الخان" وهو اسم الشارع الذي اغتيل فيه ليلاً من قبل ملثمين! ولهذا أعيد سؤالي: لماذا يخاف القتلة الاولاد المرحين المنتجين الكبار في ارواحهم وعقولهم؟ .قبل اغتياله بشهور، دعينا الى مؤتمر الرواية المنعقد في البصرة، تزامن وقت انعقاد المؤتمر مع ثورة البصرة الغاضبة والمطالبة بأقل مايمكن أن يقدم للإنسان، وهو الماء الصافي، الثورة التي انطلقت بعد زيادة نسبة الملوحة في شط العرب، والذي تحول الى مايشبه الوباء، يومها استطعنا أن نقتنص لنا ساعات ليلية بعد انتهاء المحاضرات تسللنا من الفندق نحو ساحة العرائس، حيث الجموع كانت تصرخ، وجدنا هناك الكثير من الدخان يتصاعد من مبنى المحافظة ومباني بعض الاحزاب .. شاركنا الثوار احاديثهم وانغمرنا معهم مشاركين بالحديث عن معاناتهم، كان علاء هو الوحيد الذي يطلق النكات بين المتظاهرين منتزعا منهم الابتسامات البريئة والعفوية، ومحرضا بعلنية على التواصل في احراق مابقي من البنايات.. خفنا عليه ممن يمكن أن يكون مندسا وسط المتظاهرين.. ونحن كنا بملابسنا الرسمية وسط الثوار وهم بالملابس الرياضية واغطية الرأس والكمامات.. واصل دكتور علاء اطلاق النكات حتى ونحن نمر قرب مكاتب الاحزاب المحترقة التي يتصاعد منها الدخان، لم يكن يخاف سحبناه نحو اقرب تاكسي نقلنا الى فندق الشيراتون حيث مكان اقامة الوفد .. ولهذا اعيد ماقلته .. (لماذا يخاف القتلة نكات وضحكات الأولاد الرائعين ؟).

عرض مقالات: