القدرة على قول الكثير باستعمال القليل من الكلمات - التي يتولد منها نص قصصي صغير يحفز مخيلة القارئ وتفكيره،ويثير مشاعره وعواطفه - تشكل جوهر فن " القصة الومضة " وتتطلب موهبة أصيلة، ومهارة فنية عالية.
الكثير مما ينشر هذه الأيام في الأدب العربي تحت مسميات مختلفة منها: القصة القصيرة جدا، منمنمات، اللوحة القصصية، مشاهد قصصية وغيرها لا ينتمي الى هذا الفن، لأن من يتصدى لتأليف هذا اللون القصصي – الذي أفضل تسميته بـ " القصة الومضة "، لا بد ان يكون متمكنا في الاصل من فن السرد، ومستوعبا لتقنيات الكتابة القصصية.
القصة الومضة، ليس جنسا ادبيا جديدا، كما يزعم البعض، ولا علاقة لها بالتطورات السياسية او الاجتماعية او الثقافية سواء في العالم العربي او في العالم، ولم تنشأ بسبب الثورة الرقمية أو اختراع الانترنيت، فقد كتب كبار الكتّاب الكلاسيكيين هذا اللون القصصي منذ عقود طويلة، وفي مقدمتهم ايفان تورغينيف،وايفان بونين، و أو. هنري،وفرانز كافكا، وارنست همنغواي، وجبران خليل حبران وغيرهم كثير.
وأهم مقومات "القصة الومضة" هي التكثيف والتركيز، والإيحاء والتمليح،والمفارقة، والخاتمة المدهشة. ويعتمد نجاح مثل هذه القصص على عمق الفكرة ووضوح وجهة نظر المؤلف.
نماذج مختارة من " القصة الومضة " في الادب العالمي
أو. هنري
كان سائق سيارة يدخن عندما انحنى ليرى مستوى البنزين المتبقي في خزان الوقود. كان الفقيد في الثالثة والعشرين من عمره.
ارنست همنغواي
كتب أقصر قصة قصيرة مؤثرة في تأريخ الأدب العالمي، وهي تتألف من ست كلمات فقط
للبيع: حذاء أطفال، لم يستعمل قط
"For sale: baby shoes، never used"
فردريك براون
آخر انسان على وجه الأرض، جلس في الغرفة. كان هناك طرق على الباب
جون دانييل : الغيتار
” “عندما كنت طفلاً، كانت زوجة أخي الأكبر تشتكي لي دائما بأن زوجها لا يعيرها أي اهتمام حين يعزف على الغيتار. وكانت تقول، أنني متأكدة أنه يحب غيتاره أكثر مني. وبعد بضع سنوات انفصلا عن بعضهما. أعتقد بأن هذا كان الحل الأفضل لحالتهما"
نيكول فيدل : موعد
رن الهاتف. قالت هامسة:
- الو
- فيكتوريا، هذا أنا. دعنا نلتقي في الرصيف في منتصف الليل
- حسنا عزيزي
- من فضلك، لا تنسى إحضار زجاجة من الشمبانيا معك
- لن أنسى عزيزي. أريد أن أكون معك الليلة
- عجلي، ليس لدي وقت للانتظار. قال ذلك واغلق الهاتف
- تنهدت، ثم ابتسمت، وقالت بينها وبين نفسها
– ترى من كان هذا
جارلس انرايت : شبح
بمجرد حدوث ذلك، هرعت الى المنزل لأخبر زوجتي بالخبر المحزن، لكنها لم تصغ الى ما أقول، ولم تلاحظ وجودي قط. نظرت من خلالي، وسكبت لنفسها شرابا. فتحت التلفزيون. في تلك اللحظة رن الهاتف. مشت والتقطت الهاتف.
رأيت وجهها يتجعد. بكت بمرارة
تينا ميلبورن - لحظة حاسمة
تناهى الى سمعها كأن باب سجنها يغلق عليها
لقد ولت الحرية إلى الأبد، والآن أصبح مصيرها في ايد غريبة، ولن تستعيد ارادتها أبدًا
كانت الأفكار المجنونة تنبض في ذهنها بشأن مدى جودة الطيران بعيدًا . لكنها عرفت الآن أن من المستحيل الاختباء.
التفتت إلى عريسها باسمة وكررت: "نعم، أنا موافقة"
آرثر ويلارد – اول لقاء
ترددت لفترة طويلة جدا. لأنها تعتقد أن الإعلانات الموجودة في الصحيفة في قسم "المواعدة" هي دليل فشل فقط، لكنها كانت وحيدة جدا، وتأمل ربما فجأة...
ارسلت إعلانا. وفي وقت مبكر من صباح اليوم التالي تلقت إجابة واعدة. والآن كانت جالسة في الريستوران في انتظار ظهور شخص غريب مع وردة في عروة سترته
- أبي.. هذا انت؟
آلان ماير، سوء حظ
استيقظتُ على ألم شديد في جميع أنحاء جسدي. فتحت عيني ورأيت ممرضة واقفة بجانب سريري.
قالت : السيد فوجيما. لقد كنت محظوظًا، لأنك نجوت من تفجير هيروشيما قبل يومين. لكنك في أمان الآن، هنا في هذا المستشفى..
سألها بصوت واهن: اين انا الآن ؟
قالت: " في ناغازاكي
روبرت تومبكينز "بحث"
أخيرًا، في هذه القرية النائية، انتهى بحثه هناك، قرب النار، جلست الحقيقة.
لم يسبق له أن رأى امرأة أكبر سناً وأقبح
- هل أنت الحقيقة ؟
- أومأت العجوز الشمطاء برأسها في زهو
- ما هي الرسالة التي يمكنني نقلها منك إلى العالم؟
بصقت العجوز في النار وقالت
- أخبرهم أنني شابة جميلة
كورت فارفا : " إكسير الذاكرة"
صاح هتمير : حسناً. وأخيرا !ً
أمسك بيده قنينة صغيرة، وكانت تحتوي على نتيجة عمله الدؤوب خلال ستين عامًا.
ابتلع جرعة رائعة من إكسير الذاكرة فغمرت الذكريات دماغه وانثالت فيه صور
الماضي. قضى كل حياته في المختبر وعانى من الفشل تلو الفشل.وكان يشعر بالوحدة والفقر والحرمان واليأس. فكر كيف قضى حياته.- فجلس والدموع تكاد تخنقه - لابتكار ترياق
كاترين وايلد: "55 كلمة غيرت حياتي"
غطيتُ نفسي للتدفئة بصحيفة مجانية، ولاحظت إعلانًا عن مسابقة ادبية. أرسلت قصة من 55 كلمة فازت في المسابقة. ونشرت قصتي في " نيو يوركر" ووقعت عقدا لنشر كتاب مع دار كنوبف، وحصلت على جائزة بوليتزر، وكتبت سيناريو لسبيلبرج.. الخ واشتريت فندق والدورف أستوريا، واسكنت فيه من هم بلا مأوى، ووزعت عليهم الصحف المجانية.
قلت لهم: جربوا فقد فعلت ذلك ونجحت.
جون جيراشي- ندرة
"بالضبط 42 مليونا".
اخذ مايكل الشيك ومرر بعناية زهرية قديمة ونادرة للغاية.
"لقد فزت، يا لانغستون." أنت الآن مالك المزهريتين النادرتين الباقيتين على وجه الأرض
- في الواقع، لم أكن أريد هذا على الإطلاق، أجاب لانغستون. أخذ المزهرية وألقى بها على الأرض، فتحطمت إلى ألف شظية
- أردت أن اكون مالك مزهرية وحيدة نادرة.غ
نيل شتاينبرغ : نشر
مارس. زوبعة صغيرة. قصاصات الصحف تتطاير بين الكتل الخرسانية، مثل أطفال. مدومة
" تم اعتقال شخصين...". توقف عن الكتابة وفكر، وهو ينظر من خلال النافذة. وارتسمت على وجهه ابتسامة. الفرق الوحيد، بين الصحافة والادب - كما يرى - هو انك لا ترى في مثل هذا اليوم، كيف ان الريح تطارد كتبك في الشوارع.
دان اندروز : تعاسة
يقولون ان الشر ليس له وجه. في الواقع، لم تنعكس أي مشاعر او لمحة تعاطف على وجهه. رغم ان الألم كان لا يطاق. ألا يرى الرعب في عيني والفزع على وجهي؟ قد يقول بهدوء، أنه قام بأداء عمله القذر باحترافية. وفي النهاية قال بأدب: " مضمض فمك من فضلك."
جي ريب : مصير
لم يكن هناك سوى مخرج واحد، لأن حياتنا كانت عقدة متشابكة للغاية من الغضب والنعمة. ومن اجل حل تلك العقدة بطريقة ما، قررنا اللجوء إلى القرعة من خلال رمي قطعة نقود معدنية في الهواء: الصورة -نتزوج، الكتابة -نفترق للأبد. رنت القطعة المعدنية ودارت حول نفسها وتوقفت: الصورة. حدق كل منا في وجه الآخر في حيرة، ثم صحنا في صوت واحد : لنجرب مرة اخرى.
براين نيويل : "ماذا يريد الشيطان"
وقف صبيان يشاهدان كيف ان الشيطان يبتعد ببطء. بريق عينيه المنوم لا يزال يغيم رأسيهما
- اسمع، ماذا أراد منك؟
- روحي. ومنك؟
فورا - عملة معدنية للهاتف الأوتوماتيكي. كانت به حاجة ماسة للاتصال.
- هل تريد ان نذهب ونأكل؟
- أريد ذلك، لكن الآن لا أملك اي نقود
- لا بأس لدي الكثير
بارنابي كونراديش : في المستشفى
قادت سيارتها بسرعة مذهلة. يا رب، اريد فقط ان اصل في الوقت المحدد.
ولكن من خلال التعبير على وجه الطبيب من وحدة العناية المركزة، فهمت كل شيء واجهشت في البكاء..
هل هو واعٍ ؟
يا سيدة أليرتون"، قال الطبيب بهدوء : يجب أن تكوني سعيدًة،فكلماته الأخيرة كانت: " أنا أحبك يا ماري "
نظرت إلى الطبيب وابتعدت
- شكراً، قالت جوديث ببرود
القصة الومضة
- التفاصيل
- تقديم وترجمة: د. جودت هوشيار
- ادب وفن
- 4757