الشاعر / رحيم الغالبي / كتب القصيدة الشعبية الحديثة ضمن اشتراطاتها الفنية/ الجمالية وعلى مقربة وتماس من جيلها التجديدي الأول، تأريخاً ولوناً. وللظروف الدخيلة التي فرّقت روّادها بين المنافي والسجون والموت والصمت الابداعي، ارتضى الصمت من بين تلك الظروف كموقف شعري/ حياتي، ولذلك تأخر اصداره الأول كثيراً، مع الملاحظة انه من بين شعراء مجموعة (قصايد للوطن والناس ) الصادرة عام 1974.

في عام 2010 جاء اصداره الأول موسوماً ب (جسر من طين) من منشورات مجلة الشرارة. في هذا الاصدار لم يوثّق الشاعر كامل تجربته الشعرية، حيث اقتصر على منتخبات من كتاباته، وهي كتابات لا توصل خط تطوره الى واجهة برّاقة، كانت كامنة فيه منذ لحظة الانبثاق.

جسر من طين، مجموعة دالّة على المكان الأول، دالّة تقود الى البيوت والهوى الأول حيث: النهر، اللافتة وبعلائق آيدلوجية محببة، علائق فيها من الثوابت ما يمنحها اللون والانحياز بإتجاه فضاء الحرية والانسان الانقى والحياة الأرقى:

منّي تبدي احلامي كلها

يمّك اكَدر اشتهي..

 إو يمّك اكَدر افتر ابروحي اسطوانه..،

اتغني حُب ما ينتهي

إو يمّك اكَدر ابجي واسهر..، واغفه يمّك والتهي...

تتقدم قصائد المجموعة بإندفاع أوّلي، من دون اشتغال دقيق في توليد وكتابة تسلسل البيت الشعري، من دون اهتمام بالتركيب والبناء. تتشكل القصيدة بصوته قبل الاصابع، حتى يمكن اعادة تشكيلها بطريقة كتابة ثانية وثالثة..، ولأن الشاعر مسكون بالفكرة، فإنه لا يعير اهتماماً اكبر للشكل، وبذلك تتداخل المعاني، ولا يمكن فك تداخلها الا بطريقةِ قراءةٍ خاصة، قراءة الشاعر لها :

هوى... يابس، وجه... يابس،فكر... يابس

لَعبت امحيبس اوياه / اشو/

بثنين اديّه الكَي محابس...

ما تقدم لا يقلل من القدرات الفنية التي تمتعت بها قصائد المجموعة، الا انه اشارة الى البناء والشكل الخاصيّن بالشاعر، والشاعر يُجيد الانتباه لموضوعاته وصوره الفنية المدهشة، صور يتزاحم فيها ماهو حسّي وما هو مخيالي وماهو غرائبي، في ومضات شعرية تميّزَ بها :

هواجس روحي نور إو ضي

 مشه الحايط إوظلّ الفي،

عبرت اشكَد سواجي اوياك،

عافتني الجروف إو ثبت بس الميّ...

 تعال اتعودينه.. نرسم اعله الثوب صبّيره إو نكَلك برتقال.

جسر الطين، هوى بشاعره مبكراً، وعلى مرأى من تطامننا القسري بفجيعة الرحيل، غير ان الظّل مازال قائما كما قال هو، نتحسسهُ ونلمسهُ ونرى/ رحيم الغالبي/ بيننا، شاعراً فوق جسر الذاكرة...

عرض مقالات: