.. معروف ان تاريخ الادب الانساني حافل بالشعراء المتمردين ابتداء من الصعاليك جاهليا حتى احمد فؤاد نجم حاضرا والذي شكل ظاهرة شعرية عرفت بألتزامها بالصور الشعرية الساخرة ..الناقدة ...التي اكتست ثوبا سياسيا واجتماعيا ليعلن عن مواقفه الفكرية والوطنية المحتجة ملء الفم على الاوضاع المتدنية ... باعتماد الالفاظ اللاذعة الخالقة لنصها المتفرد بميزتين اساسيتين: اولهما الميزة الدلالية التي تحمل في طياتها معاني ثورية تندد بالواقع السياسي والاجتماعي..وثانيهما الميزة الصياغية المتمثلة في الجملة المتكئة على الفاظ شفيفة بعيدة عن الضبابية ...فكان يكتب وتغني الناس (بقرة حاحا النطاحة) و(جيفارا مات) و (بهية)..

مصر يمة يا بهية

يم طرحة وفلاحية

الزمن شاب وانتي شابة

هو رايح وانتي جاية

جية فوك الصعب ماشية

فات عليك ليل ومية

واحتمالك هو هو.. وابتسامتك هي هي

تضحكي للصبح يصبح...بعد ليل ومغربية

تطلع الشمس تلاقيك معجبانية او صبية..يا بهية

ـ احمد فؤاد نجم .. رحلة انسانية وابداعية مكتنزة الثراء الفكري يدخل السجن في عهد السادات ويطلق سراحه ليكمل مسيرته النضالية عبر اللفظة الشاعرة.. المنحازة للفقراء والمظلومين..

عام 1979 كانت الانتفاضة الشعبية التي اطلق عليها السادات (انتفاضة الحرامية) فكان انذاك الاشتباك الصادم مع السلطة وكان صوت احمد فؤاد نجم ونصوصه المغناة يملأ السماء صادحة باسم الشعب بصور صادقة.. لذا حظيت بانتشار واسع تجاوز الحدود والافاق بحكم محتواها الانساني العميق وبنيتها الغنائية التي ابدع في ادائها الشيخ امام قرينه الاول حتى نهاية المطاف.. وتبعت اثرها الجماهير المقهورة ترددها في احتجاجاتها ضد السلطة الدكتاتورية.. فمثلت نصوصه نقلة نوعية في الشعرية العامية المصرية اذ الانتقال من النقد الاجتماعي الى عوالم الشعرية الاجتماعية السياسية بسبب الانقسام المجتمعي الى كتلة (مستغلة) بفتح الغين ....واخرى (مستغلة) بكسر الغين...وتجلى هذا في قوله:

هما مين...واحنه مين

هم الامرا والسلاطين

هم المال والحكم معاهم..واحنه فقرا محكومين

من عافيتنه تقوم الارض.. وعرقنا يخضّر بساتين

هم الفلا والعربية..والنساوين المتنقين

حيوانات استهلاكية ..شغلتهم حشو المصارين

احمد فؤاد نجم...يتجاوز حدود مصر ويتضامن مع حركات التحرر الوطنية وانتصارات الثورة والثوار العالمية..

ابجد هوز..سايغون عادت للثوار

فوق الدم وتحت النار

جدو فوجدوا..زرعوا فحصدوا..واحنه ادينا للسمسار

احمد فؤاد نجم.. جزء من مشهد اليسار الانساني عموما والمصري خصوصا بما (اصابه من اقصاء)...كان شاهد عصره عبر نصوصه الشعرية بما ينطوي عليه من تحولات سياسية ومجتمعية..

احمد فؤاد نجم..بشعريته المنغمة استطاع ان يتجاوز الحدود باقترانه وحنجرة رفيقه الشيخ امام فشكلا انموذجا للوعي الثوري عبر القصيدة الثورية الساخرة واللحن الجاذب والتي تجرنا صوب المغني التشيلي فيكتور جارة الذي كانت الحانه صوتا لمن لا صوت له.. كذلك كوكب حمزة وجعفر حسن وبيرم التونسي وعبد الله النديم وصلاح جاهين والابنودي...

احمد فؤاد نجم لغته الشعرية هي اللغة اليومية الدارجة ذات الايصالية المباشرة كل غايتها ايصال المفردة الحاضنة للفكرة النابعة من القلب الى القلب ...من الذات المنتجة الى الذات الجمع الاخر (المستهلكة) من اجل استثارتها سياسيا واجتماعيا لتحقيق حريتها ...

عرض مقالات: